عائشة أم المؤمنين رضي الله
عنها
بسم
الله الرحمن الرحيم
قال تعالي:{إِنَّ
الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً
لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ
مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ
عَظِيمٌ{11} لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ
مُّبِينٌ{12} لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ
يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ{13}
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{14}
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا
لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ
عَظِيمٌ{15} وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن
نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ{16} يَعِظُكُمُ
اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{17}} [سورة
النور آيات من 11- 17].
قال الإمام أحمد
رضي الله عنه:
"ذكروا أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى
الله عليه وسلم قالت: "كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج لسفر أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها،
خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فأقرع بيننا في غزوة غزاها،
فخرج فيها سهمي وخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعدما نزل
الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى
الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل
فقمت حين آذن بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش. فما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي
فلمست صدري، فإذا عقد لي من جذع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني
ابتغاؤه وأقبل رهط الذين كانوا يرحلونني فاحتملوا هودجي فرحلوه علي بعيري
الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه. قالت:
وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلن ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من
الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة
السن، فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم
وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم
سيفقدونني فيرجعون إليَّ، فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت.
وكان
صفوان بن المعطل السلمي، ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح
عند منزلي، فرأي سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان رآني قبل
الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي والله ما كلمني
كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته، فوطئ على يدها
فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغورين في
نحر الظهيرة، فهلك من هلك في شأني.
وكان الذي تولى كبره عبد الله بن
أبي بن سلول.
فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمناها شهراً والناس
يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي ولا
أرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي أرى منه حين أشتكي، إنما
يدخل رسول الله فيسلم ثم يقول: " كيف
تيكم؟..".
فذلك الذي يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعدما نقهت، وخرجت
معي أم مسطح قبل المناصع- وهي متبرزنا- ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك
قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب في التنزه في
البرية، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها في بيوتنا.
فانطلقت أنا وابنة
أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف وهي أم مسطح بن أثاثة بن عبد المطلب،
وحين فرغنا من شأننا أقبلنا نحو بيتي فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: " تعس مسطح". فقلت
لها: بئسما قلت تسبين رجلاً شهد بدراً؟..، فقالت:
أي هنتاه ألم تسمعي ما قال؟..، قلت: وماذا
قال؟..، قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك
فازددت مرضاً إلي مرض، فلما رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله صلى الله
عليه وسلم فسلم، ثم قال: "كيف تيكم؟.."، فقلت له: "أتأذن لي أن آتي أبوي؟"، قالت: "وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما،
فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوي فقلت
لأمي: "يا أمتاه لماذا يتحدث الناس به؟"، فقالت:
أي بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها إلا
أكثرن عليها.
قال: فقلت: سبحان الله
وقد تحدث الناس بها؟؟.. فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا
أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي. قال: فدعا رسول
الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب، وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي
يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله.
قالت:
فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلي الله عليه وسلم بالذي يعلم من
براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود.
فقال
أسامة: يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيراً.
وأما علي بن أبي طالب فقال: "يا رسول الله لم يضيق
الله عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك الخبر".
قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: "أي بريرة رأيت من شيء يريبك من عائشة؟"، فقالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت منها
أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها
فتأتي الداجن فتأكله".
فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم من يومه
فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، قالت: فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في
أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه
إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي لا معي».
فقام سعد بن معاذ الأنصاري رضي الله عنه فقال: "أنا
أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من
الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك".
قالت فقام سعد بن عبادة- وهو سيد
الخزرج- وكان رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية فقال
لسعد بن معاذ: "كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، ولو كان من
رهطك ما أحببت أن يقتل".
فقام أسيد بن حضير- وهو ابن عم سعد بن
معاذ- فقال لسعد بن عبادة: "كذبت لعمر الله
لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن منافق".
فتثاور الحيان الأوس والخزرج
حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم علي المنبر، فلم يزل
رسول الله يخفضهم حتى سكتوا وسكت رسول الله صلي الله عليه وسلم.
قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل
بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي.
قالت:
فبينما هما جالسان عندي- وأنا أبكي- إذ استأذن عليّ امرأة من الأنصار
فأذنت لها فجلست تبكي معي. فبينما نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثم جلس.
قالت: ولم يجلس
عندي منذ قيل ما قيل، وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء.
قالت: فتشهد رسول الله صلي الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: «أما بعد يا عائشة
فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنتي بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألمت
بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب، تاب الله
عليه».
قالت: فلما قضي رسول
الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله.
فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله
عليه وسلم.
فقلت لأمي: أجيبي رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
فقالت: والله ما أدري
ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت:
فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن والله لقد علمت، لقد
سمعتم بهذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم أني
بريئة، والله يعلم أني بريئة لا تصدقونني، ولئن اعترفت بأمر والله يعلم أني
منه بريئة لتصدقني، فوالله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا
تَصِفُونَ} [يوسف:18].
قالت: ثم
تحولت فاضجعت على فراش. قالت: والله أعلم
حينئذ أني بريئة وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن
ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله بأمر
يتلي ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلي الله عليه وسلم في النوم رؤيا
يبرئني الله بها.
قالت: فوالله ما رام
رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل
الله تعالى على نبيه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى إنه
ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شاتٍ من ثقل القول الذي أنزل
عليه.
قالت: فسري عن رسول الله صلي
الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال:
«أبشري يا عائشة أما الله عز وجل فقد برأك».
قالت: فقالت لي أمي:
قومي إليه. فقلت: «والله
لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل هو الذي أنزل براءتي وأنزل الله عز
وجل». {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ
عُصْبَةٌ مِّنكُم} [سورة النور:11]إلخ.
فلما أنزل الله هذا
في براءتي قال أبو بكر رضي الله عنه- وكان
ينفق علي مسطح ابن أثاثة لقرابته منه وفقره: "والله لا أنفق عليه شيئاً
أبداً بعد الذي قال لعائشة" فأنزل الله تعالي: {وَلَا
يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي
الْقُرْبَى} إلي قوله: {أَلَا تُحِبُّونَ أَن
يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة
النور:22].
فقال أبو بكر: "بلى والله
إني لأحب أن يغفر الله لي" فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: "والله لا أنزعها منه أبداً".
الموضوع : رجال ونساء أنزل الله فيهم قرآنا المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya