موضوع: نعيم بن مسعود - مفرق "الأحزاب الجمعة 25 يونيو 2010 - 19:28
نعيم بن مسعود - مفرق "الأحزاب" الذي نصر الله به جيشاً بأكمله
هو أبو سلمة نُعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي من قبيلة غطفان، صحابي من ذوي العقل الراجح، رزقه الله فطنةوذكاء،ويقظة ودهاء.
وكان في الجاهلية على صلة وثيقة بيهود بني قريظة وغيرهم،وكان يجلس في مجالسهم يسمر ويشرب معهم، وكانوا يحبونه ويثقون به ويحترمونه.وكان نعيم بن مسعود مع معسكر الكفار والمشركين في غزوة الأحزاب، وكان مستلق على فراشه في الخيمة، يتقلب على مهاده أرقاً ، وفجأة رأى نفسه تسأله قائلة: "ويحك يا نعيم ما الذي جاء بك من تلك الأماكن البعيدة فينجد لحرب هذا الرجل ومن معه ؟فأنت لا تحاربه انتصاراً لحق مسلوب،ولا حمية لعرض مغصوب ،وإنما جئت لتحاربه لغير سبب معروف. أيليق برجل له عقل مثل عقلك أن يقاتل فيقتل، أو يُقتل لغير سبب?..ويحك يا نعيم، ماالذي يجعلك تشهر سيفك في وجه هذا الرجل الصالح الذي يأمر أتباعه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى? ويحك يا نعيم، ما الذي يحملك على أن تغمس رمحك في دماء أصحابه الذين اتبعوا ما جاءهم به من الهدى والحق؟"هذه المناقشة كانت سبب سعادة نعيم إلى الأبد، فاتخذ هذا الصحابي الجليل قراراً حازماً، ونهض من توه لتنفيذه. فتسلل من معسكر قومه تحت جنح الظلام ،ومضى يحث الخطى إلى النبي ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ماثلاً بين يديه قال: "نعيم بن مسعود" قال : " نعم يا رسول الله". قال : " ما الذي جاء بك في هذه الساعة ؟ "قال : " يا رسول الله .. جئت لأشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبد الله ورسوله، وأن ما جئت به الحق" ، ثم أردف يقول: "لقد أسلمت يا رسول الله وإن قومي لم يعلموا بإسلامي،فمُرني بما شئت".كان النبي حاذقاً في فنون الحرب في زمانه عالماً بخدعها ومكايدها. كما كان يشرف على تجهيز الجيش ويستعرض جنوده الذاهبين إلى القتال، فيخرج منهم الضعيف والمريض. وكان يعمل مع الجنود ويقاتل معهم ويواسيهم ويشجعهم على الصمود، ويشد من عزمهم ويبث فيهم القوة والاستبسال ويذكي فيهم روح المثابرة. ونراه في غزوة الأحزاب قد اعتمد على بث العيون بين قريش وغطفان وبين قريظة، تلك الفئات الظالمة التي تحالفت على حرب المسلمين وحصارهم في المدينة. وعندما سمع صلى الله عليه وسلم مقالة نعيم قال له:" إنما أنت فينا رجل واحد، فاذهب إلى قومك وخذّل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة". قال نعيم: "سأفعل ما تريد يا رسول الله".
فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة، وكان لهم نديما في الجاهلية فقال: "يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم" قالوا: "صدقت، لست عندنا بمتهم". فقال لهم: "إن قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه". فقالوا له: "لقد أشرت بالرأي" .
ثم خرج حتى أتى قريشاً ، فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: "قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً ، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقاً أن أبلغكموه نصحاً لكم فاكتموا عني". فقالوا: "نفعل". قال: "تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه أن قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم ؟ فأرسل إليهم أن نعم. فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً" .
موضوع: رد: نعيم بن مسعود - مفرق "الأحزاب الجمعة 25 يونيو 2010 - 19:29
ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: "يا معشر غطفان، إنكم أصلي وعشيرتي، وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني"، قالوا : "صدقت، ما أنت عندنا بمتهم". قال: "فاكتموا عني"، قالوا: "نفعل فما أمرك ؟" ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم.
ودبت الشبهة من كلام نعيم في نفوس قريش وغطفان وأصبح اليهود لا يطمئنون إلى قريش وغطفان وقريش لاتطمئن إلى اليهود فأرسل أبو سفيان بن حرب إلى كعب سيد بني قريظة يقول له: "قد طالت إقامتنا وحصارنا هذا الرجل وقد رأيت أن تعمدوا إليه في الغداة ونحن من ورائكم فعاد رسول أبي سفيان إليه وقال له: "إن زعيم بني قريظة يقول: "إن غداً السبت وإنا لا نستطيع القتال والعمل يوم السبت" فغضب أبو سفيان وصدق حديث نعيم وأعاد الرسول يقول لبني قريظة: "اجعلوا سبتاً مكان هذا السبت فإنه لا بد من قتال محمد غداً. ولئن خرجنا لقتاله ولستم معنا لنبرأ من حلفكم ولنبدأن بكم قبل محمد". فلما سمعت قريظة كلام أبي سفيان كررت أنها لا تتحدى السبت. وقد غضب الله على قوم منهم تعدوه فجعلهم قردة وخنازير، وقالوا له لسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمداً، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا، والرجل في بلدنا، ولا طاقة لنا بذلك منه" .
فلما سمع ذلك أبو سفيان لم يبق لديه فيكلام نعيم ريبة. وبات يفكر فيما عساه أن يصنع وتحدث إلى غطفان فإذا هي تتردد في الإقدام على قتال الرسول . ثم قال أبو سفيان رداً على ما طلبه يهود بني قريظة: "والله لا نعطيكم رهائن أبدا. فإن شئتم فاخرجوا معنا، وإلا فلا عهد بيننا وبينكم". وقال بنو قريظة: "صدق والله نعيم بن مسعود. وإنا والله لن نحارب معهم ولا عهد بيننا وبينهم."
ونجحت خدعة نعيم وخذل الله بينهم، واختلفت كلمتهم فلما كان الليل عصفت ريح شديدة. وهطل المطرغزيرا وقصف الرعد ولمع البرق واشتدت العاصفة. وأرخى الليل ستائره على الكون بظلام دامس فاقتلعت العاصفة خيام الأحزاب. وكفأت قدورهم وادخلت الرعب غلى نفوسهم وخيل إليهم أن المسلمين انتهزوها فرصة ليعبروا إليهم وليوقعوا فيهم. فقام طليحة بن خويلد فنادى: "إن محمدا بدأكم بشر فالنجاة النجاة". وقال أبو سفيان: "يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام. لقد هلك الكراع والخف واخلفنا بنو قريظة وبلغنا منهم مانكره ولقينا من شدة الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل". فحمل القوم ما استطاع واحمله من متاع وفروا والريح تعصف بهم، وتبعتهم غطفان.
وأصبح الصبح ولم يجد الرسول أحدا ورفع والمسلم ونمعه أكف الشكر إلى الله أن كشف الضر عنهم وأن كفى المؤمنين القتال. وأمر عليه الصلاة والسلام مؤذنا فأذن في الناس: "من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة”. وقدم علياً برايته إليها ومع ما كان عليه المسلمون من نصب بعد طول حصار قريش وغطفان إياهم، إلا أنهم خفوا إلى القتال وراءعلي حتى أتوا بني قريظة الذين احتموا بحصونهم وحاصرهم المسلمون خمساً وعشرين ليلة حتى مكن الله لهم القضاء عليهم.