قال الحافظ ابن حجر: "ووقع
الخبر بألفاظ منها: (فقد غفرت لكم)، ومنها: (فقد وجبت لكم الجنة)، ومنها: (لعل الله اطلع...)، لكن قال العلماء: إن الترجي في
كلام الله وكلام رسوله للوقوع" [11].
2-
وعن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه ـ وكان أبوه من أهل بدر ـ قال: جاء
جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: (من أفضل المسلمين) ـ أو كلمة نحوها ـ قال: وكذلك
من شهد بدراً من الملائكة" [12].
3-
عن أنس رضي الله عنه قال: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني،
فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع فقال: (ويحك أوَهبلت؟! أوَجنة هي؟! إنها جنات كثيرة وإنه في جنة
الفردوس) [13].
قال الحافظ ابن كثير: "وفي هذا تنبيه عظيم على
فضل أهل بدر فإن هذا لم يكن في ساحة القتال ولا في حومة الوغى بل كان من
النظارة من بعيد، وإنما أصابه سهم غرب [14] وهو يشرب من الحوض ومع هذا أصاب بهذا
الموقف الفردوسَ" [15].
4- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال في الدعاء الذي دعا به يوم بدر: (اللهم
إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) [16].
المبحث الثالث: الثناء على
أهل أحد:
جاء الثناء على أهل أحد في القرآن الكريم في آيات
كثيرة منها:
1- قال تعالى:
﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىء
ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[آل عمران:121].
هذه
الآية تضمنت الثناء البالغ على أهل أحد بشهادة الله تعالى لهم بحقيقة
الإيمان الذي حل واستقر في قلوبهم الطيبة، وفي هذه الشهادة فضيلة أيما
فضيلة لمن حضر من الصحابة موقعة أحد [17].
2- وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ
صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا
فَشِلْتُمْ وَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلأمْرِ وَعَصَيْتُمْ مّن بَعْدِ مَا
أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن
يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ
عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:152].
3- وقال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ
ٱسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَـٰبَهُمُ
ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾
[آل عمران:172].
قال
ابن جرير الطبري: "يعني بذلك جل ثناؤه: وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين
المستجيبين لله وللرسول من بعدما أصابهم الجراح والكِلام، وإنما عنى الله
تعالى ذكره بذلك الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء
الأسد في طلب العدو أبي سفيان ومن كان معه من مشركي قريش منصرفهم عن أحد" [18].
ما جاء في فضل ومنزلة أهل
أحد في السنة النبوية:
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما أصيب إخوانكم
بأحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من
ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم
ومأكلهم وحسن منقلبهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا لئلا
يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم)،
فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات على رسوله: ﴿وَلاَ
تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً بَلْ
أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران:169] [19].
2- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما
كان يوم أحد جيء بأبي مسجّى وقد مثل به، قال: فأردت أن أرفع الثوب فنهاني
قومي، ثم أردت أن أرفع الثوب فنهاني قومي، فرفعه رسول الله صلى الله عليه
وسلم أو أمر به فرفع فسمع صوت باكية أو صائحة فقال: (من
هذه؟) فقالوا: بنت عمرو أو أخت عمرو فقال: (ولِمَ
تَبكي؟ فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع) وفي رواية أنه
قال: (تبكيه أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله
بأجنحتها حتى رفعتموه) [20].
قال
ابن حجر: "(أو) في قوله، (تبكين أو لا تبكين) للتخيير، ومعناه أنه مكرم بصنيع
الملائكة وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه" [21].
المبحث الرابع: الثناء على
أهل بيعة الرضوان:
لقد ورد في فضل أصحاب بيعة الرضوان نصوص محكمة
كثيرة من القرآن والسنة النبوية من ذلك:
1- قول الله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ
ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُواْ إِيمَـٰناً مَّعَ إِيمَـٰنِهِمْ وَلِلَّهِ
جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيم﴾
[الفتح:4].
قال ابن كثير: "يقول تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ﴾ أي: الطمأنينة
قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وعنه الرحمة، وقال قتادة: الوقار في قلوب
المؤمنين وهم الصحابة رضي الله عنهم يوم الحديبية الذين استجابوا لله
ولرسوله وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلما اطمأنت قلوبهم بذلك واستقرت زادهم
إيماناً مع إيمانهم، وقد استدل بها البخاري وغيره من الأئمة على تفاضل
الإيمان في القلوب"
[22].
2- قال
تعالى: ﴿لّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ
خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئَـٰتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ
عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيم﴾ [الفتح:5].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه
في قوله تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً
مُّبِين﴾ [الفتح:1]
قال: الحديبية، قال أصحابه: هنيئاً مرئياً فما لنا؟ فأنزل الله: ﴿لّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ جَنَّـٰتٍ
تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ﴾ [23].
3- قال تعالى: ﴿إِنَّ
ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ
فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ
وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَيْهِ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً
عَظِيم﴾ [الفتح:10].
قال ابن جرير رحمه الله: "وقوله: ﴿وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَيْهِ ٱللَّهَ﴾
يقول تعالى ذكره: ومن أوفى بما عاهد الله عليه من الصبر عند لقاء العدو في
سبيل الله ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه، ﴿فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيم﴾ يقول: فسيعطيه
ثواباً عظيماً، وذلك أن يدخله الجنة جزاء له على وفائه بما عاهد عليه الله،
ووثق لرسوله على الصبر معه عند البأس بالمؤكدة من الإيمان" [24].
4- قال تعالى: ﴿لَّقَدْ
رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ
ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ
عَلَيْهِمْ وَأَثَـٰبَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً R وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً
يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيم﴾ [الفتح:18، 19].
قال أبو بكر الجصاص: "فيه الدلالة على صحة إيمان
الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان بالحديبية، وصدق
بصائرهم، فهم قوم بأعيانهم... فدل على أنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة،
أولياء الله، إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم إلا وباطنهم
كظاهرهم في صحة البصيرة وصدق الإيمان، وقد أكد ذلك بقوله: ﴿فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ
عَلَيْهِمْ﴾ يعني: الصبر بصدق نياتهم وهذا يدل على أن التوفيق يصحب
صدق النية وهو مثل قوله: ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً
يُوَفّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَ﴾ [النساء:35]" [25].
ومما ورد في فضل أهل بيعة
الرضوان في السنة المطهرة:
1- عن جابر بن عبد الله رضي الله
عنهما قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: (خير أهل الأرض) وكنا
ألفاً وأربعمائة، ولو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة [26].
قال الحافظ ابن حجر: "هذا صريح في فضل أصحاب
الشجرة فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما" [27].
2- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
أخبرتني أم مبشر: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: (لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذي
بايعوا تحته) قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها فقالت حفصة: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَ﴾ فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: (قد قال الله عز وجل: ﴿ثُمَّ نُنَجّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ
ٱلظَّـٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّ﴾ [مريم:72]) [28].
قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين
بايعوا تحته) قال العلماء: معناه لا يدخلها أحد منهم قطعاً... وإنما
قال: (إن شاء الله) للتبرك لا للشك" [29].
3- عن جابر أن عبداً لحاطب جاء رسول الله صلى
الله عليه وسلم يشكو حاطباً فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذبت، لا يدخلها،
فإنه شهد بدراً والحديبية) [30].
4- عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (من يصعد الثنية، ثنية المراد، فإنه
يُحَط عنه ما حُطّ عن بني إسرائيل) قال: فكان أول من صعدها خيلنا
خيل بني الخزرج، ثم تتام الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر) فأتيناه
فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله لأن
أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم، قال: وكان رجلاً ينشد ضالة له [31].
___________
[1] انظر: أحكام
القرآن لابن العربي (2/1002) والجامع لأحكام
القرآن للقرطبي (8/237).
[2] المفردات (228).
[3] أخرجه البخاري في كتاب الجمعة باب
فرض الجمعة (876)، ومسلم في كتاب الجمعة باب:
هداية هذه الأمة ليوم الجمعة (855) من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه.
[4] انظر: زاد المسير في علم التفسير لابن
الجوزي (3/490-491).
[5] منهاج السنة
النبوية (1/154-155)، وانظر: شرح الطحاوية (ص 530).
[6] جامع البيان (3/193-194).
[7] منهاج السنة (1/156).
[8] الجامع لأحكام القرآن (8/42).
[9] روضة خافي: موضع بين مكة والمدينة
بقرب المدينة.
[10] أخرجه البخاري في الجهاد والسير باب الجاسوس (3007) وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من
فضائل أهل بدر(2494).
[11] فتح الباري (7/305-306).
[12] أخرجه البخاري في كتاب
المغازي باب: شهود الملائكة بدراً (3992)،
وابن ماجة في المقدمة باب فضل أهل بدر (160).
[13]
أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب فضل من شهد بدراً (3982).
[14] هو الذي لا يعلم راميه أو لا يعرف
من أين أتى أو جاء دون قصد راميه.
[15] البداية والنهاية (3/361).
[16] أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير
باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر (1763).
[17]
انظر: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة (1/183).
[18]
جامع البيان (4/176).
[19] أخرجه أبو
داود في كتاب الجهاد باب: في فضل الشهادة (2520)،
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (2384)،
والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2199)
(2/479).
[20] أخرجه البخاري في كتاب
الجنائز باب الدخول على الميت بعد الموت (1244)،
ومسلم في فضائل الصحابة باب: من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام (2471).
[21] فتح الباري (3/116).
[22]
تفسير القرآن العظيم (6/330)، وانظر تفسير
البغوي مع الخازن (6/158)، وفتح القدير (5/45).
[23] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب
غزوة الحديبية (4172).
[24] جامع البيان (26/76).
[25] أحكام القرآن (5/273).
[26] أخرجه البخاري في كتاب المغازي
باب: غزوة الحديبية (4155)، ومسلم في كتاب
الإمارة باب: استحباب مبايعة الإمام الجيش(4155).
[27]
فتح الباري (7/507).
[28] أخرجه مسلم في
كتاب فضائل الصحابة باب: من فضائل أصحاب الشجرة وأهل بيعة الرضوان (2496).
[29] شرح النووي لصحيح مسلم (16/85).
[30] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة
باب: من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم (2495).
[31]
أخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (2780).