أهل السنة والجماعة يثبتون فضل الصحابة رضي الله
عنهم الذي نطق به القرآن الكريم المنزل من لدن حكيم حميد، كما يثبتون جميع
ما صح في فضلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان هذا الفضل على
وجه العموم أو على وجه الخصوص.
الفصل الثالث: الثناء على
الصحابة في القرآن الكريم:
أهل السنة والجماعة يثبتون فضل
الصحابة رضي الله عنهم الذي نطق به القرآن الكريم المنزل من لدن حكيم حميد،
كما يثبتون جميع ما صح في فضلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان
هذا الفضل على وجه العموم أو على وجه الخصوص.
ولقد أثنى الله عليهم في
كتابه العزيز على سبيل الجملة في آيات كثيرة ومواضع شتى منها:
1-
قال الله تعالى: ﴿وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ
أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ
ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً﴾ [البقرة:143].
في هذه الآية الكريمة وجه
سبحانه فيها الخطاب إلى جميع الأمة المحمدية ومضمونه أنه سبحانه جعلهم خيار
الأمم ليكونوا يوم القيامة شهداء على الناس، وأول الداخلين في هذا الخطاب
إنما هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عبد الله القرطبي: "المعنى: وكما أن
الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطاً أي: جعلناكم دون الأنبياء وفوق
الأمم، والوسط العدل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها. وروى الترمذي عن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطً﴾ قال:
عدلاً. قال هذا حديث حسن صحيح [1] وفي التنزيل: ﴿قال أوسطهم﴾
أي أعدلهم وخيرهم… ولما كان الوسط مجانباً للغلو والتقصير كان محموداً أي:
هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم ولا قصروا تقصير اليهود في
أنبيائهم وقوله تعالى: ﴿لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى
ٱلنَّاسِ﴾ أي: في المحشر للأنبياء على أممهم" [2].
2- قال الله تعالى: ﴿كُنتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾ [آل عمران:110].
قال
ابن الجوزي: "وفيمن أريد بهذه الآية أربعة أقوال:
أحدها: أنهم أهل بدر.
والثاني:
أنهم المهاجرون.
والثالث: جميع الصحابة.
الرابع: جميع أمة محمد صلى
الله عليه وسلم نُقِلت هذه الأقوال كلها عن ابن عباس" [3].
وقال الزجاج: "وأصل الخطاب لأصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم وهو يعم سائر أمته" [4].
وقال
السفاريني: "﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ﴾ قيل: اتفق المفسرون أن ذلك في الصحابة، لكن الخلاف في
التفاسير مشهور ورجح كثير عمومها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم" [5].
وقال أبو هريرة رضي الله عنه في قوله: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
قال: (خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في
أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام) [6].
وعن السدي أنه قال: "﴿كُنتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ﴾ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو
شاء الله لقال أنتم فكنا كلنا، ولكن قال ﴿كُنتُمْ﴾
في خاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صنع مثل صنيعهم، كانوا
خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" [7].
3- قال الله تعالى: ﴿وَٱلسَّـٰبِقُونَ
ٱلأوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأنْصَـٰرِ وَٱلَّذِينَ
ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ
وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ
فِيهَا أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ﴾ [التوبة:100].
قال ابن كثير: "يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين
من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان رضاهم عنه بما أعد لهم من جنات
النعيم والنعيم المقيم… وقال محمد بن كعب القرظي: مر عمر بن الخطاب برجل
يقرأ هذه الآية ﴿وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلأوَّلُونَ مِنَ
ٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأنْصَـٰرِ﴾ فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟
فقال: أبي بن كعب، فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه فلما جاءه قال عمر:
أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم. قال: وسمعتها من رسول الله صلى
الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد
بعدنا، فقال أُبي: تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة: ﴿وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ
ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ﴾ [الجمعة:3]... فيا ويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب
بعضهم ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم أعني الصديق الأكبر
والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة
من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم عياذاً بالله من ذلك" [8].
4- قال تعالى: ﴿لَقَدْ
تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِىّ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأنصَـٰرِ ٱلَّذِينَ
ٱتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ
فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ﴾
[التوبة:117].
قال أبو بكر الجصاص: "وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِىّ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ
وَٱلأنصَـٰرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ﴾ فيه
مدح لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين غزوا معه من المهاجرين
والأنصار، وإخبار بصحة بواطن ضمائرهم وطهارتهم؛ لأن الله تعالى لا يخبر
بأنه قد تاب عليهم إلا وقد رضـي عنهم ورضي أفعالهم، وهذا نص في رد قول
الطاعنين عليهم والناسبين لهم إلى غير ما نسبهم الله إليه من الطهارة
ووصفهم به من صحة الضمائر وصلاح السرائر رضي الله عنهم" [9].
5- قال الله تعالى: ﴿قُلِ
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَى﴾
[النمل:59].
قال
ابن جرير الطبري: "الذين اصطفاهم، يقول: الذين اجتباهم لنبيه محمد صلى
الله عليه وسلم فجعلهم أصحابه ووزراءه على الدين الذي بعثه بالدعاء إليه
دون المشركين به الجاحدين بنبوة نبيّه"، ثم ذكر بإسناده إلى ابن عباس في
قوله: ﴿وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ
ٱصْطَفَى﴾ قال: أصحاب محمد اصطفاهم لنبيه" [10].
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه: "﴿قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ
ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَى﴾ قال طائفة من السلف: هم أصحاب محمد صلى الله
عليه وسلم، ولا ريب أنهم أفضل المصطفين من هذه الأمة التي قال الله فيها: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا
مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ
وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرٰتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ
ٱلْكَبِيرُ f جَنَّـٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ
أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُواْ
ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا
لَغَفُورٌ شَكُورٌ ٱلَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ
يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ [فاطر:32- 35].
فأمة
محمد صلى الله عليه وسلم الذين أورثوا الكتاب بعد الأمتين قبلهم اليهود
والنصارى وقد أخبر الله تعالى أنهم الذين اصطفى وتواتر عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: (خير القرون القرن الذي بعثت
فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) [11]. ومحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم
المصطفَون من المصطفَين من عباد الله" [12].
6- وقال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ
رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ
رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ
ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ
ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإنجِيلِ كَزَرْعٍ
أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ
يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ
ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً
وَأَجْراً عَظِيم﴾ [الفتح:29].
قال
ابن كثير: " فالصحابة رضي الله عنهم خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم فكل من نظر
إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم، وقال مالك رضي الله عنه: بلغني أن النصارى
كانوا إذا رأوا الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا الشام يقولون: والله
لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا. وصدقوا في ذلك فإن هذه الأمة معظمة في
الكتب المتقدمة وأعظمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" [13].
____________________
[1] أخرجه الترمذي
في كتاب تفسير القرآن باب: ومن سورة البقرة (2961)
والحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2362).
[2]
الجامع لأحكام القرآن (2/153-154).
[3]
زاد المسير لابن الجوزي (2/16).
[4] معاني
القرآن وإعرابه (1/456).
[5] لوامع
الأنوار البهية للسفاريني (2/377).
[6]
أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب كنتم خير أمة أخرجت للناس (4557).
[7] انظر: جامع البيان (4/43).
[8] تفسير القرىن العظيم (2/367).
[9] أحكام القرآن للجصاص (4/371).
[10] جامع البيان (20/2).
[11] أخرجه البخاري في كتاب الشهادات
باب: لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد (2652)،
ومسلم في المناقب باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3651).
[12] منهاج السنة (1/156).
[13]
تفسير القرآن العظيم (6/365).