الحمد لله الُُذي اكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة وجعل امتنا وله الحمد خير أمه
وبعث فينا رسولاً منا يتلو علينا آياته ويزكينا وعلمنا الكتاب والحكمة وأشهد أن
لا إله إلا الله وحدة لا شريك له شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة وأشهد أن
محمد عبدة ورسوله أرسله للعالمين رحمة وخصه بجوامع الكلم فربماجمع أشتات الحكم
والعلم في كلمة أو شطر كلمة صلى الله علية وعلى أله وأصحابه صلاه تكون لنا
نوراًً من كل ظلمة وسلم تسليما
فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل: ((وَاتَّقُواْ يَوْمًا
تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)) اتقوا يومًا الوقوف فيه طويل والحساب فيه
ثقيل.
ثم أما بعد
عباد الله مع التقوى سيكون حديثنا مع صفات المتقين سنعيش في هذه الدقائق بإذن
الله عز وجل
و التقوى عباد الله : أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية، تقيه منه.
وتقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك
بفعل طاعته واجتناب معاصيه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( المتقون هم الذين يحذرون من الله وعقوبته)
وقال طلق بن حبيب: ( التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب
الله. وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله)
وقال ابن مسعود رضي اللع عنه في قوله تعالى: ((اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ )) آل عمران:102 قال:
(تقوى الله أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر(.
وعرّف علي بن أبي طالب رضي الله عنه التقوى فقال: هي الخوف من الجليل والعمل
بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.
فاحرص يا أخي الكريم على تقوى الله عز وجل فهو سبحانه أهل أن يُخشى ويُجل،
ويعظم في صدرك
نتكلم عن التقوى
لأن التقوى هي التي تصحبنا إلى قبورنا فهي المؤنس لنا من الوحشة والمنجية لنا
من عذاب الله العظيم: (دخل علي رضي الله عنه المقبرة فقال: يا أهل القبور ما
الخبر عندكم: إن الخبر عندنا أن أموالكم قد قسمت وأن بيوتكم قد سكنت وإن
زوجاتكم قد زوجت، ثم بكى ثم قال: والله لو استطاعوا أن يجيبوا لقالوا: إنا
وجدنا أن خير الزاد التقوى).
التقوى هي خير ضمانة نحفظ بها أولادنا ومستقبل أبناءنا من بعدنا
قال تعالى)( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً
ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً
سَدِيداً ((النساء9
وتأملوا عباد الله كيف أن الله سبحانه سخر نبيا هو موسى عليه السلام ووليا هو
الخضر عليه السلام لإقامة جدار في قرية بخيلة فاعترض موسى عليه السلام((قَالَ
لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ))الكهف77
ثم يخبر الخضر عليه السلام سبب فعله بالغيب الذي أطلعه الله عليه في هذا الأمر
فيقول:
((وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ
وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً )) الكهف:82.
وقال ابن عباس: حفظا بصلاح أبيهما و كان الأب السابع والله أعلم
والتقوى وصية الله للأولين والآخرين، قال - تعالى -: ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا
اللَّهَ)) النساء ـ 132.
، قال القرطبي رحمه الله : الأمر بالتقوى كان عاماً لجميع الأمم، وقال بعض أهل
العلم: هذه الآية هي رحى آي القرآن كله، لأن جميعه يدور عليها، فما من خير عاجل
ولا آجل، ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله سبيل موصل إليه ووسيلة مبلّغة له، وما
من شر عاجل ولا ظاهر ولا آجل ولا باطن إلا وتقوى الله عز وجل حرز متين وحصن
حصين للسلامة منه والنجاة من ضرره.
فالتقوى أصلح للعبد وأجمع للخير، وأعظم للأجر، وهي الجامعة لخيري الدنيا
والآخرة، الكافية لجميع المهمات.
التقوى وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته عن العرباض بن سارية: قال: صلى
بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح فوعظنا موعظة بليغة زرفت منها
العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فقال
(أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم
فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي،
عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة
ضلالة) وكان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها).
والتقوى هي وصية الرسل الكرام:
((كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ(123)إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا
تَتَّقُونَ)) 124 الشعراء ((كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ
لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ))142 141الشعراء
((كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ
أَلَا تَتَّقُونَ )) 161 الشعراء.
والتقوى وصية السلف الصالح رضوان الله عليهم كان أبو بكر ـ رضي الله ـ عنه يقول
في خطبته: أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، ولما حضرته الوفاة، وعهد إلى عمر
رضي الله عنه - دعاه فوصاه بوصيته قائلا: اتق الله يا عمر.
وكتب عمر - رضي الله عنه - إلى ابنه عبد الله:،أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله -
عز وجل - فإنه من اتقاه وقاه، واجعل التقوى نصب عينيك وجلاء قلبك.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل: أوصيك بتقوى الله - عز وجل - التي لا يقبل
غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير،
والعاملين بها قليل، ولما ولي خطب فحمد الله وأثنى عليه وقال:،أوصيكم بتقوى
الله - عز وجل - فإن تقوى الله خلف من كل سعي، وليس من تقوى الله خلف،وقال رجل
لرجل أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله، والإحسان، فإن الله مع الذين اتقوا والذين
هم محسنون، فيكفي المتقون شرفاً ان الله معهم برعايته وحفظه
ومن وصايا الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل:( اتق الله حيثما كنت،
وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن.)رواه الترمذي
ما ذا نفهم من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه بالتقوى مع أن
معاذ بهذه المنزلة؟
أن المرء محتاج للتقوى ولو كان أعلم العلماء، وأتقى الأتقياء، يحتاج إلى التقوى
لأن الإنسان تمر به حالات، ويضعف في حالات، يحتاج إلى التقوى للثبات عليها ،
يحتاج إلى التقوى للازدياد منها. اتق الله حيثما كنت، في السر والعلانية، أتبع
السيئة الحسنة تمحها، لماذا بدأ بالسيئة؟ ، لأنها هي المقصودة الآن، عند
التكفير الاهتمام يكون بالسيئة، لا لفضلها ، ولكن لأنها المشكلة التي ينبغي
حلّها. وخالق الناس بخلق حسن..، هناك أشياء بين العبد وخالقه وبينه والناس، هذه
وصية جامعة. والكيّس لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو به السيئات، و ليس
المقصود الآن هو فعل الحسنات ، وإنما كيف تكفر السيئة، لذلك بدأ فيها، وإلا فقد
دلّ على حسنات كثيرة في أحاديث أخرى ولم يذكر السيئة فيها ، لأن المقصود تعليم
الناس الحسنات، لكن هنا المقصود تعليم الناس كيفية تكفير السيئة.
والتقوى هي أجمل لباس يتزين به العبد: ((يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا
عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى
ذَلِكَ خَيْرٌ)) الأعراف 62.
إ ذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تقلب عريانا وإن كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه *** ولا خير فيمن كان لله عاصيا
والتقوى هي أفضل زاد يتزود به العبد، قال - تعالى -: ((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ))197البقرة.
وبها الطريق الى الجنة فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما أكثر ما يدخل الناس
الجنة قال((تقوى الله وحسن الخلق ))رواه احمد
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم (ثلاث
مهلكات، وثلاث منجيات، شحم طاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وثلاث منجيات:
خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب
والرضا).
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسألها في دعائه فيقول : (( اللهم إني أسألك
الهدى والتقى والعفاف والغنى))رواه مسلم
وفي دعاء السفر يقول: (( اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل
ما ترضى)).
والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى مسافراً فقال: (( أوصيك بتقوى الله و التكبير
على كل شرف))، إذاً فالتقوى في السفر بالذات لها طعم خاص، فالمسافر يغيّر مكانه
وحاله، وقد يكون في بلاد الغربة لا يخشى مما يخشى منه في بلده وموطنه، ولا يخشى
فضيحة لو عرف، لكن في بلده يخاف الفضيحة، لذلك كانت ملازمة التقوى في السفر
مهمة جداً. و على كل حال الإنسان يسأل الله التقوى في السفر والحضر
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما يخفى عليه يغيب.
عباد الله :
إن تقوى الله - سبحانه و تعالى - إذا استقرت في القلوب وارتسمت بها الأقوال
والأعمال والأحوال أثمرت وأعقبت من الفضائل والفوائد والثمار شيئاً كثيراً به
تصلح الدنيا والآخرة دار القرار وما يشحذهم أولي الأبصار إلى صراط العزيز
الغفار.
أيها المؤمنون:
إن من فوائد التقوى وثمارها أنها سبب لتيسير العسير قال الله – تعالى -:
((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً"))التغابن
وتقوى الله – تعالى – سبب لتفريج الكروب وإيجاد المخارج والحلول عند نزول
الخطوب وهي سبب لفتح سبل الرزق قال الله – تعالى -: ((مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)) الطلاق
فتقوى الله سبب لنجاة العبد من الهلاك والعذاب والسوء قال - تعالى -:
((وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ
السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ"))الزمر
وهي سبب لتكفير السيئات ورفع الدرجات والفوز بالغرف والجنات قال - تعالى -:
((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ
أَجْراً))
فاتقوا الله عباد الله فإن تقوى الله - تعالى - هي أكرم ما أسررتم وأعظم ما
ادخرتم وأزين ما أظهرتم.
وقال - تعالى -: ((قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ
اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ
بَصِيرٌ بِالْعِبَاد)).
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى *** ولاقيت يوم الحشر من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله *** وأنك لم تُرصد كما كان أرصدا
. وكل من أراد العز في الدين والدنيا والبركة في الرزق والوقت والعمل فعليه
بتقوى الله - تعالى - فإنها من أعظم ما استنزلت به الخيرات واستدفعت المكروهات.
قال الله - تعالى -: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا
لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ
كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ))
إن تقوى الله - تعالى - هي خير ما يقدم به العبد على الله يوم العرض
((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى))
فإن تقوى الله - تعالى - أعظم جنة يحتمي بها العبد في ذلك اليوم. قال ابن القيم
- رحمه الله -:
فتقوى الله سبب لنجاة العبد من الهلاك والعذاب والسوء قال - تعالى ((وَيُنَجِّي
اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا
هُمْ يَحْزَنُونَ"))
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر
الحكيم، اللهم اجعل لنا وللمسلمين من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، اللهم
فرج هم المهمومين، واقضِ الدين عن المدينين، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا
وللمسلمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور
الرحيم.
الموضوع : مع التقوى والمتقين المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya