روى الإمام أحمد في مسنده (2/303) بإسناده فقال :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، عَنْ زُهَيْرٍ ، عَنِ الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ . قَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، فَيُقْعَدُ ، فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ .
رواه مسلم (2581) ، والترمذي (2418) .
وبوب عليه الترمذي : ما جاء في شأن الحساب والقصاص .
- تعريف المفلس :
المفلس لغة : من لا عين له ولا عرض .
شرعا : ما قصر ما بيده عما عليه من الديون .
- من هو المفلس بميزان الدنيا ؟ :
لقد قدح في ذهن الصحابة عند سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن المفلس بميزان الدنيا هو من لا درهم له ولا متاع .
فلماذا أجابوا بهذه الإجابة ؟
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي :
والحاصل أنهم أجابوا بما عندهم من العلم بحسب عُرف أهل الدنيا كما يدل عليه قولهم " فينا " غفلوا عن أمر الآخرة ، وكان حقهم أن يقولوا : الله ورسوله أعلم . لأن المعنى الذي ذكروه كان واضحاً عنده صلى الله عليه وسلم .ا.هـ.
والإفلاس الذي أشار إليه الصحابة هو أمر عارض يزول بزوال المفلس .
يقول الإمام النووي في شرح مسلم :
وأما من ليس له مال ، ومن قل ماله فالناس يسمونه مفلساً ، وليس هو حقيقة المفلس ؛ لأن هذا أمر يزول ، وينقطع بموته ، وربما ينقطع بيسار يحصل له بعد ذلك في حياته .ا.هـ.
- المفلس بميزان الآخرة :
النبي صلى الله عليه وسلم يعرف حقيقة المفلس بالنسبة لميزان الدنيا ، فأراد نقل الصحابة - وهو المربي والمعلم للصحابة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم - من مفهوم الإفلاس في الدنيا إلى مفهومه في الآخرة لكي يكون الصحابة والأمة من بعدهم على علم بحقيقة المفلس .
قال الإمام النووي :
وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث فهو الهالك الهلاك التام والمعدوم الإعدام المقطع فتؤخذ حسناته لغرمائه ، فإذا فرغت حسناته أخذ من سيئاتهم فوضع عليه ثم ألقي في النار فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه .ا.هـ.
بعد هذه المقدمة انظروا إلى حال بعض الرواد - هدانا الله وإياهم - ترى أن حديث المفلس في بعض ألفاظه ينطبق عليهم تماما وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم " ويأتي قد شتم عرض هذا ، وقذف هذا " ، بل قد تجده من أهل الصلاة والصيام والزكاة ، ثم يأتي الشتم والقذف وقد جعل الصلاة والصيام والزكاة حسنات تأخذ منه وتعطى لغيره بسبب شتمه وقذفه لغيره .
فمن منا بالله عليكم يرضى لنفسه هذا المسلك الخطير ؟ !
- دعوى باطلة زينها الشيطان لبعضهم :
تجد بعضهم يدعي أن هذا دين يتقرب به إلى الله إذا نال من عرض فلان من الناس أو قذف فلانا ، ونسي المسكين أو تناسى حديث المفلس الذي فيه الوعيد الشديد من مثل هذه الأعمال .
فماذا لو حرصت على الحفاظ على حسناتك التي أنت أحوج الناس إليها يوم القيامة ؟
- باب التحلل من المظالم مفتوح :
ونصيحتنا لأمثال هؤلاء أن يتحللوا من المظالم التي سجلت في موازينهم .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ . رواه البخاري (2296) .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح :
وهذا الحديث قد أخرج مسلم معناه من وجه آخر وهو أوضح سياقا من هذا ولفظه " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة , ويأتي وقد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار " ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى : " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " لأنه إنما يعاقب بسبب فعله وظلمه ولم يعاقب بغير جناية منه بل بجنايته فقوبلت الحسنات بالسيئات على ما اقتضاه عدل الله تعالى في عباده .ا.هـ.
يا أيها الرواد ، اتقوا الله فيما تكتبون .
يا أيها الرواد ، تذكروا قول الله تعالى : " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ "
يا أيها الرواد الذين شُغلوا بالشتم والقذف لإخوانهم في العقيدة ، واعتبروا أن هذا دينا يتدينون به هذا حديث المفلس بين أيديكم فهلا ترضون لأنفسكم يوم القيامة ما جاء فيه ؟
يا أيها المشرفون على المنتديات ، أنتم تتحملون جزءاً من الإثم فيما يحصل إن أنتم سكتم على هذا المنكر العظيم ، وقد يوافق هذا الأمر شيئا مما في نفوسكم ، ولكن أين الأمانة في تحمل هذا التكليف ولا أقول التشريف ؟
يا أيها المشرفون والرواد ، والذي نفسي بيده إنها رسالة من القلب أسأل الله أن تصل إلى قلوبكم .
رسالةٌ من أخٍ مشفقٍ عليكم .
تعالوا نقفُ وقفةَ إنصافٍ وحقٍ :
أين المواضيع العلمية التي ينتفع بها الرواد ؟
أين النقاش العلمي الذي يُبتغى به الوصول إلى الحق ؟
أين التخلي عن الانتصار للنفس ؟
وختاما :
أنا أعلم أن بعض الرواد لن يعبأ بهذا القول ، بل قد يصل الأمر إلى تصنيفي إلى فئة معينة ، ولكن تقطع قلبي لما يحصل في المنتديات من أمور لا ترضي الله ولا رسوله فكتبت هذه الكلمات التي أسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه .
وأرجو أن يحمل كلامي على أحسن المحامل .
وأمتثل قول الله تعالى : " إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ "
والله اعلم
كتبه الشيخ :عبد الله زقيل
:::والله اسأل ان ينفعنى واياكم به :::