El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: الحوار في الإسلام الأحد 14 نوفمبر 2010 - 19:52 | |
| الحمد لله الذي جعل الحوار أسلوبا ومنهجا للوصول الى الحق الذي يرضاه، و الصلاة و السلام عل نبي الهدى الذي سلك طريق الحوار في دعوته، وسن بذلك منهجا للدعاة من بعده. و الحوار جاء نتيجة للاختلاف في الراي ووسيلة للوصول الى الحق و الصواب. و الإختلاف سنة إلهية نظرا لتفاوت البشر في عقولهم و أفهامهم وأمزجتهم. قال تعالى "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك"( [1] )[/size] كما أن الحوار أصل ثابت في منهاج الله قرآن وسنة؛ وهو ينطلق من تاثيرات وآحاسيس تجيش في النفس لإظهار مبدأ أو تصحيح خطأ، أو نصرة حق أو غير ذلك مما جبلت عليه النفوس البشرية. ولا يخفى علينا كذلك أن الحوار من أهم وسائل الدعوة الى الله تبارك وتعالى قال سبحانه"ادع الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"( [2] ) وللحوار آداب تحث المحاور على الإلتزام بها من أجل تحقيق ما يرجى الوصول إليه من خلاله،وسندرج هنا بعض آداب الحوار ونماذج منه من وحي كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
فقه الحـوار الإسلامـي الحوار في اللغة و الإصطلاح
1. الحوار في اللغة: أصل كلمة ( الحوار ) هو : ( الحاء ـ الواو ـ الراء ) ... وقد بين ابن فارس في ( معجم المقاييس في اللغة ) أن : "( الحاء والواو والراء ) ثلاثة أصول : أحدها لون ، والآخر الرجوع ، والثالث أن يدور الشيء دورا"ً([3]) وقيل تعود أصل كلمة الحوار إلى ( الحَوْر ) وهو الرجوع عن الشيء وإلى الشيء ، يقال : ( حار بعدما كار ) ، والحوْر النقصان بعد الزيادة لأنه رجوع من حال إلى حال ، وفي الحديث الشريف: "نعوذ بالله من الحور بعد الكور"([4]) يقول ابن منظور الحوار" من حور، الحور : الرجوع عن الشيء وإلى الشيء ، حار إلى الشيء وعنه حوراً ومحاراً ومحارة وحؤوراً : رجع عنه وإليه" وأضاف أن "المحاورة المجاوبة و التحاور التجاوب تقول كلمته فما أحار إلي أي ما رد جوابا"([5]) وجاء في أساس البلاغة :" حاورته : راجعته الكلام ، وهو حسن الحوار ، وكلمته فما رد علي محورة، وما أحار جوابا أي ما رجع"([6]) أما في تاج العروس : فيقصد بالمحاورة "المجاوبة ومراجعة النطق والكلام في المخاطبة"([7])
ونخلص من هذه التعريفات أن كلمة الحوار في اللغة لم تخرج عن معاني المحاورة ورد الجواب. و المراجعة: مراجعة المنطق في الكلام في المخاطبة و المجاوبة و المراجعة، تقتضي أطراف تتبادلها وتنطلق من اثنين فأكثر.
2. الحوار في الاصطلاح: تعددت تعريفات الحوار في الاصطلاح ونذكر منها: الحوار هو : "نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين ، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر ، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب"([8]).و عرفه محمد حسين فضل الله بأنه "إدارة الفكرة بين طرفين مختلفين أو أطراف متنازعة"([9]). وعرفه عبد الرحمن النحلاوي ب "أن يتناول الحديث طرفان أو أكثر عن طريق السؤال والجواب ، بشرط وحدة الموضوع أو الهدف ، فيتبادلان النقاش حول أمر معين ، وقد يصلان إلى نتيجة وقد لا يقنع أحدهما الآخر ولكن السامع يأخذ العبرة ويكوّن لنفسه موقفاً"([10]). وعرفه الأستاذ مبارك بن سيف بن سعيد الهاشمي بأنه " تفاعل لفضي بين اثنين أو أكثر من البشر بهدف التواصل الإنساني وتبادل الأفكار والخبرات وتكاملها "([11]). وخلص الدكتور خالد محمد المغامسي إلى تعريف الحوار بأنه "حديث بين طرفين أو أكثر حول قضية معينة، الهدف منها الوصول إلى الحقيقة، بعيداً عن الخصومة والتعصب بل بطريقة علمية إقناعية، ولا يُشترط فيها الحصول على نتائج فورية"([12]).ومن هذه التعريفات لمصطلح الحوار نخلص أن الحوار هو تداول الكلام بين طرفين في أمر ما بهدف الوصول إلى الحقيقة في أجواء هادئة بعيدة عن الخصومة و التعصب.
تميز الحوار عن الجدل و المناظرة
1.مفهوم الجدل: الجدل في اللغة: شدة الفتل وقيل : اللدد في الخصومة و القدرة عليها و"المجادلة " دفع القول على طريق الحجة بالقوة ويقهره وهو مأخوذ من الاجدل طائر قوي أما في الاصطلاح فقد اصطلح عليه الدكتور زاهر عواض الألمعي بأنه:" المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة لإلزام الخصم. وعرفه الجرجاني بأنه القياس المؤلف من المشهورات و المسلمات، يكون الغرض منه الزام الخصم، وافحام من هو قاصر عن ادراك مقومات البرهان ، ودفع المرء خصمه عن افساد قوله بحجة أو شبهة. وينقسم الجدل إلى محمود ومذموم. أم لجدل المحمود فهو"ما كان من أجل تقرير الحق، وهو مهنة الأنبياء في الدفاع عن العقيدة، ومنه قوله تعالى (وجادلهم بالتي هي أحسن) ([13]) ذلك أن المجادلة بالتي هي أحسن هو الحوار، لأن الهدف منه هو الإقناع و التربية و التوجيه(). أما الجدل المذموم: فهو الذي يتعلق بتقرير الباطل() ويراد به الجدل على الباطل وطلب المغالبة فيه. وقد أشار اليه القرآن الكريم في قوله تعالى ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد)([14]) وقوله تعالى: ( وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق) ([15])"([16]) من هذه التعاريف يتبين أن " الحوار أوسع دلالة من الجدل . فكل جدل حوار لكن ليس كل حوار جدل " وذلك لأن الجدل فيه منازعة وقوة ومغالبة وخصومة وينصر الفكرة وإن كانت باطلة وهذا ما لا يوجد في الحوار .
2.مفهوم المناظرة: المناظرة لغة "من النظير، أو من النظر بالبصيرة، فهي من النظر تفيد الانتظار و التفكر في الشيء تقيسه وتقدره، ومن التناظر تفيد التقابل()، ومن النظير تفيد التماثل أما في الاصطلاح فهي النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهارا للصواب()، وهي بهذا المعنى تفيد المحاورة بين شخصين أو فريقين حول موضوع، لكل منهما وجهة نظر تخالف وجهة نظر الفريق الآخر، بحيث يريد اثبات وحهة نظره وإبطال وجهة نظر خصمه، مع توفر الرغبة الصادقة بظهور الحق و الاعتراف به عند ظهوره "([17])
[1] ) سورة هود آية : 18-19.
( [2] ) سورة النحل آية : 125. ( [3] ) معجم المقاييس في اللغة لأبو الحسين أحمد ابن فارس ( [4] ) صحيح مسلم الحديث 3340 ( [5] ) لسان العرب لابن منظور ( [6] ) أساس البلاغة لجار الله محمود بن عمرالزمخشري ( [7] ) تاج العروس لمحمد مرتضى الزبيدي ( [8] )الندوة العالمية للشباب الإسلامي، في أصول الحوار ص 11 ( [9] ) محمد حسين فضل الله ( [10] ) عبد الرحمن النحلاوي ، أصول التربية الإسلامية وأساليبها ص 206 ( [11] ) مبارك بن سيف بن سعيد الهاشمي ( [12] ) خالد بن محمد المغامسي ، الحوار آدابه وتطبيقاته في التربية الإسلامية ص 32 ( [13] ) سورة النحل الآية 125 ( [14] ) سورة غافر الآية 4 ( [15] ) سورة غافر الآية 5 ( [16] ) عبد الستار إبراهيم الهيتي من سلسلة كتاب الأمة (الحوار...الذات، و الآخر) ( [17] ) عبد الستار إبراهيم الهيتي من سلسلة كتاب الأمة (الحوار...الذات، و الآخر)
يتبع................ الموضوع : الحوار في الإسلام المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: الحوار في الإسلام الأحد 14 نوفمبر 2010 - 19:59 | |
| آداب الحوار في الإسلام
1) إخلاص النية: معنى الخلاص أن يوجد عمل نخلص فيه النية لله... إذن الإخلاص ليس عملا "...ولكنه صفاء القصد في أي عمل مشروع"([1])، وباعتبار هذا العمل هو الحوار فعل المحاور أن يخلص النية لله تبارك وتعالى في حواره ويكون قصده في ذلك إحقاق الحق لنيل مرضاة الله تعالى دون المباهات و المفاخرة و الانتصار للذات أو حب الظهور.يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى،..." ([2]) 2) احترام شخصية المحاور: وتعني أخذ المحاور باللطف والاعتراف بمنزلته ومقامه ومخاطبته بالعبارات اللائقة و الألقاب المستحقة و الأساليب المهذبة. وكذلك الانتباه الى كلامه وحسن الاستماع له واللباقة في الإصغاء، وعدم تجاهله والانشغال عنه بالتفكير فيما ستقوله، وأيضا تجنب مقاطعته وعدم الجواب أو التعقيب أو المداخلة. إلا بعد أن ينتهي من رأيه حتى وان طال. قال الحسن بن علي لابنه رضي الله عنهم أجمعين:"يابني إذا جالست العلماء؛ فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم العلم ولا تقطع على أحد حديثه-وإن طال- حتى يمسك." 3) عفة اللسان: على المتحاوران الحرص على القول المهذب، وبالأخص إذا كان الطرف الآخر من الحوار غير مسلم، فعلى المسلم أن ينأى بنفسه عن أسلوب الطعن و التجريح والهزأ و السخرية، وألوان الاحتقار عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَيْسَالْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ"([3])، لأن مثل هذه الحوارات مع غير المسلمين ؛ تكون محطة أنظار الجميع، و المحاور المسلم يعكس صورة الإسلام؛ لذلك وجب عليه الأخذ بما أوصى به رب العزة تبارك وتعالى في محكم التنزيل وما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث، ومن لطائف التوجيهات الإلهية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، الإنصراف عن التعنيف في الرد على أهل الباطل حيث قال عز وجل (وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69))([4]) وكذا التزام القول الحسن في جدال أهل الكتاب قال تعالى( وَلا تًجادِلواْ أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بالَّتي هِيَ أَحْسَن(46)) ([5]) فالمسلم كما قال صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"([6]) إذن فالحوار الفعال يستلزم من المحاور الحسنى في القول والمجادلة فقد فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصمت على قول ما لا يرضي الحق سبحانه قال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"([7]) ومن حسن الكلام: أ- التأدب في الخطاب: قال تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا) ([8]) وقال أيضا عز من قائل: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُ الَّتي هِيَ أَحْسَنْ) ولذلك وجب التأدب مع جميع الخلق، ومن الأدب و اللباقة أيضا عدم مخاطبة المحاور بعبارات مختزلة اشارات بعيدة ومن ثم لا يفهم أو المبالغة في شرح ما لا يحتاج الى شرح أو تبسيط ما لا يحتاج الى تبسيط؛ لأنه كما يعلم الجميع الناس درجات في عقولهم وفهومهم. ب- الرفق واللين في الكلام: لأن المودة واللين يخلقان جوا من الحوار الهادف البناء، وعكسها يولد جوا من العنف ويعكر مزاج المحاور فيفسد بذلك الحوار، ولذلك رغب صلى الله عليه وسلم في الرفق، فقال: "إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ"([9])، كما أنه صلى الله عليه وسلم يعلمنا الرفق مع عدم رد الإساءة بمثلها حتى مع أصحاب الباطل، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ ـ رضى الله عنها ـ زَوْجَالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَىرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ. قَالَتْعَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. قَالَتْفَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَهْلاً يَا عَائِشَةُ، إِنَّاللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ ". فَقُلْتُ يَا رَسُولَاللَّهِ وَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ "."([10]) ويعلمنا الله سبحانه اللين في القول حتى مع أعداء الدين حين قال الله تعالى لنبيه موسى وأخوه هارون: (فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) ([11]) ج- توضيح المضمون: على المتحاوران استخدام ما يفهم من التعابير دون تقعر أو تكلف ففي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم:"هلك المتنطعون"([12]) وقال أيضا : "إِنَّ أَبْغَضَكُمْ اِلَىَّ وَاَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَوَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ"([13]) 4) تجنب أسلوب التحدي و التعسف و الإفحام، واعتماد الهدوء و الصبر و الوقار: "إن كسب القلوب مقدم على كسب المواقف"([14]) ومنه فعلى المتحاوران الإلتزام بضوابط منها: أ- تجنب أسلوب الإفحام و التحدي و التعسف: الحرص على عدم ايقاع المحاور في الاحراج ولو بالحجة و الدليل الدامغ، فقد تفحم الخصم وتسكته بحجة ولكن لا تقنعه ولا تكسب تسليمه. كما أن أسلوب التحدي يمنع التسليم ولو وجدت القناعة العقلية. ب- إلتزام الهدوء و الروية: وهذا يعني عدم التسرع والانفعال و الغضب بسبب أو بدون سبب فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلاً قالَ للنبي صلى الله عليه وسلم أَوْصِنِي قالَ لاَ تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَاراً لاَ تَغْضَبْ"([15]) وقال عليه الصلاة و السلام أيضا :"ليس الشديد بالصرع، وإنما الشديد الذي يمسك نفسه عند الغضب"([16]) وكذا عدم رفع الصوت أكثر من الحاجة، لأن في ذلك إيذاء للنفس و الغير؛ فصاحب الصوت العالي غالبا ما يعلو صوته لضعف حجته وقلة بضاعته فيستر عجزه بالصراخ ويواري ضعفه بالعويل،"فهدوء الصوت عنوان العقل و الإتزان ، والفكر المنظم و النقد الموضوعي، والثقة الواثقة"([17]) ج- التحلي بالحلم و الصبر و الوقار: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"الصَّبْرُ ضِيَاءٌ"([18]) وقيل الصبر ثبات القلب عند موارد الاضطراب. على المتحاور الصبر على فكرة محاوره حتى وإن اعتقد خطأها منذ البداية، ولا يقابلها بمثلها بل ينبغي مقابلة الفكرة بفكرة تصححها أو تكملها، ولا يجاري خصمه في الشغب بل يعتمد الهدوء و الوقار؛ فهذا هو عنوان التواضع وعدم الاستعلاء على الخصم وفكرته. 5) العلم وصحة الأدلة: هذا ضابط يلزم المتحاوران اعتماد العلم و البرهان في الدفاع عن الرأي الشخصي أو تنفيد الرأي المخالف. أ- إتباع المنهج العلمي: ويعنى بذلك وضوح هدف الحوار قبل إجرائه، والبدء بالعموميات و الانتهاء بالجزئيات مع اتساق الأفكار، وإصلاح المنطق وتهذيبه، و التسليم بالأمور التي هي من المسلمات. وعلى المتحاوران التحدث بما فيه مصلحة السامعين دون إثارة موضوع يترتب عنه ضرر أو تهاون في العقيدة و السلوك، قال ابن مسعود:"ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة". ب- الحجة الصحيحة: وذلك بالبعد عن المغالطات و المراء و السخرية، لأنه لا جدال ولا مراء في الإسلام وإنما على المحاور أن يبين الحقيقة. فمن ماراه فيها أقام عليه الحجة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لاَ تُمَارِأَخَاكَ وَلاَ تُمَازِحْهُ وَلاَ تَعِدْهُ مَوْعِدَةً فَتُخْلِفَهُ"([19]) وقال أيضا عليه الصلاة و السلام :"مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ "([20]). وعلا المحاور أيضا ألا يناقض نفسه من خلال أدلته، بل عليه أن يستعمل الحجة القوية المقنعة لإظهار الحق، وأن يكون صادقا في أقواله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِوَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِيإِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَلَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّابًا"([21]) 6) الالتزام بوقت محدد في الكلام: مما هو معروف أن للسامع حدا من القدرة على التركيز و المتابعة إذا تجاوزها أصابه الملل، وانتابه الشرود الذهني، وعليه؛ فإنه من الخير للمحاور أن ينهي حديثه و الناس متشوقة للمتابعة ومستمتعة بالفائدة، فهذا أفضل له من أن ينتظر الناس انتهاء كلامه وقفل حديثه. كما أنه من حدود اللباقة و الأدب عدم الاستطالة و الاسترسال في الحديث . وله أن يمنح الفرصة لمحاوره لإعطاء رأيه و الدفاع عنه دون مقاطعته. يقول ابن عقيل في كتابه فن الجدل:" وليتناوبا الكلام مناوبة لا مناهبة، بحيث ينصت المعترض للمستدل حتى يفرغ من تقريره للدليل، المستدل للمعترض حتى يقرر اعتراضه، ولا يقطع أحد منهما على الأخر كلامه وإن فهم مقصوده من بعضه."وقال أيضا: وبعض الناس يفعل هذا تنبيها للحاضرين على فطنته وذكائه وليس في ذلك فضيلة إذ المعاني بعضها مرتبط ببعض وبعضها دليل على بعض، وليس ذلك علم غيب، أو زجرا صادقا، أو استخراج ضمير حتى يفتخر به." 7) الإنصاف والموضوعية: لابد للمحاور أن يقر بصحة رأي محاوره ويذعن للحق إن تبين له صدق حججه، حتى يحقق هدفه بنزاهة وموضوعية، وألا يخضع لتأثير هوى الذات أو الحزب أو الجماعة، بل عليه التحلي بالإنصاف و العدل قال تعالى: "وإذا قُلْتُمْ فاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى"([22]). كما نقل القرطبي في تفسيره عن ابن العربي قال: "العدل بين العبد...... و الخلق بذل النصيحة، وترك الخيانة فيما قل وكثر، والإنصاف من نفسك لهم بكل وجه، ولا يكون منك إساءة إلى أحد بقول ولا فعل ولا في سر ولا في علن، والصبرعلى ما يصيبك منهم من البلوى. وأقل ذلك الإنصاف وترك الأذى." كما يجب على المحاور إن ظهر الحق على لسان خصمه أن يأخذ به ولا تأخذه العزة بالاثم، ويرفض هذا الحق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْكِبْرُ بَطْرُ الْحَقِّ وَعَمْطُ النَّاس"([23])
([1]) فضيلة الشيخ الامام محمد متولي الشعراوي ، كتاب 500 سؤال وجواب للأسرة المسلمة
([2]) صحيح البخاري كتاب بدئ الوحي
([3]) رواه الترميذي كتاب البر و الصلة
([4]) سورة الحج الآية 68-69
([5]) سورة العنكبوت الآية 46
([6]) متفق عليه
([7]) رواه مسلم كتاب الايمان
([8]) سورة البقرة الآية 83
([9]) صحيح مسلم
([10]) صحيح البخاري كتاب الأدب (6093) * السام : الموت
([11]) سورة طه الآية 44( يعني لفرعون)
([12]) رواه مسلم كتاب العلم
([13]) رواه الترميذي كتاب البر و الصلة (حديث حسن غريب)
([14]) أصول الحوار وآدابه في الإسلام لشيخ صالح بن عبد الله بن حميد
([15]) رواه البخاري كتاب الأدبار
([16]) رواه البخاري كتاب الأدبار
([17]) أصول الحوار وآدابه في الإسلام لشيخ صالح بن عبد الله بن حميد
([18]) رواه مسلم
([19]) رواه الترميذي كتاب البر و الصلة
([20]) رواه الترميذي كتاب تفسير القران
([21]) متفق عليه
([22]) سورة الأنعام الآية 152
([23]) رواه مسلم
يتبع....................... الموضوع : الحوار في الإسلام المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|