هل
يجوز الحلف
بالمصحف أو بالكعبة ؟؟
لماذا نقسم أو
نحلف ؟ ..
هل يجوز الحلف بغير الله تعالى ؟
هل يجوز الحلف
بالمصحف أو بالكعبة ؟
هل يجوز أن نقسم بما قسم به الله في القرآن ؟
ملاحظات مهمة حول القسم في القرآن ..
شرح لبعض الكلمات التي
أقسم الله بها في القرآن ..
لماذا نقسِم أو نحلِف ؟ ..
س : بارك الله لك في علمك يا شيخ .. وزادك فقها وإخلاصا ويقينا ..
أردت أن
أخبرك بما يسعدك ويدخل السرور على نفسك ..
ج : ما أجملها
من دعوة يا أخي .. هات ما عندك ..
س : أردت أن أخبرك أني منذ الأمس
وأنا أتذكر كلامك عند كل مرة أذكر فيها
الله تعالى بالتسبيح .. لقد
تأكدت الآن أن العلم يعطي طعما آخرا لأي شيءٍ
نفعله أو نقوله بدون
علم .. فشتان بين الحالتين .. لذلك فأنا أريد أن
أستكمل حديثي معك في
موضوع يتعلق بموضوع الأمس .. ألا وهو موضوع (القسم) أو
(الحلف) ..
أريد أن أعرف معنى القسم ب (عزة الله) أو (جلال الله) أو ما
شابه ذلك
.. وهل يجوز أم لا ؟
ج : أولا أحمد الله تعالى الذي جعل لفاعل الخير
الذي يدل الناس على الهدى
والخير له نفس أجورهم .. ثانيا .. بالنسبة
لموضوع القسم أو الحلف بالله
فهو موضوع هام جدا فعلا .. وذلك لعدة
نقاط سوف أشرحها لك .. ولكن قبل أن
أشرحها وأتكلم فيها .. أريد أولا
أن أجيب على هذا السؤال البسيط :
لماذا يقوم الإنسان بالقسم أو الحلف
أمام غيره من الناس ؟
والجواب بكل بساطة .. هو أنه أحيانا يتم سؤال
الإنسان سؤالا ما .. فيجيب
عنه إجابة لا يعرف مدى صدقها أو كذبها أحد
إلا هو نفسه ..
وهنا يلجأ بعض الناس إلى القسم ( وهو صيغة معينة من
الكلام يُبرهن بها على
صدقه ) .. وهذا الأمر يعرفه الناس كلهم منذ
القديم وحتى الآن .. مسلمهم
وكافرهم .. بل من العجيب أن أقدم قسم
عثرت عليه لمخلوقٍ من المخلوقات ،
كان لمن ؟ .. إنه لإبليس اللعين !!
.. فقد ذكر الله تعالى لنا في القرآن
أنه عندما جاء ليوسوس لآدم
عليه السلام وزوجه بالأكل من الشجرة .. قام
بالقسم لهما أنه لمن
الناصحين .. " ....... وقال ما نهاكما ربكما عن هذه
الشجرة إلا أن
تكونا مَلَكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما (أي أقسم
لهما بالله)
إني لكما لمن الناصحين " الأعراف – 20 ، 21 ..
فللأسف كان أول قسم – في
حد علمي – كاذبا .. مع أنه كان بالله تعالى ..
فكما رأيت الآن أن كل
أمة من الأمم أو كل جماعة من الجماعات لديها من صيغ
(القسم) أو
(الحلف) المختلفة ما تتعاظم معه أن يكون صاحبه كاذبا .. وهو
بالضبط
ما حدث مع آدم عليه السلام وزوجه .. فلم يتخيلا أبدا أن يُقسم
مخلوقٌ
من مخلوقات الله تعالى بالله كذبا .. بل ونسوا – نتيجة لعظم هذا
القسم
في أعينهما - ما حذرهما الله منه من قبل ألا وهو مكر إبليس وكراهيته
وعداؤه لهما ..
هل يجوز الحلف بغير الله تعالى ؟
والآن ..
وبعد أن أوضحتُ لك لماذا يقوم الإنسان بالحلف أو بالقسم .. وأوضحت
لك أيضا أن كل أمة أو جماعة لديها من الأشياء العظيمة ما تقوم بالقسم به
.. حيث يبلغ من عِظم هذه الأشياء لديها أنه يحرم عندها أن يحلف بها أحدٌ
كذبا ..
وللأسف الشديد – ونحن أمة الإسلام - .. فإنك تجد من بيننا
من إذا سألته عن
شيء فإنه يُقسم ب أمه أو أبيه أو رحمة أمه أو أبيه
أو النعمة أو العيش
والملح أو الأخوة أو الأمانة ... إلى آخره من صيغ
القسم التي ما أنزل الله
تعالى بها من سلطان .. فالنبي صلى الله
عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح :
" من كان حالفا فليحلف بالله أو
ليصمت " ( صحيح متفق عليه ) ..
فكان مما تركه المسلمون - للأسف ككثير
مما تركوه من السنن وفرطوا فيه – هذه
الشعيرة العظيمة من شعائر الدين
.. ألا وهي الحلف بالله وحده فقط ..
فنحن أمة ليس لدينا عظيما إلا الله
وحده .. لا نقسم إلا به .. وإذا قسمنا
به لا نكذب .. فهل هذا هو
حالنا اليوم ؟!!..
تخيلوا معي لو عاش أحد الكفار في بلاد المسلمين ورأى
أنهم يُعظِمون ربهم
وإلههم لهذه الدرجة .. فهل كان يبقى عنده شك
بعدها في كذب عقيدتهم .. لا
والله ..
ولكننا اتخذنا أندادا نحلف
بهم من دون الله تعالى !! .. حتى وصل الأمر –
واستمع لقمة المهزلة
الدينية عند عامة الناس اليوم – أنه إذا سألك أحدهم عن
شيء فقلت له :
أقسم بالله مثلا أنه كذا وكذا .. لقال لك – وبكل غباء
وجهل - : لا
تحلف بالله .. ثم يقول مستطردا (إحلف بشيءٍ آخر أصدقه)!!! ..
فإنا
لله وإنا إليه راجعون .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
..
إذا
حلف بالله لا يصدقه .. وإذا حلف بغيره يصدقه !!!
ولعل هذا مظهر من
مظاهر ضعف الإيمان المتفشية في هذا الزمان .. ولعله
التقليد الأعمى
من بعض الجهال من الناس لمن هم أجهل منهم .. وأخيرا لعله
نتاج طبيعي
لاستهانة الناس الحلف بالله والكذب فيه .. حتى صرنا لما صرنا
إليه
للأسف .. وهكذا يتبين لنا أهمية هذا الأمر النبوي الحكيم للأمة : " من
كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " .. فحدث إذا ولا حرج عن تدهور حال
المحاكم
القضائية اليوم .. فالشهادة الزور (الكاذبة) هي أرخص ما يمكن أن
تحصل
عليه لدعم قضيتك إذا أردت !! .. حتى أن بعض الناس قد قاموا بتأليف
(مثلا
شعبيا) لهذا الموضوع عندنا بمصر فقالوا : ( قالوا للحرامي احلف ..
قال
جالك الفرج !! ) ..
فاللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون .. وتب على من
يعلم ولكنه يتجرأ عليك
بالمعصية .. وانتقم ممن يفعل ذلك تكبرا وعنادا
وهو يعلم ..
س : فتح الله عليك يا شيخ .. ولكن لي تعليق صغير على
هذا الكلام .. ألا ترى
أن نسبة غير قليلة من الناس يقومون بمثل هذه
الصيغ من الحلف بغير الله
لأنهم لا يعتقدون أنها خطأ ؟ .. فما حكمهم ؟
هل يُعذرون بجهلهم ؟ .. ثم ما
هي الصيغ الصحيحة للحلف بالله تعالى ؟
ج
: أولا يا أخي الكريم .. اعلم أن كل المسلمين مأمورون بطلب العلم الشرعي
الديني اللازم لهم .. وهو ما نسميه في الدين ب (فرض العين) .. مثل أمور
الحرام والحلال والعبادات وما عليهم أن يتجنبوه من أفعال الشرك والكفر
التي
تهدم العقيدة الصحيحة وتضادها مثل الذبح والنذر لغير الله والسجود
والتعظيم لغير الله والدعاء والاستعانة والتوسل لغير الله .. وبالطبع
الحلف
بغير الله أيضا .. وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في
الحديث
الصحيح : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " ( صحيح الجامع الصغير
للألباني
المجلد الثاني 3913 ) ..
فالمسلم يأثم إذا فرط في طلب علم أصول الدين
.. ولكننا مع هذا نعذره بجهله
.. وخصوصا في هذه الأيام مع انتشار
(علماء السوء) في بلاد الإسلام والذين
باعوا دينهم بدنياهم للأسف ..
فتقلدوا أعلى المناصب الدينية في بلادهم
.. ثم قاموا بإضلال الناس عن
الحق !!
ولهذا فإن لم يسعى كل مسلم بنفسه على طلب العلم الصحيح له
ولأهله .. فقل ما
يجد له معينا في هذا الزمان ..
الصيغ التي
يجوز أو لا يجوز الحلف بها ؟
واعلم أن الأصل في المسلم قلة الحلف
حتى بالله .. بل يكتفي المسلم بالصدق
والأمانة فيُصدقه الناس .. وإذا
حلف على شيء ثم رأى أن الخير والأفضل في
غيره .. يفعل الذي هو خير
ويكفر عن يمينه أو حلفه .. وذلك كما علمنا رسول
الله صلى الله عليه
وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه فقال :
" إذا حلفت على يمين فرأيت
غيرها خيرا منها .. فائت الذي هو خير وكفر عن
يمينك " .. أيضا يجب أن
تعلم أن الله تعالى لا يؤاخذنا على اللغو في الحلف
.. وهو مثل قولك
أثناء الكلام ( لا والله ) أو ( بلى والله ) .. أو أثناء
الأكل مثل (
لا والله ما أنا بجائع ) .. وهكذا ..
أما ما تكلمت أنت به الآن من
وجود بعض صيغ الحلف والتي لا يظن الناس أنها
لا تجوز .. فسوف أخبرك
الآن بما يجوز أو لا يجوز من صيغ الحلف ..
1- الصيغ التي يجوز الحلف بها
:
وهي نوعان : أولا : الحلف بالله أو بمعناه .. كأن تقول :
(والله)
أو (والذي نفسي بيده) أو (والذي يُنزل المطر) أو (والذي يُجري
السحاب)
أو (أقسم بالذي يعلم السر وأخفى ) أو (أقسم بالحي القيوم) .. إلى
ما
شابه ذلك من الصيغ التي تدل على الله ..
ثانيا : الحلف بشيء يُنسَب لله
عز وجل – وفيه خلاف لكن الأرجح أنه يجوز -
.. وذلك كأن تقول :
(أقسم
بكلام الله) أو (أقسم ببيت الله) أو (أقسم بعرش الله ) أو (أقسم بعزة
أو جلال الله) .. وإن كنت مع هذا لا أحبذ هذا النوع من الحلف لعدم
انتشاره
بين الصحابة والتابعين .. ولكنه يجوز كما قلت لك ..
2- الصيغ التي لا
يجوز الحلف بها :
وهي كل ما عدا ذلك .. كأن يسألك أحدٌ عن شيءٍ ما مثلا
فتقول :
(وحياة الأخوة) أو (والأمانة) أو (ورحمة أبي أو أمي) أو
(والنبي) أو
(والنعمة الشريفة) ... إلخ ..
هل يجوز الحلف
بالمصحف أو بالكعبة ؟
س : بالمناسبة .. هناك صيغتان لا أعرف هل
يجوز الحلف بهما أم لا .. وهما
مستخدمتان كثيرا بين الناس .. وللأسف
كثير من المُتدينين لا يعرف هل
يُنكرها عليهم أم لا .. هاتان
الصيغتان هما القسم ب (المُصحف) والقسم ب
(الكعبة الشريفة) ..
ج :
إعلم يا أخي وفقك الله .. أن التعظيم كما قلت لك لا يجب إلا في حالتين
فقط .. أن يكون لله .. أو أن يكون لشيءٍ يُنسَبُ لله تعالى .. فإذا فهمت
ذلك جيدا فسوف تستطيع الحكم بنفسك في هذا الأمر إن شاء الله تعالى .. ومن
هنا يتضح لك الفرق بين أن أقسم فأقول (أقسم بكلام الله) وأن أقول (أقسم
بالمصحف) .. فالصيغة الأولى تجوز .. وذلك لأن الكلام هنا اكتسب صفة
العظمة
بإضافته لله تعالى .. أما الصيغة الثانية لا تجوز .. وذلك لأن
المصحف
ليس عظيما بذاته .. فهو يتكون من أوراق ومِداد (أي حبر) وغيره ..
كذلك
أيضا – وبنفس المبدأ – يجوز القسم بهذه الصيغة (أقسم ببيت الله) ..
ولا
يجوز بهذه الصفة (أقسم بالكعبة الشريفة) .. فالكعبة ليست عظيمة بذاتها
.. ولكنها تكتسب عظمتها بإضافتها لله تعالى ..
والخلاصة أنه لا يجوز
أن تقسم فتقول (والمصحف) أو (والكعبة) ..
ويحضرني هنا سؤالٌ سأله لي أحد
الإخوة منذ قريب .. عن أنه في قريته في مصر
لا يقبلون الحلف بالله
أبدا !!.. ولكن الحلف المُعتبر عندهم أن يحلف
أحدهم ب(المصحف) أو
عليه .. أو يحلف بالله وهو يضع يده على المصحف !! ..
فقلت له : يا أخي
.. اسألهم : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا ؟
.. فقال
لي : لا .. قلت : أكان يفعله الصحابة من بعده ؟ .. قال لي : لا
..
قلت : هل تعلم أحدا من السلف – وحتى القرون القريبة – كان يفعل مثل
هذا
؟ .. قال لي : لا .. قلت : إذا قل لهم ذلك .. وأخبرهم بالحديث الصحيح
" من كان حالفا .. فليحلف بالله أو ليصمت " ..
هل يجوز أن نقسم
بما قسم به الله في القرآن ؟
س : فتح الله عليك يا شيخ .. والله
لقد أوضحت لي فعلا كثيرا من الأمور
الهامة في عقيدتنا .. والتي لا
يعرفها كثير من الناس للأسف .. ولكنني أريد
أن أسأل عن شيء ما .. هذا
الشيء هو : هل يجوز لنا أن نحلف أو نقسم بما
قسم به الله تعالى في
القرآن ؟
ج : الإجابة أخي الكريم هي : لا ..
لا يجوز القسم بما أقسم
به الله تعالى في القرآن .. وذلك لسببين :
1- أن الله تعالى وحده هو
الذي يعرف مدى قيمة وعظم هذه الأشياء التي أقسم
بها .. فقد أقسم مثلا
في القرآن الكريم ب :
(والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد
الأمين) .. (والنجم إذا هوى)
.. (والطور) .. (لا أقسم بيوم القيامة *
ولا أقسم بالنفس اللوامة) .. (فلا
أقسم بالخنس * الجوار الكنس *
والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس ) .. (
لا أقسم بهذا البلد * وأنت
حِلٌ بهذا البلد * ووالدٍ وما ولد ) ..
(والسماء ذات البروج *
واليوم الموعود * وشاهدٍ ومشهود ) ... إلى آخر ما
أقسم به الله تعالى
في كتابه الكريم .. والذي لو تكلمت بالشرح عن كل واحدة
فيها لأخذت
مثل ضعف هذه الرسالة مرتين أو أكثر !!.. ومع هذا أيضا فلن
أستطيع ولن
يستطيع أحد أن يُلمَّ بكل ما فيها من عظمة .. فلا يعلم عظمة
هذه
الأشياء إلا خالقها عز وجل .. إذن فلا يقسم بها إلا الله ..
2-
ثانيا عدم جواز الحلف بغير الله تعالى كما أوضحنا ذلك منذ قليل .. فلا
يجوز أن نترك القسم بالله الخالق لكل شيء .. ونقسم بمخلوق من مخلوقاته !!
ملاحظات مهمة حول القسم في القرآن ..
س : بما أنك ذكرت هذه
الأمثلة من القرآن .. فأنا أتمنى من الله تعالى أن
أتمكن من قراءة
معاني القرآن وفهمه .. ولكن حتى يتيسر لي ذلك .. فأريدك أن
تتفضل علي
بذكر أهم الملاحظات على هذا الحلف بالقرآن .. والتي ترى أنها
من
الممكن أن تخفى على مِثلي ممن لا يقرأون كثيرا في الدين ؟
ج : يا أخي ..
إن الفضل بيد الله وحده .. فأنا ليس عندي فضل علم .. ولكن
الله
تعالى بفضله وكرمه يرزقني ويرزقك .. واعلم أن ما أزيده عنك ، هو ما
تتكاسل
أنت عنه !!.. وما علي أنا وأنت إلا أن ندعو الله بما أخبر به في
القرآن
فقال : " وقل ربِ زدني علما " طه – 114 ..
أما أهم الملاحظات التي
أعتقد أنه لا يعرفها كثير من المسلمين اليوم للأسف
هي :
1-
الملحوظة الأولى .. تعدد صيغ القسم في القرآن ..
حيث استخدم الله تعالى
القسم في القرآن بأكثر من صيغة ..
فهناك نوع مثلا من القسم يستخدم فيه
(واو القسم) وذلك كقوله :
والطور .. والنجم .. والليل .. والشمس ..
والضحى .. والفجر .. والنازعات ..
إلى آخر ما جاء في القرآن من هذا
النوع ..
وهناك نوع آخر باستخدام (لام القسم) .. وذلك كما أقسم الله
تعالى بحياة
وعُمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن فقال :
"
لَعَمرُكَ إنهم لفي سكرتهم يعمهون " الحجر – 72 ..
وأخيرا هناك نوع من
القسم لا يلتفت إليه كثير من الناس وهو : (القسم مع
النفي) .. مثل :
(لا أقسم بهذا البلد) .. (لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم
بالنفس
اللوامة) .. (فلا أقسم بالخنس) .. (فلا أقسم بمواقع النجوم *
وإنه
لقسمٌ لو تعلمون عظيم ) ..
فالآيتين الأخيرتين تؤكدان بوضوح أن هذا
النفي هو نوع من أنواع القسم .. بل
وإن شئت فقل إنه من أقوى أنواع
القسم .. حيث أن الله تعالى بعد أن قال :
" فلا أقسم بمواقع النجوم "
أعقبها مباشرة بقوله : " وإنه لقسمٌ لو
تعلمون عظيم " ..
فيصور
لنا الله تعالى أنه من عظمة ما يقسم به هنا .. فكأنما لا يحتاج إلى
قسم لبيان عظمته .. فدل هذا النفي في القسم على إثبات العظمة المُبالغ
فيها
لهذا الشيء ..
2- الملحوظة الثانية .. وهي أن معظم ما أقسم به
الله تعالى يلهث العلم
الحديث الآن للكشف لنا نحن المسلمين عن بعض
أوجه العظمة فيه وهو لا يدري ..
فالكفار في العالم ينفقون المليارات
في سباق الاكتشافات والعلم .. وهم
في الحقيقة يُزيدوننا أيمانا يوما
عن يوم بصدق ربنا جل وعلا فيما أخبر في
قرآنه أو على لسان نبيه الأمي
صلى الله عليه وسلم !!
ولن أستطيع شرح ذلك الآن .. ولكني أعدك بتخصيص
مجموعة كبيرة من الرسائل
التي تتعرض للإعجاز في القرآن والسنة في كل
شيء إن شاء الله تعالى ..
3- الملحوظة الثالثة .. هناك دوما بعد
القسم ما يُسمى ب(جواب القسم) .. وهو
الشيء الذي أقسم عليه الله (أي
السبب الأصلي الذي من أجله جاء القسم) ..
وهو دوما الكلام الذي يبدأ
بعد انتهاء صيغ القسم ..
شرح لبعض الكلمات التي أقسم الله بها في
القرآن ..
4- الملحوظة الرابعة .. وهي أن بعض ألفاظ القسم تحتمل
أكثر من معنى أو مغزى
.. ولذلك فقد اختلفت أراء العلماء في تفسير بعض
الآيات منها .. وذلك مثل
الآية الثالثة من سورة البروج : " والسماء
ذات البروج * واليوم الموعود *
وشاهدٍ ومشهود " .. فاختلفوا في من هو
الشاهد ومن هو المشهود على أكثر
من قول – وهذا جائز طالما لم يحدد
النبي صلى الله عليه وسلم فيها معناً
محددا - ..
فمنهم من قال :
أنها تنطبق على أي شاهد وأي مشهود عليه يوم القيامة .. وهو
أكثر
الأقوال شمولا .. ومنهم من قال : يوم الجمعة الشاهد والمشهود عليه
المسلمون .. ومنهم من قال أنه يوم عرفة .. والقول الأول أعم وأشمل وأصح في
رأيي ..
وبهذه المناسبة سوف أذكر لك سريعا بعض أهم معاني ما جاء من
كلمات القسم في
القرآن الكريم وأعتقد أنها قد تخفى على الكثير من
الناس .. وهي غير
مُرتبة بترتيب السور .. ولكن ما سيأتي في خاطري
فسوف أخبرك به ..
أولا سورة الطور : ( والطور ) هو الجبل الذي كلم الله
تعالى موسى عليه في
صحراء سيناء .. ( وكتاب مسطور ) وهو القرآن
الكريم المسطورة فيه آياته .. (
في رقٍ منشور ) أي في صُحُفٍ منشورة
للناس ومقروءة .. ( والبيت المعمور )
وهو الكعبة بيت الله الحرام ..
وهو معمور دوما بالملائكة تحج وتطوف إليه
في السماء .. وبالبشر يحجون
ويطوفون إليه في الأرض .. ( والسقف المرفوع )
وهي السماء التي
تعلونا وتحفظنا من أخطار كثيرة .. وتحمل الغازات التي
تحتاجها الأرض
وتحمل السحاب الذي يزن عشرات الأطنان .. وكل ذلك بغير عمد
!! .. (
والبحر المسجور ) وهو البحر المملوء بالنار !! وقد اكتشف العلم
الحديث
– بل وقد صوروه لنا – كيف أن بداخل البحر في بعض الأماكن مخازنا
عملاقة
للحمم البركانية التي يمكن أن تخرج في أي وقت !! كما قال الله
تعالى
في آية أخرى في مكان آخر ( وإذا البحار سجرت ) !!
ثانيا سورة
الواقعة : ( فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسمٌ لو تعلمون
عظيم )
يُخبر الله تعالى هنا الإنسان أن مواقع النجوم ليست آيةً هينةً ولا
سهلةً كما يظن البعض .. وكان الناس في الماضي يعرفون – بالفطرة – أن ذلك
بالتأكيد لابتعاد النجوم عنا كثيرا جدا .. ولكن العلم الحديث الآن زاد
على
ذلك ما كنا لا نتوقعه أبدا .. أتدرون ماهو ؟ ..
إن هذه النجوم تبعد
عنا ملايين المليارات من الكيلو مترات وأكثر !! ولذلك
فإننا لا نرى
هذه النجوم مباشرة .. ولكننا في الحقيقة ننظر لضوئها الذي
سافر عنها
منذ آلاف السنين أو أكثر !!! .. بمعنى آخر .. فنحن يمكن أن نشاهد
نجما في السماء في نفس الوقت الذي يكون قد مات فيه فعلا وانتهى منذ آلاف
السنين !!! ولكننا ننظر للضوء الذي ما زال يواصل رحلته في طريقه إلينا
منه
قبل أن يموت !! وذلك بالطبع لعظم المسافة بيننا وبينه ...
ثالثا
سورة البلد .. ( لا أقسم بهذا البلد ) أي مكة .. ( وأنت حِلٌ بهذا
البلد
) أي وأنت يا محمد بهذه البلدة مكة .. ( ووالد وما ولد ) فيها أكثر
من رأي ولكن أشهرها هو آدم وكل ذريته من بعده ..
رابعا سورة التين
.. ( والتين والزيتون ) وهما ثمرتان معروفتان .. وطالما
أقسم الله
تعالى بهما فإنهما تحويان بالتأكيد من الخير والفائدة أكثر
بكثير مما
اكتشفه الانسان فيهما حتى الآن .. والثمرتان كناية عن بلاد
الشام –
فلسطين – والقدس حيث مركز انطلاق رسالة عيسى عليه السلام .. وذلك
لأن
هذه المنطقة اشتهرت دوما بهاتين الثمرتين .. ( وطور سينين ) أي وجبل
الطور بسيناء .. وهو مركز انطلاق رسالة موسى عليه السلام حيث كلمه الله
تعالى
عليه .. ( وهذا البلد الأمين ) أي وأخيرا مكة .. وهي مركز انطلاقة
الدعوة
الخاتمة .. والرسالة الأخيرة في وحي السماء .. رسالة محمد صلى
الله
عليه وسلم ..
والغريب في هذه الآية .. أنه هناك مثلها في كتاب العهد
القديم (التوراة)
عند اليهود والنصارى !! وذلك في سفر التثنية
الإصحاح ال (33) – (2) وجاء
فيه : " فقال : جاء الرب ( أي ناموس
ورسالة الله ) من سيناء .. وأشرق لهم
من سعير ( اسم قديم لجبل في
القدس ) .. وتلألأ من فيران ( اسم قديم لجبال
حول مكة ) " !!!..
خامسا
سورة العاديات .. ( والعاديات ضبحا ) يقسم الله تعالى بالخيل التي
تعدو
في سبيل الله للجهاد .. ( فالموريات قدحا ) أي والتي من شدة عدوها
تشعل
النار باحتكاك حدواتها بالأرض .. ( فالمُغيرات صبحا ) أي والتي تهجم
وتُغير على العدو بالصباح ( فأثرن به نقعا ) أي والتي تثير الغبار الكثيف
نتيجة عدوها القوي ( فوسطن به جمعا ) ثم أخيرا التي تتوسط جمع العدو
أثناء
القتال ..
سادسا سورة القيامة .. ( لا أقسم بيوم القيامة ) أي
أقسم بيوم القيامة يوم
الحساب يوم يُساق العباد إما لجنةٍ وإما لنار
.. ( ولا أقسم بالنفس
اللوامة ) أي وأقسم بالنفس اللوامة وهي نفس
المؤمن والتي تلومه دوما على
ارتكاب المعصية .. أو على تفويت الحسنة
.. فنفس المؤمن اللوامة هي ضميره
الحي الذي يحيا بين جنبيه ..
سابعا
سورة النازعات .. ( والنازعات غرقا ) يقسم الله بالملائكة التي تنزع
أرواح الكفار بشدة وغلظة .. والعرب تطلق لفظ غرقا على الشيء الشديد الصعب
.. ( والناشطات نشطا ) وهي الملائكة التي تنزع أرواح المؤمنين برفق
وسهولة
وكأنها تفك عقدة بسيطة منشوطة في حبل .. ( والسابحات سبحا ) وهي
جموع
الملائكة التي تسبح في السماء صعودا وهبوطا بأوامر الله تعالى
بالرزق
وقبض الأرواح وحفظ المؤمنين وملازمة المصلين ...الخ .. (
فالسابقات
سبقا ) وهي الملائكة تتسابق وتتسارع لتنفيذ أوامر الله تعالى
في كونه
.. ( فالمدبرات أمرا ) وهي الملائكة التي تقوم بتنفيذ ما أوكله
الله
إليها من أوامر تدبير شئون الكون ..
ثامنا سورة التكوير .. (
فلا أقسم بالخنس ) والمقصود بها النجوم .. وكل ما
يختفي ويضمحل فهو
خانس – مثلما قلنا من قبل على الشيطان في آية ( الوسواس
الخناس )
وقلنا إنه يخنس عند ذكر الله – فالنجوم تختفي وتخنس مع ظهور
النهار
.. ( الجوار الكنس ) أي والتي – أي النجوم – تجري وتنتقل في أبراجها
المعلومة في السماء وكأنها تكنس السماء .. حسنا .. هذا هو التفسير
القديم
.. ولكن العلم الحديث قد يعطينا أيضا تفسيرا آخرا غريبا جدا ..
هذا
التفسير قيل بالحرف الواحد في أحد أشهر كتب العلم الحديث والتي تتحدث
عن ظواهر الكون .. وبالأخص في الفقرة التي تتعلق بالحديث عن ( الثقوب
السوداء
) !! حيث قال الكتاب ما معناه :
" إن الثقب الأسود هو عبارة عن ( نجم
فاني ) ( قد خنس ضوءه واختفى ) ولكنه
بقي يجوب الفضاء من حوله (
كمكنسة عملاقة ) تبتلع كل ما يقابلها " ..
فسبحان الله !! (فلا أقسم
بالخنس * الجوار الكنس ) ..
هذا .. ولولا التطويل .. ولولا وقت
الرسالة لزدتك من شرح آيات وكلمات الله
تعالى في قرآنه .. ولكني أعدك
بتخصيص من وقت لآخر رسالة أقوم فيها بتفسير
بعض آيات سورة من السور
.. وكل ما أستطيع أن أنصحك به هو : ألا تكون ممن
يقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم لهم يوم القيامة أمام الله : " وقال
الرسولُ يا ربِ
إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا " الفرقان – 30 ..
فلا تهجر القرآن
أبدا .. لا قراءةً ولا فهما ولا تفسيرا ولا عملا .. واجتهد
في ذلك
يفتح لك الله تعالى أبواب العلم والبركة ..
.. أخي في الله لا تجعل العبرة من هذه الرسالة تقف فى
بريدك
مررها لكل من تحب له الخير
و تذكر أن لك أجرها و أجر من
عمل بها بإذن الله
الدال على الخير كفاعله
منقول
الموضوع : هل يجوز الحلف بالمصحف أو بالكعبة المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya