أما بعد:
فإن
الله تعالى جبل الخلق وفطرهم على أمور لامناص لهم من الخلاص منها.. فجبلهم
على حب المال مثلاً (وتحبون المال حباً جماً) لكنه وضع لهم الضوابط في ذلك
..فحرم السرقة..والرشوة وأكل الربا.. وجبلهم على حب المطاعم
والمشارب..ووضع لذلك ضوابط..فحرم لحم الخنزير والخمر ولحوم السباع.. وجبل
الله تعالى الرجال والنساء على ميل كل منهما إلى الآخر وجعل في الرجال
إقبالاً إلى النساء وفيهن إقبالاً إلى الرجال .. لذا لما أسكن الله تعالى
آدم في الجنة .. يأكل ويتنعم بكل أنواع المتع .. ومع ذلك ما طاب له المقام
فيها إلا بأنيس معه ..
فماذا
اختار الله تعالى له من أنواع المخلوقات .. ليؤنس خلوته .. ويزيد متعته ..
لم يختر له فرساً يطير عليه ويركبه .. ولا هراً أليفاً يلاعبه ..وإنما
اختار له أنثى .. لتكتمل رغبته..وتشبع غريزته.. ويستمتع كل منهما بالآخر
(خلقكم من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها ).
ومع ميلان كل من الجنسين للآخر وضع الله تعالى حدوداً بينهما ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه..
وكلامي
اليوم ليس عن اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال أو مخالطة المرأة للرجال
الأجنبي للضرورة التي لا مخرج عنها كالعلاج وما شابهه.. كلا فهذا لا بأس
به..
الدليل من الاول الي الرابع
إنما
نتكلم اليوم عن اختلاط النساء بالرجال الأجانب عنهن في المكاتب ,
والمستشفيات ,والحفلات , والمؤتمرات.. والاجتماعات .. وكم من رجل أو امرأة
اختلطا فوقعا ضحية كلمة مائعة أو ضحكة زائغة .. لذا حرم الله تعالى
الاختلاط في جميع الشرائع .. قال تعالى حاكياً قصة موسى عليه السلام :
"ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين
تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير *
فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير *
فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا
" ..
والمعنى : وجد جماعة كبيرة من الناس يسقون أنعامهم ومواشيهم ..
ووجد
امرأتين تذودان : أي قد ابتعدتا جانباً عن الرجال وبعدتا تمنعان ماشيتها
من اختلاط بمواشي الناس فسألهما (ما خطبكما ) فأجابتاه : ( لا نسقى حتى
يصدر الرعاء ) أي لضعفنا وعدم رغبتنا في الاختلاط فنحن ننتظر الرجال حتى
ينتهوا ثم نسقي مواشينا .
ويتضح لنا أن المرأتين خرجتا للعمل في السقيا, ولكن خروجهما كان للضرورة لهذا قالت : ( وأبونا شيخ كبير).
وتلاحظ في الآيات وجود امرأتين فالمرأة إذا اضطرت للخروج للعمل صاحبتها امرأة أخرى تجنباً للشبهة وحماية من الإغراءات..
وتأمل قوله تعالى: "فجاءته إحداهما تمشي على استحياء"..
لأنها تربت على الحياء فلم تتكشف ولم تتبرج بل قالت بحزم وجدية "إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا"..
هكذا باختصار .. هذا هو المطلوب .. وبدون كثرة كلام..
قارنوا
هذا بالذي يحدث من بعض النساء في عصرنا .. من الكلام الكثير المتتابع مع
الرجال.. مع مايصاحب هذا الكلام من تكسر وميوعة.. فهذه أربعة أدلة من قصة
موسى مع المرأتين تدل على تحريم الاختلاط..
والدليل الخامس:
ماحكاه الله عن امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام .. فقال سبحانه (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك) ..
فالرجال
والنساء ليسوا دمى تتحرك بلا مشاعر.. أو حجارة صماء.. بل هم بشر لهم عواطف
وشهوات.. فامرأة العزيز مع شرف نسبها .. وارتفاع مكانتها وغناها وجمالها
إلا أنها كثر اختلاطها بشاب يعمل خادماً عندها تؤانسه وتجالسه وتماشيه ..
ومع كثرة المساس قل الإحساس .. حتى تكسرت النصال وتفجرت أحاسيسها ..
وراودته عن نفسه وقالت: هيت لك..
الدليل السادس:
أن
الله تعالى أمر الرجال بغض البصر, وأمر النساء بذلك, فقال تعالى: (قل
للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما
يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) ..
فهو
أمر يقتضي الوجوب.. ولم يعف الشارع إلا عن نظر الفجأة فقد صح في مستدرك
الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ياعلي, لاتتبع النظرة, فإنما لك
الأولى وليست لك الآخرة".
فكيف يستسلم لأمر هذه الآية من يشتغل مع امرأة في مكان واحد فيتكرر نظره إليها قائمة وقاعدة ومتحركة وساكنة وضاحكة وباكية ..
وربما تأمل عينيها ويديها أو نظر إلى وجهها إن كانت كاشفة لوجهها..
الدليل السابع:
أن
النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الأصل في المرأة الاستتار عن الرجال..
وأن الشيطان إذا خالطت الرجال فتنهم بها.. فقال عليه الصلاة والسلام: (
المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان).. وكونها عورة.. أي لايجوز النظر
إلى زينتها أو شيء من جسدها.. والاختلاط المتتابع لها مع الرجال يخالف
ذلك..
الدليل الثامن:
أن
الله تعالى أباح للمرأة الزينة والحلي .. لكنه سبحانه أمرها إذا لبست
خلاخل في قدميها ومرت بالرجال فلا يجوز أن تضرب الأرض برجلها بقوة لكيلا
يسمع الرجال صوت الخلاخل فيفتنون .. قال تعالى (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما
يخفين من زينتهن).. فإذا كان سماع الرجل صوت خلخال المرأة حراماً لما يدل
عليه من عنايتها بزينتها أو تغنجها.. فما بالك بمن يخالط امرأة في مكان عمل
واحد .. يسمع ضحكاتها معه أو مع غيره أو عبر هاتفها .. أو مع زميلاتها ..
أو زملائها.. مع ما في صوتها من رق ونعومة .. والأذن تعشق قبل العين
أحياناً.
الدليل التاسع:
قوله تعالى (يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور) ..
قال
ابن عباس: هو الرجل يدخل على أهل بيت ومنهم المرأة الحسناء تمر به فإذا
غفلوا لحظها , فإذا فطنوا غض بصره عنها, فإذا غفلوا لحظ, فإذا فطنوا غض,
وقد اطلع الله من قلبه أنه ود لو نظر إلى عورتها..
وتأمل في وصف الله تعالى العين التي تسارق النظر إلى المرأة الأجنبية بأنها خائنة, فكيف بالاختلاط.
الدليل العاشر:
أن
الله تعالى علم أن الرجال والنساء يكون من بعضهم لبعض حاجات ومعاملات..
فيحتاج الرجل للكلام مع المرأة الأجنبية .. لسؤالها عن زوجها .. أو شيء من
أمورها .. فقال تعالى: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم
أطهر لقلوبكم وقلوبهن)..
وهذا التوجيه موجه ابتداء لمن نزل عليهم القرآن .. لأبي بكر وعمر .. وعائشة وحفصة..
وهم
وهن أطهر منا قلوباً وأصدق إيماناً.. ومع ذلك يقول الله تعالى موجها لهم
.. فاسألوهن من وراء حجاب .. لماذا؟ .. ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن.. أي
لابد من وجود حائل بين المرأة والرجل .. وهذا منع للاختلاط..
الدليل الحادي عشر:
أن الله تعالى أباح للمرأة الصلاة في المسجد وحضور العبادة مع الرجال ..
لكنه صيانة لها.. جعل صلاتها في بيتها أفضل ..
روى أحمد في مسنده"عن أم حميد رضي الله عنها:
أنها
قالت : يا رسول الله، أني أحب الصلاة معك. فقال صلى الله عليه وسلم:"قد
علمت أنك تحبين الصلاة معي,وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك ,وصلاتك
في حجرتك خير من صلاتك في دارك,وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك
,وصلاة في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي"
الدليل الثاني عشر:
بمعنى أن المرأة أذا صلت في المسجد ولم يكن هناك حاجز ساتر بين مصلى النساء والرجال..
فإن كون المرأة تصلي في الصفوف الأخيرة أفضل وأولى.. لبعدها عن الرجال ومخالطتهم ورؤيتهم..
فإذا
كان هذا في مواطن العبادة مع أنه لم يحصل اختلاط فما بالك بمن تشتغل مع
رجل ثمان ساعات يوميا تارة ليلا وتارة نهارا في صيدلية واحدة في غرفة
صغيرة..أو تجلس معه في مكتب.. أوتعمل سكرتيرة..تدخل عليه كل دقيقة تشرح له
المعاملات..وتخبره بالاتصالات..
الدليل الثالث عشر:
أن الله تعالى لما أباح للمرأة حضور الجماعة في المسجد..نهاها أن تخرج متزينة أومتطيبة..
فروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا".
وروى
أبو داود وأحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لا تمنعوا إماء الله مساجد
الله,ولكن ليخرجن وهن تفلات".. تفلات أي غير متزينات ولا متطيبات..
الدليل الرابع عشر:
أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أسباب هلاك الأمم..فذكر منها ترك الجهاد..ومنع الزكاة..
وذكر من أسباب هلاك الأمم السابقة الأختلاط المحرم بين الرجال والنساء..
فقال
صلى الله عليه وسلم:"إن الدنيا حلوة خضرة,وإن الله مستخلفكم فيها, فناظر
فكيف تعلمون, فاتقوا الدنيا واتقوا النساء,فإن أول فتنة بني إسرائيل في
النساء" رواه مسلم.
يعني
لما اختلط رجال بني إسرائيل بنسائهم.. وما تبع ذلك من الملاطفة
والمؤانسة..والمجالسة والممالحة.. ثم نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد
فلقاء..عندها جاءهم الهلاك..
الدليل الخامس عشر:
ما
رواه البخاري وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد فرأى
الرجال والنساء لما خرجوا من المسجد وقد اختلط بعضهم ببعض في الطريق,فقال
صلى الله عليه وسلم:
" استأ خرن, فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق,عليكن بحافات الطريق" فكانت المرأة تمشي بجانب الطريق ابتعادا عن الرجال..
الدليل السادس عشر:
ماروا
ه أبو داود الطيالسي عن ابن عمر رضي الله عنهما:أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لما بنى المسجد جعل بابا للنساء, وقال: لايلج من هذا الباب من
الرجال أحد" ، وفي لفظ البخاري في"التاريخ الكبير"أنه صلى الله عليه وسلم
قال: "لا تدخلوا المسجد من باب النساء"..
الدليل السابع عشر:
ما
رواه البخاري عن أم سلمه رضي الله عنها, قالت : كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسليمه, ومكث النبي صلى
الله عليه وسلم في مكانه يسيرا.
وفي
رواية قالت: كن إذا سلمن من المكتوبة قمن, وثبت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله ,فإذا قام رسول الله صلى الله عليه
وسلم قام الرجال.
وفي رواية قالت: كان يسلم فتنصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم..
الدليل الثامن عشر:
قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ).وهذا المحرم ليكسر نظرات الرجال عنها..ويجعل لها هيبة وحياء..
الدليل التاسع عشر:
أن
الله تعالى حرم اختلاط الذكور والإناث حتى وهم صغار في المضاجع ولو كانوا
إخوة فقال صلى الله عليه وسلم : (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين
,واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع).. فإذا كان تفريق
الصغار عن كثرة الملامسة والمضاجعة.
الدليل العشرون:
قوله
صلى الله عليه وسلم ):إياكم والدخول على النساء فقال رجل من
الأنصار:أفرأيت الحمو؟ قال : الحمو الموت )متفق عليه, والحمو هو قريب
الزوج..وقبل الختام..
إذا اضطرت المرأة للعمل مع الرجال..
أقول قولي هذا..واستغفر الله العلي العظيم والحمد لله
وقد يحتج بعضهم بما يحدث من اختلاط في الطواف والأسواق وخروج النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم للتمريض..
ومع أنه لاحجة في ذلك بوجه .. إذ أن هذه كلها ضرورات لا يمكن غيرها ..إلا أننا نقول :
الأصل
في الطواف طواف النساء من وراء الرجال..هكذا طاف نساء المسلمين في عهد
النبي صلى الله عليه وسلم ..أي الأقرب إلى البيت هم الرجال ,ثم النساء من
ورائهم..
روى
البخاري عن عطاء قال:"لم يكن يخالطن كانت عائشة رضي الله عنها تطوف
حجرة(معتزلة) من الرجال لاتخالطهم ,فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا يا أم
المؤمنين, قالت:انطلقي عنك ,وأبت. يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال
,ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال ".
وقال صلى الله عليه وسلم لأم سلمة : ( طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)..رواه البخاري.