الحلقة الأوليمقدمة بين يدي التفسير والتي كانت بتاريخ 13-5-2007 الحمد لله الذي نور بكتابه القلوبوأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوبفأتعبت بلاغته البلغاءوأعجزت فصاحته الفصحاءوأسكتت حكمته الحكماءوأذهلت روعته الخطباءفالقرءان هو الحجة البالغة والدلالة
الدامغة والعصمة الواقية والنعمة الباقية وهو شفاء الصدور والحكم العدل
فيما أحكم وتشابه من الأموروأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أنزل علي عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاالذي أنزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراالقائل سبحانه : ( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا )القائل سبحانه : (
قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ
الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ
مَدَدًا ) القائل جل وعلا ( ولَوْ
أَنَّمَا فِي الأرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن
بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّـه إِنَّ
اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله أدي الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة فكشف الله به الغمة وتركنا علي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك المخاطب من الله جل وعلا في أول آيات أنزلها علي قلبه بقوله : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ )والمخاطب من الله بقوله : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )والمخاطب من الله بقوله : ( طه ﴿١﴾ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ﴿٢﴾ إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ ﴿٣﴾ تَنزِيلا مِّمَّنْ خَلَقَ الأرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ﴿٤﴾ الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ﴿٥﴾ )وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أنه صلي الله عليه وسلم قال: ما من نبيألا وأعطي من الآيات ما مثله آمن علي البشر وكان الذي أوتيته وحيا أوحاه اللهإليِّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامةاللهم صلِ وسلم وزد وبارك عليه وعلي آله وصحبه وسلم أستهل هذه الليلة بالدعاء والتضرع لرب الأرض والسماء وأبدأها بالتضرع والتذلل وتمام العبودية لرب البرية وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والسداد والقبول وألا يُخرج منا إلا ما يرضيه عنافأنا أعلم يقينا أن بستان القرءان مليء بالورد والزهر والرحيق والثمروأعلم أن بحر بلاغته وأسراره زاخر بالعطاءات التي تحتاج إلي غواص ماهريستطيع أن يخوص في أعماق هذه المعاني ليستخرج دررها وأسرارهاليدل الأمة من جديد بكتاب الله العزيز الحميدآن الأوان أن ترجع الامة إلي كتاب ربها سبحانه وتعاليآن الأوام ان تعود البشرية إلي معدن كل فضيلة ومنبع كل خير إلي دستور السعادة وأصل الهدايةآن الأوان أن تعود إلي القرءان فالبشرية تضحك كالمجنون وتهذي كالسكران
وتجري كالمطارد تئن من الألم تبحث عن أي شيء وهي في الحقيقة تملك كل شيء لكنها حين انحرفت عن منهج ربها فقدت كل شيء
أيها الأفاضل....أشهد الله أنني تهيبت كثيرا أن أدخل هذا المحراب المهيب الجليل
وأن أغوص في هذا البحر الزاخر
وأن أطوف في هذا البستان اليانع الماتع
استعنت بالله جل وعلا وواصلت الليل بالنهار تنقلت في بطون الكتب والمجلدات
لعلمائنا الأجلاء ولأئمتنا الفضلاء ولسادتنا النجباء فلا أدعي ورب الكعبة أنني بذلت شيئا من عند نفسي إنما أنا جامع لهذه الزهور فقط وأردد دائما قول القائل
أسير خلف ركب القوم ذا عرج
مؤملا جبر ما لاقيت من عوج
فإن لحقت بهم بعدما سبقوا
فكم لرب السما في الناس من فرج
وأن ظللت بقفر الأرض منقطعا
فما علي أعرج في ذاك من حرج
فالله أسال أن يرزقنا التوفيق والسداد والإخلاص والقبول إنه ولي ذلك ومولاه
مقدمة بين يدي التفسير
أولا مكانة التفسير
العلوم كثيرة العقيدة التاريخ اللغة الصرف الطب الهندسة والكيمياء...الخ
ولكن العلوم وأن تباينت أصولها وشرقت وغربت فصولها وتعددت وتنوعت أشكالها فنحن لا نقلل من قدرها ولا شأنها إلا أن أعلاها قدرا وأغلاها مهرا وأسماها معني وأعظمها مبني وأجلاها بيانا وأحلاها لسانا وأقومها قيلا وأصحها دليلا وأوضحها سبيلا علم التفسيرلكلام الملك القدير فهو شمس ضحاها وبدر دجاها
لأن شرف كل علم بشرف موضوعه وموضوع علم التفسير هو كلام الملك القدير الذي هو معدن كل حكمة ومنبع كل فضيلة وأصل الأصول وطريق الوصول إلي السعادة في الدنيا والآخرة بصحبة الحبيب الرسول صلي الله علي وسلم
تصور لو جاءك كتاب من ملك من ملوك الدنيا والله لوضعته في صدرك وداخل عينيك
فما بالك بكتاب من ملك السماوات والأرض جل جلاله نزل فهو كلام ذو شأن نزل به ملك ذو شأن وهو جبريل علي رسول ذي شأن وهو محمد صلي الله عليه وسلم
هيا نرجع إلي القرءان فهو إما خير تؤمر به أو شر تنهي عنه
وأشهد الله أني قرأت اكثر من أربعين تفسيرا لأجمع لكم هذه السلسلة وأحاول مع جهلي أن أجمع بين هذه التفاسير كلها
وقد وصف علي بن أبي طالب رضي الله عنه القرءان فقال : فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهذل من تركه من جبار قصمه الله ومن
أبتغي الهدي في غيره أذله الله وهو حبل الله المتين والنور المستبين
والذكر الحكيم والصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا يشبع منه
العلماء ولا يخلق من كثرة الرد ولا تنقص عجائبه وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتي قالت : ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴿١﴾ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا )
ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعي اليه هدي إلي صراط مستقيم
(( والحديث رواه
الترمذي وغيره وهو يصح موقوفا علي عليّ ويضعف مرفوعا إلي النبي لأن فيه
الحارث الأعور وهو لين الحديث ومن أهل الجرح والتعديل من اتهمه بالكذب بل
ومن باب الأمانة العلمية أن من أهل العلم من ضعفه حتي مرفوعا لعلي لكن
الأرجح أن هذا الكلام من كلام علي وليس من كلام النبي ))
ثانيا تعريف القرءان
لغة :: مصدر قرأ يقرأ قراءة كما في قول ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴿١٧﴾ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴿١٨﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴿١٩﴾ )
وتفسير الآية
أن جبريل عليه السلام كان ينزل بالقرءان علي قلب النبي فيخشي صلي الله عليه
وسلم أن ينسي ما يقرؤه جبريل من كتاب الملك القدير فيتعجل ويسرع
في التلاوة فأنزل الله الآيات ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) أي في صدرك وهذه هي المرحلة الأولي من مراحل جمع القرءان وسنقف معها إن شاء الله
(وَقُرْآنَهُ) أي لا تخشَ ستقرأه قراءة علي مراد من أنزله عليك
(فَإِذَا قَرَأْنَاهُ) أي جبريل إذا قرأ
(فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) أي فاتبع قراءته
(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) أي تفسيره فما من آيه نزلت إلا ويعلم النبي مراد الله منها
فالمنهج هو
تفسير القرءان بالقرءان فما أجمله القرءان في موضع فسره وبينه في موضع آخر
وما أطلقه في موضع قيده في موضع آخر .....إلي غير ذلك
فإن لم نجد للآية تفسير في القرءان ذهبنا إلي سنة النبي العدنان الذي أنزل الله عليه القرءان
فإن لم نجد للآية تفسير في السنة ذهبنا إلي الصحابة الذين هم أعلم الناس بمراد الله ومراد رسوله لأنهم عاشوا معه نزول القرءان
قال عبد الله
بن مسعود رضي الله عنه : والله ما من آيه في كتاب الله نزلت إلا وأنا أعلم
أين نزلت ومتي نزلت وفيما نزلت ولو أعلم أحدا من أصحاب رسول الله هو أعلم
مني بكتاب الله تبلغه المطايا(أي الإبل) لركبت إليه وهذا من تواضعه رضي
الله عنه
وقال أيضا رضي
الله عنه : من كان مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة
أولائك أصحاب محمد كانوا أفضل هذه الأمة أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها
تكلفا اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم
علي آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم فأنهم كانوا علي الهدي
المستقيم
فإن لم نجد
للآية تفسير في كلام الصحابة عدنا إلي لغة العرب فبها أنزل الله القرءان
ولذي يجب علي من يتصدي لتفسير كلام الملك جل وعلا أن يكون عالما باللغة وأن
يراجع أقوال أهل اللغة
وللغة العربية فضل كبير فهي اللغة التي جعلها الله وعاءا لكتابه (من غير تجسيم للقرءان طبعا)
واكتشف
العلماء أن اللغة العربية لا تفني أبدا كباقي اللغات فكل اللغات تمر بمراحل
عمرية كالإنسان لكن العربية لا تصل أبدا إلي مرحلة الشيخوخة أو الهرم
وعندما أراد
العلماء الروس ترك رسالة تحذيرية عن نفايات نووية لأجيالهم بعد 500 سنة
وصلوا إلي أن يكتبوها بالعربية لأنها باقية لآخر الزمان
اصطلاحا أو شرعا :: هو كلام الله تعالي المنزل علي عبده المصطفي
المعجز بلفظه ومعناه
والمتحدي بأقصر سورة منه
والمتعبد بتلاوته
المنقول إلينا بطريق التواتر
المكتوب في المصاحف من سورة الفاتحة إلي سورة الناس
(التواتر هو مانقله إلينا جمع عن جمع يستحيل تواطؤهم علي الكذب)
ولا يسمي أي كتاب أخر من الكتب السماوية بالقرءان
بل الصحف أنزلت علي إبراهيم
والتوراه أنزلت علي موسي
والإنجيل أنزل علي عيسي
والقرءان أنزل علي محمد عليهم جميعا صلوات الله وتسليمه
يتكون القرءان من 30 جزء
و114 سورة
و6236 آية علي عد الكوفيين
وعلي عد غيرهم 6666
وينقسم إلي 1000 آية أوامر
1000 آية نواهي
1000 آية وعد ,
1000 آية وعيد
1000 آية للقصص والأخبار
1000 آية للعبر والأمثال
, 500 آية للحلال والحرام
100 آية للدعاء
66 آية للناسخ والمنسوخ
ونكمل ما بدأنا إن شاء الله في الحلقة القادمة
وهذا رابط الحلقة لمن أرادها
الحلقه الأولى13/5/2007(تفسيرالقرأن)(متوسطه) لـفضيلة الشيخ محمد حسان - موقع الطريق إلى الله