كيف ندرِّب أطفالنا على عمل الخير في رمضان؟
العمل الخيري بأشكاله المختلفة هو أحد المعالم
الرئيسية لشهر رمضان الكريم، وفي الوقت الذي اعتاد فيه الكبار القيام بمثل هذه
الأعمال فإن الأطفال ما زالوا يتلمَّسون الخُطى علي هذا الطريق، بعد أن شهدت
السنوات الماضية محاولاتٍ حثيثةً من بعض الأباء للأخذ بأيدي أبنائهم للعمل الخيري.
وفي السطور التالية يؤكد العديد من الأباء وخبراء
التربية أن رمضان فرصةٌ ثمينةٌ للغاية لتدريب الأطفال على عمل الخير، وهو الأمر
الذي يمكن أن يكون له في المستقبل أثرٌ كبيرٌ للغاية في صياغة شخصيات هؤلاء الأطفال
بأهم مكونات الشخصية الإسلامية الأصيلة المحبَّة بطبيعتها للخير والتعاون وخدمة
الآخرين.
يقول أحمد السيد (موظف): أحرص على تربية أطفالي على
فعل أعمال الخير في كل وقت، وخاصةً في مواسم الطاعات مثل شهر رمضان؛ ولذلك فأنا أقف
على الطريق وهم برفقتي لنقوم بتوزيع التمر على الصائمين الذين يقدَّر مرورُهم في
الطريق قبيل وبعد أذان المغرب.
وقد لاحظت أن مشاركة أبنائي الصغار معي في القيام
بمثل هذا العمل البسيط كان لها تأثيرٌ كبيرٌ على شخصيتهم؛ لأنه علَّمهم أن يقوموا
بخدمة الأخرين دائمًا إرضاءً لله عز وجل، وقد أصبح قدوم رمضان عندهم مرتبطًا بهذا
العمل البسيط الذي أصبحوا ينتظرونه من عام لآخر، وأكثر ما أسعدني هو أنني وجدت بعض
أقرانهم قد بدأوا خلال الفترة الأخيرة يقلدونهم في هذا العمل.
أما ناجي جودة (مدرس) فيشير إلى أنه يحرص خلال
رمضان من كل عام على أن يشجع ابنه أحمد ذا الـ11 عامًا، على أن يقوم بتوزيع مياه
الشرب على المصلين أثناء فترات الإستراحة التي تتخلل ركعات صلاة القيام، ويضيف: كان
أحمد يشعر بالحرج في بداية الأمر؛ نظرًا لحداثة سنه ولكنني شجعته على القيام بهذا
العمل دونما حرج، وذكَّرته بأن ثوابه عليه عند الله عز وجل سيكون عظيمًا خاصةً في
رمضان، فواصل أداء عمله دونما تردد!! وفي هذا يطالب جودة كل أب بأن يغرس في أبنائه
منذ الصغر فعل الخير وخدمة الآخرين كسبيل لنَيل رضا الله عز وجل؛ وذلك لتخليص
المجتمع من حالة المادية والأنانية المنتشرة اليوم.
تنظيف المسجد
وبدورها تقول ريهام حمزة (ربة منزل): أنا وزوجي
نشجع ولدَيْنا مصطفى وخالد على أن يساهما في نظافة المسجد خاصةً في رمضان، وعامل
المسجد يسعد بذلك كثيرًا، ورغم أن ما يقومان به يعتبر شيئًا بسيطًا للغاية إلا أنه
يربي فيهما منذ الصغر حب المسجد والاعتناء به؛ باعتباره بيت الله في الأرض، وأعتقد
أن هذا الأسلوب سيغيِّر نظرة الطفل للمسجد، ولن تكون هناك شكوى من الأطفال؛ حيث إن
المصلين في الكثير من المساجد يشتكون مُرَّ الشكوى من الأطفال الذين يقوم آباؤهم
باصطحابهم معهم إلى المساجد؛ حيث يقومون بالصياح والشجار مع بعضهم البعض أثناء أداء
المصلين للصلاة، وهو ما يقلل من خشوعهم، وهذا الأمر يمكن مواجهته بإعلاء قيمة
المسجد وأهمية الحفاظ عليه من قبل الطفل، وذلك من خلال تدريبه منذ الصغر على
المساهمة حتى لو كانت بشكل رمزي في نظافة المسجد.
توزيع التمر
وعن ملاحظاته في رمضان يقول محمد السيد (ليسانس
آداب): ألاحظ في رمضان أن عددًا كبيرًا من الأطفال يتوافدون على المسجد؛ ولذلك
أنصحهم بأن يشاركوا مع أخي الصغير الطالب بالصف الخامس الابتدائي في توزيع التمر
على المصلين الذين يأتون لصلاة المغرب بالمسجد، وهو الأمر الذي يترك أثرًا كبيرًا
في نفوس الصغار الذين يشعرون أنهم يقومون بعمل كبير عند الله عز وجل، خاصةً في ظل
الأحاديث التي يسمعونها عن فضل إفطار الصائم.
وبرؤية عميقة يقول ربيع محمد (إمام وخطيب): أحرص
على أن أرى الأطفال وهم يقومون بأعمال الخير في رمضان؛ لأنَّ هذا يعتبر مظهرًا
إسلاميًّا يجب أن نحافظ عليه في ظل حالة التفكك الاجتماعي التي تسود الدول الغربية،
والتي بدأت تتسرب إلينا بشكل جزئي؛ ولذلك فإن رمضان كما هو موسم لتحسين الحسنات
والتقرب إلى الله عز وجل بالنسبة للكبار فإنه أيضًا يجب أن يكون مرتكزًا لتربية
الأبناء وتوجيههم توجيهًا إسلاميًّا صحيحًا؛ ولذلك فنحن نحرص في رمضان على أن يكون
للأطفال دورٌ كبيرٌ؛ ولذلك فإنهم يقومون في العشر الأواخر منه بدور أساسي في إحضار
الطعام للمعتكفين بالمسجد.
خدمة عامة
أما زينب عبد الحميد (ربة منزل) فتقول إنها تدعم
قيام أبنائها بالمساهمة في تنظيف الشارع الذي يقطنونه خلال شهر رمضان، وهو الأمر
الذي جذب أغلب أطفال الجيران الذين أصبحوا يقومون معًا بهذه المهمة، وهو الأمر الذي
قلل من نسبة التلوث التي كانت موجودةً من قبل في المنطقة، وذلك بفضل حرص الأطفال
على نظافته، على اعتبار أنهم يعتبرون ذلك مهمتهم الرئيسية خلال هذا الشهر المبارك.
ويحكي عادل إبراهيم عن دور الأطفال في مساعدة
المحتاجين في رمضان فيقول: إن الأطفال لدينا اعتادوا في رمضان أن يقوموا بإيصال
الطعام الجاهز لبيوت الفقراء والمحتاجين، ولكن نظرًا لأن هذا الأمر يعتبر ماسًّا
إلى حد ما بمشاعرهم فإننا ارتأينا أن يشارك الأطفال في توزيع شنطة رمضان، وبالفعل
هم اليوم يشاركون في توزيع شنطة رمضان التي تتكون من السكر والأرز والمكرونة وغيرها
من المواد الغذائية، ولكن بشرط أن يقوموا بهذا العمل ليلاً للحفاظ على مشاعر
الفقراء الذين لا يرغبون في أن يراهم أحد، وهم يحصلون على هذه الأشياء.
أما عبد الجواد السيد فيقول إن رمضان هو شهر
التكافل والرحمة؛ ولذلك فإنني أغرس هذه القيمة في نفوس أبنائي، فأشجعهم على التبرع
بجزء من مصروفهم اليومي لكفالة الأطفال الأيتام وشراء ملابس العيد لهم، وأحرص أشد
الحرص على ألا يعرف أطفالي أسماء هؤلاء الأطفال الذين تذهب أموالهم إليهم؛ وذلك حتى
لا يجرحوهم أو يفضحونهم في حالة ما إذا حدث أي نوع من الخلاف فيما بينهم نتيجةً
لطبيعة الأطفال.
وعن المشاركة حتى اللحظات الأخيرة من رمضان يقول
جمال جاد (موظف): الأطفال في نهاية رمضان يشاركون في تهيئة المكان الذي تؤدَّى فيه
صلاة العيد؛ حتى إن بعضهم يظل مستيقظًا طوال الليل لأداء هذه المهمة.
حب الخير
وترى الدكتورة نادية يوسف كمال (أستاذ أصول التربية
بكلية البنات بجامعة عين شمس) إن شهر رمضان يعتبر موسمًا للطاعات وعمل الخير؛ ولذلك
يجب أن نستفيد منه بأقصى قدر ممكن، خاصةً في تكوين شخصيات أطفالنا وطبعهم منذ الصغر
على إفادة المجتمع وخدمة الأخرين، من خلال المشاركة الفاعلة في عمل الخير، وهذا
الدور يجب أن يشارك في القيام به كافة المؤسسات الاجتماعية من آباء وأمهات ومدرسة؛
حيث يمكن أن تنظم المدرسة في رمضان زيارةً لعدد من ملاجئ الأيتام ليزور التلاميذ
هؤلاء الأطفال الذين حُرموا من جوِّ الأسرة، ويتفاعلوا معهم ويشاركوا في إدخال
السرور على قلوبهم، أو أن يتبرع الطلاب في المدرسة بجزء من مصروفهم اليومي خلال شهر
رمضان من أجل المساهمة في إقامة إفطار جماعي للأطفال الأيتام.
وتشير الدكتورة نادية يوسف إلى أن اعتياد الأطفال
على المساهمة في أعمال الخير منذ الصغر يكون له انعكاس إيجابي كبير بعد ذلك على
شخصيتهم؛ حيث يكبرون على حب الخير ومساعدة الآخرين، وهو ما يجنِّبهم الكثير من
الأمراض الاجتماعية المنتشرة في المجتمع اليوم نتيجة الإعلاء من قيمة المادة،
والخلاصة أن تدريب الأطفال على عمل الخير منذ الصغر هو أحد أهم وسائل تكوين الشخصية
السوية القادرة على خدمة مجتمعها.
تدريب على الخير
ويَعتبر الدكتور حامد زهران (أستاذ علم النفس
التعليمي بجامعة عين شمس) أن مرحلة الطفولة من أهم مراحل العمر فيقول: لا بد من
تنمية نشاط الأطفال الخلقي والعقلي والبدني بكافة الصور الممكنة؛ ولذا فإن هناك
دورًا كبيرًا يجب أن تقوم به الأسرة والمؤسسات الخيرية الموجودة في المجتمع في إطار
تشجيع الأطفال على المساهمة في أعمال الخير العديدة التي تشهد تزايدًا ملحوظًا في
هذا الشهر المبارك، وذلك في إطار تربية حب التعاون لدى الأطفال.
ويكمل الدكتور حامد زهران حديثه قائلاً: إن هناك
أعدادًا كبيرةً من الأطفال في مصر، وهؤلاء جميعًا يُعتبرون الرصيد الأساسي الذي
نملكه في المستقبل؛ ولذلك يجب أن نهتم بهم اهتمامًا بالغًا، كما يجب أن نوظِّف
الإمكانيات والقدرات العديدة التي يمتلكونها في هذه الفترة، خاصةً أنه إذا لم
توظَّف قدرات الطفل منذ وقت مبكر في عمل الخير فإنه قد يلجأ لاستغلالها فيما قد يضر
ولا ينفع؛ ولذلك فإن المؤسسات التربوية.. من إعلام ومدارس ومساجد.. يجب أن يكون لها
دورها في تربية الأطفال بشكل سليم من خلال تعويدهم على القيام بالأعمال الخيرية.
ويضيف الدكتور حامد: أن المناخ الإيجابي العام الذي
يسود رمضان والذي يرتبط بارتفاع المستوى الإيماني والتعبدي لدى الناس يساعد على
تدريب الأطفال على القيام بمثل هذه الأعمال، ويشدد زهران على أن المؤسسة التعليمية
عليها مسئوليةٌ كبيرةٌ في تدريب الأطفال على القيام بأعمال الخير، فقد يكون الأبوان
غير متعلمين أو غير مدركَين لأهمية المرحلة السنية التي يعيشها ابنهما؛ ولذلك فإنه
يجب على المعلم أن يدرب الطالب على القيام بمثل هذه الأعمال، وذلك بعد أن يحدثه
بشكل مستفيض عن أهميتها والثواب الذي سيحصل عليه من الله عز وجل عندما يقوم بها.
الموضوع : كيف ندرِّب أطفالنا على عمل الخير في رمضان؟ المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: أم حبيبة