كتبه/ عبد المعطي عبد الغني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن شهر رمضان ربيعُ السَّنة، وغُرة الشهور، ودُرة الأيام؛ فيا له من ضيف كريم، يغيب عنا أحدَ عشر شهرًا، ويبقى فينا أيامًا معدودات.
واشوقاه إلى رؤية هلاله!
واشوقاه إلى صوم نهاره!
واشوقاه إلى قيام ليله!
واشوقاه إلى جناته التي فُتِّحت! واشوقاه إلى حسناته التي ضوعفت!
واشوقاه إلى ليله الذي أسرجت فيه المصابيح! واشوقاه إلى صلاة التراوايح!
واشوقاه إلى ليلة القدر!
فيا
أيها المشتاق ادع الله أن يبلغك الشهر؛ فمَن بلَّغه الله -سبحانه وتعالى-
الشهر فقد مَنَّ عليه بنعمة عظيمة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:
كَانَ رَجُلانِ مِنْ بَلِيٍّ حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ أَسْلَمَا مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا،
وَأُخِّرَ الآخَرُ سَنَةً، قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: فَأُرِيتُ
الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا، أُدْخِلَ قَبْلَ
الشَّهِيدِ، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَأَصْبَحْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَوْ ذُكِرَ ذَلِكَ
لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وَصَلَّى سِتَّةَ آلافِ رَكْعَةٍ، أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلاةَ السَّنَةِ؟) (رواه أحمد، وقال الألباني: حسن صحيح).
ويا
أيها المشتاق، قم واستعد لاستقبال الضيف؛ فما بقي من الأيام لا يكفيك، فقد
كان سلفنا الصالح يستقبلونه بستة أشهر، يدعون الله أن يبلغهم إياه، وهم
على ما كانوا عليه من الاستقامة، فما بقي لا يكفي مثلي ومثلك؛ ممن طالت
غفلته، وغلبته شهوته، وغره شيطانه، وألهته دنياه!
وسوف أضع بين يديك خطوات عملية عساها تحقق لك المقصود، وتصل بك إلى أملك المنشود:
1- اغسل قلبك بدموع التوبة، وبَرد الخشية، وثلج الإنابة، ونقه من آثار الذنوب كما تنقي ثوبك من القذر.
عجيب شأني وشأنك، نرى الغبار على ثيابنا؛ فنبذل الوسع في تطهيرها، ونعمى عن مثل القار في قلوبنا.
2- تذكر ذنوبك بعد رمضان الماضي، وهَبْ كل ذنب منها حجر، اجمع الآن حجارتك، واحملها... هل تستطيع؟! (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ) (العنكبوت:13).
ألق ذنوبك بدمع الندم، وأغرقها في بحر (قُلْ
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا
مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53).
3-
إذا كانت هذه هي أيام الزرع؛ فطهر تربة قلبك من الشرك والنفاق، والرياء،
والعجب، والحسد، والحقد، وآثار الذنوب؛ فأنى يرجى لبذر فلاح والتربة مليئة
بالمهلكات (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31).
حَدِّث نفسك: "لئن أشهدني الله الشهر لأصومن صيام مودع".
أتذكر إخوانك الذين صاموا معك العام الماضي؟!
لقد عاجلهم الموت، فأعيانهم مفقودة، وأماكنهم في مساجدهم خالية، وسيأتي رمضان ولن يجدهم، ولا ضمان لك؛ فاصدق في عزمك (فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) (محمد:21).
(مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا
بَدَّلُوا تَبْدِيلا) (الأحزاب:23)، لقد نزلت في أنس بن النضر لما قال: "لئن أشهدني الله مشهدًا آخر ليرين الله ما أصنع"!
5- ارفع همتك في العمل الصالح؛ فأحكم الفرائض، وأكثر من النوافل، وقم الليل، ورتل القرآن، وأنفق وتصدق، وتعلم وعلِّم، وانصح وذكِّر.
كان
أبو مسلم الخولاني قد علق سوطًا في مسجد بيته، يؤدب به نفسه، وكان إذا
فترت رجله عن القيام يضربها بالسوط، وهو يقول: "قومي.. فوالله لأزحفن بك
زحفًا، حتى يكون الكَل منك لا مني"! ويقوم قائلاً: "أيظن أصحاب محمد أن
يستأثروا به دوننا؟! كلا.. والله لنزاحمهم عليه حتى يعلموا أنهم خلفوا
وراءهم رجالاً"!
6-
روِّض حواسك على طاعة الله -تعالى-؛ فدرب عينيك على النظر في الكتاب
المنظور: "الكون"، وفي الكتاب المقروء: "القرآن"، ودرِّب سمعك على سماع
الحق، ودرب يديك على البذل والفدى، وعوِّد لسانك الذكر، وكف جوارحك عن
المعاصي (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) (الإسراء:36).
7-
اقطع الشواغل عن قلبك في رمضان؛ بقضاء حوائج النفس والأهل قبله؛ حتى لا
يضيع عليك وقته الثمين في الشوارع والطرقات ووسائل المواصلات بلا ضرورة.
8-
اجلس بين يدي كِتاب أو بين رُكَب مُرَبٍّ؛ لتتعلم أحكام الصيام وآدابه،
فمن وجب عليه شيء وجب عليه أن يتعلمه، ولو كانت درجة علمية أو وظيفة مرموقة
لا تنالها إلا بتعلم اللغات الأجنبية أو بدورات على الحاسوب لفعلت.
9-
حدِّد أهدافك في رمضان؛ فمن حدد أهدافه وخطط لها وسعى في تحقيقها يوشك أن
يحققها كلها أو قدرًا كبيرًا منها، فما أهدافك الرمضانية؟
أمسك قلمك، وسجل هذه الأهداف، واسأل نفسك: كيف تحققها؟ وما الوسائل الموصلة إليها؟
10-
أنتَ في شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله؛ فأكثر من الصيام تدريبًا لنفسك،
وليكن صومك قبل رمضان برهانًا على محبتك للصيام، ورغبتك فيه؛ ففي مسند
الإمام أحمد عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: لَمْ أَرَكَ تَصُومُ
شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: (ذَلِكَ
شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ
تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ
يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) (رواه أحمد والنسائي، وحسنه الألباني).
أيها المشتاق.. إن اكتحلت عيناك برؤية هلال رمضان؛ فقد صرتَ ومَنْ وجب عليه الصوم على خط سباق آخره (إِنَّ
فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ
الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ
يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ فَإِذَا دَخَلَ
آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) (متفق عليه).
فأي الناس إلى الباب أسبق، وأيهما دونه الباب سيغلق؟
اللهم بلغنا رمضان، وأدخلنا الجنة من باب الريان.
الموضوع : واشوقاه إلى رمضان! المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ام ابراهيم