ما معنى مغبون في قوله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناسالصحة والفراغ .)
فللعلماء في ذلك أقوال ولعلها تجتمع في أن الذي أنعمعليه بالصحة والفراغ وهما رأس المال ولم يقم بشكرها بإستغلالهما في العمل الصالحفقد خسر وغبن
فإن الغبن في البيع أن يزاد على المشتري زيادة فاحشة فيخسر مالايدفعه للبائع أكثر بكثير مما تستحقه السلعة فإذا علم سعر السوق وأنه غش في البيعفله خيار الغبنفغبنه لنفسه التي أمكنها العمل لإنعام الله عليه بالصحة والفراغفهي خسارتها وبذلهما فيما لا فائدة فيه من الكسل واللهو واللعب بدل شكرهما بالعملالصالح واستغلال الأوقات للتفقه في الدين والذكر. فلا يرتفع في درجات الجنة بل قديسخرهما في المحرمات فتكون له ذخرا إلى النار وذلك الغبن المبين 0وأماأقوال أهل العلم في ذلك فمانقله الحافظ بن حجر في الفتح :
قَالَ اِبْنبَطَّال : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الْمَرْء لَا يَكُون فَارِغًا حَتَّى يَكُونمَكْفِيًّا صَحِيح الْبَدَن فَمَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ فَلْيَحْرِصْ عَلَى أَنْ لَايَغْبِن بِأَنْ يَتْرُك شُكْر اللَّه عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ ,
وَمِنْشُكْره اِمْتِثَال أَوَامِره وَاجْتِنَاب نَوَاهِيه , فَمَنْ فَرَّطَ فِي ذَلِكَفَهُوَ الْمَغْبُون .
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ " كَثِير مِنْ النَّاس " إِلَى أَنَّالَّذِي يُوَفَّق لِذَلِكَ قَلِيل .
وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : قَدْ يَكُونالْإِنْسَان صَحِيحًا وَلَا يَكُون مُتَفَرِّغًا لِشُغْلِهِ بِالْمَعَاشِ , وَقَدْيَكُون مُسْتَغْنِيًا وَلَا يَكُون صَحِيحًا , فَإِذَا اِجْتَمَعَا فَغَلَبَعَلَيْهِ الْكَسَل عَنْ الطَّاعَة فَهُوَ الْمَغْبُون ,
وَتَمَام ذَلِكَ أَنَّالدُّنْيَا مَزْرَعَة الْآخِرَة , وَفِيهَا التِّجَارَة الَّتِي يَظْهَر رِبْحهَافِي الْآخِرَة ,
فَمَنْ اِسْتَعْمَلَ فَرَاغه وَصِحَّته فِي طَاعَة اللَّه فَهُوَالْمَغْبُوط ,وَمَنْ اِسْتَعْمَلَهُمَا فِي مَعْصِيَة اللَّه فَهُوَ الْمَغْبُون
, لِأَنَّ الْفَرَاغ يَعْقُبهُ الشُّغْل وَالصِّحَّة يَعْقُبهَا السَّقَم , وَلَوْلَمْ يَكُنْ إِلَّا الْهَرَم كَمَا قِيلَ : يَسُرّ الْفَتَى طُول السَّلَامَةوَالْبَقَا فَكَيْف تَرَى طُول السَّلَامَة يَفْعَل يَرُدّ الْفَتَى بَعْداِعْتِدَال وَصِحَّة يَنُوء إِذَا رَامَ الْقِيَام وَيُحْمَل
وَقَالَ الطِّيبِيُّ : ضَرَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُكَلَّفِ مَثَلًابِالتَّاجِرِ الَّذِي لَهُ رَأْس مَال , فَهُوَ يَبْتَغِي الرِّبْح مَعَ سَلَامَةرَأْس الْمَال , فَطَرِيقه فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَحَرَّى فِيمَنْ يُعَامِلهُوَيَلْزَم الصِّدْق وَالْحِذْق لِئَلَّا يُغْبَن , فَالصِّحَّة وَالْفَرَاغ رَأْسالْمَال ,
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَامِل اللَّه بِالْإِيمَانِ , وَمُجَاهَدَةالنَّفْس وَعَدُوّ الدِّين , لِيَرْبَح خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَقَرِيبمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى ( هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى تِجَارَة تُنْجِيكُمْ مِنْعَذَاب أَلِيم ) الْآيَات .
وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِب مُطَاوَعَة النَّفْسوَمُعَامَلَة الشَّيْطَان لِئَلَّا يُضَيِّع رَأْس مَاله مَعَ الرِّبْح .
وَقَوْلهفِي الْحَدِيث " مَغْبُون فِيهِمَا كَثِير مِنْ النَّاس " كَقَوْلِهِ تَعَالَى(وَقَلِيل مِنْ عِبَادِي الشَّكُور ) فَالْكَثِير فِي الْحَدِيث فِي مُقَابَلَةالْقَلِيل فِي الْآيَة .
وَأَمَّا الْحَيَاة وَالصِّحَّة فَإِنَّهُمَا نِعْمَةدُنْيَوِيَّة , وَلَا تَكُون نِعْمَة حَقِيقَة إِلَّا إِذَا صَاحَبَتْ الْإِيمَانوَحِينَئِذٍ يُغْبَن فِيهَا كَثِير مِنْ النَّاس أَيْ يَذْهَب رِبْحهمْ أَوْيَنْقُص ,
فَمَنْ اِسْتَرْسَلَ مَعَ نَفْسه الْأَمَّارَة بِالسُّوءِ الْخَالِدَةإِلَى الرَّاحَة فَتَرَكَ الْمُحَافَظَة عَلَى الْحُدُود وَالْمُوَاظَبَة عَلَىالطَّاعَة فَقَدْ غُبِنَ , وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فَارِغًا فَإِنَّ الْمَشْغُولقَدْ يَكُون لَهُ مَعْذِرَة بِخِلَافِ الْفَارِغ فَإِنَّهُ يَرْتَفِع عَنْهُالْمَعْذِرَة وَتَقُوم عَلَيْهِ الْحُجَّة .
__________________
ماهر بن ظافر القحطاني
الموضوع : ما معنى مغبون في قوله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ .) 0 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ام ابراهيم