السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
فضيلة الشيخ حفظكم الله
.
قال تعالى : ( وأما السائل فلا تنهر ) .
فهل يدخل في هذا ( المتسولين ) عن الإشارات المرورية
؟
فأحوال الناس - التي رأيتها - معهم
كالتالي :
1/ معرض عنهم ولا يلتفت إليهم ألبتة
كأنه متكبر .
2/ يمد أصبعه كالشهادتين إلى أعلى ،
بمعنى السؤال هو من الله تعالى وهو المعطي الرازق
.
3/ من يعطيهم ما يفتح الله عليه به
.
السؤال : هل الحالة الأولى ، والثانية
يدخل أصحابها في النهي من الآية الكريمة ( وأما السائل فلا تنهر ) ؟ وما هو معناها
؟ وما هو الواجب في التعامل مع المتسولين من هذه النوعية ؟ لأن الواحد منَّا يخشى
إيذاء أمثال هؤلاء الفقراء حين يأتون إليه عند نافذة السيارة يطلبون الإعانة
.
الجواب
اختُلِف في
تفسير آية الضحى
( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ )
فقال ابن الجوزي :
( وَأَمَّا السَّائِلَ ) ففيه قولان
:
أحدهما : سائل البِرّ ، قاله الجمهور ، والمعنى إذا جاءك السائل
فإما أن تعطيه وإما أن تردّه ردّاً ليّنا ، ومعنى فلا تنهر : لا تنهره يقال نهره
وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره .
والثاني
: أنه طالب العلم . اهـ
.
وأما من يسأل الناس تكثّراً فلهم أن يردّوه
وعلامة السائل الذي يسأل الناس تكثّراً أنه لا يقبل اليسير ! ولا يقبل
الطعام بل لا يُريد سوى الدراهم !
ولو عرضت على سائل طعاماً من أطيب
الطّعام ما أخذه ، وهذا دليل على أنه ليس بمحتاج
.
وقد ثبت أن بضعهم أو كثيراً منهم يسأل الناس تكثّراً ، بل بعضهم يُمثّل
دور عاجز أو مُقعد – نسأل الله السلامة والعافية – ليأخذ أموال الناس
.
وحدثني غير واحد ممن أثق بهم عن مثل ذلك
.
أما الأول : فهو يُمثّل دور أعمى ، فقام يسأل الناس في المسجد ، وطفل
يُمسك بيده ! ثم تفاجأ به في السوق وهو الذي يقود الطفل
!
وأما الثاني : فهو قد قعد على عربة المعوقين ، فجاءه موظف مكافحة
التّسوّل ، وقال له : فلان ! ( باسمه ) قُـم !
قال : كيف أقوم وأنا مُعوّق
؟!
قال : قُـم !
فشدّه وجبذه بيده فقام معه يمشي
!
وهؤلاء الذين يتسوّلون عند الإشارات أكثرهم أطفال يُتاجر بهم ذويهم ،
وتعويد الأطفال على سؤال الناس أمر لا يليق ولا يجوز ؛ لأن النفس على ما تعوّدت
عليه .
ولردّ السائل في مثل هذه الحال أصل ،
وهو أن القوي المكتسب لا حظّ له في الصدقة
.
فقد روى مسلم من حديث قبيصة بن مخارق الهلالي قال : تحمّلت حَمالة فأتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها ، فقال : أقم حتى تأتينا الصدقة ، فنأمر
لك بها . قال : ثم قال : يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمّل
حَمالة فحلّت له المسألة حتى يصيبها ، ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت مالَه
فحلّت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال سدادا من عيش - ، ورجل أصابته
فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوى الحجا من قومه : لقد أصابت فلانا فاقة ، فحلّت له
المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال سدادا من عيش - فما سواهن من المسألة يا
قبيصة سُحتا يأكلها صاحبها سحتا .
وعند الإمام أحمد وأبي داود والنسائي من
حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين حدثاه أنهما أتيا رسول الله صلى الله
عليه وسلم يسألانه من الصدقة ، فقلّب فيهما البَصَر ، فرآهما جلدين فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : إن شئتما أعطيتكما ، ولا حظّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب
.
وأرى إغلاق باب المسألة عند إشارات المرور وفي الطرقات حماية لهم أولاً
من أيدي العابثين - فإنك ترى أحيانا بُنيّات يتسوّلن عند إشارات المرور ، وفي
الطّرقات – وحماية لهم من حوادث الطّرُق .
وحماية لأنفسهم من الامتهان
.
ومنع السُّـؤال في المساجد والجوامع له
أصل
فقد كان عكرمة إذا رأى السُّـؤال يوم
الجمعة سبّهم ويقول : كان ابن عباس يسبهم ويقول : لا تشهدون جمعة ولا عيدا إلا
للمسألة والأذى ، وإذا كانت رغبة الناس إلى الله كانت رغبتهم إلى الناس .
وعقّب عليه الإمام الذهبي بقوله :
قلت : فكيف إذا انضاف إلى ذلك غِنىً ما
عن السؤال ، وقوة على التكسب .
وقد جاء في ترجمة ابن جرير الطبري رحمه
الله أن المكتفي أراد أن يحبس وقفاً تجتمع عليه أقاويل العلماء ، فأُحضِر له ابن
جرير ، فأملى عليهم كتابا لذلك ، فأُخرِجت له جائزة ، فامتنع من قبولها ، فقيل له :
لا بد من قضاء حاجة . قال : أسأل أمير المؤمنين أن يمنع السُّـؤال
يوم الجمعة ، ففعل ذلك .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
عن السؤال في الجامع : هل هو حلال أم حرام أو مكروه ؟ وأن
تركه أوجب من فعله ؟
فأجاب رحمه الله :
الحمد لله أصل السؤال محرم في المسجد وخارج المسجد إلا
لضرورة ، فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذِ أحدا بتخطيه رقاب الناس
ولا غير تخطيه ، ولم يكذب فيما يرويه ويَذكُر من حاله ، ولم يجهر جهرا يضرّ الناس ،
مثل أن يسأل والخطيب يخطب ، أو وهم يسمعون علما يشغلهم به ، ونحو ذلك ؛ جاز ، والله
أعلم . اهـ .
وكثير ممن يقف اليوم ويسأل الناس في
المساجد يرتكب هذه المحظورات :
فيسأل من غير ضرورة
ويؤذي المصلِّين ، وربما كان كالذي يُلقي موعظة
!
ويتظاهر بعضهم بالمرض أو بالعاهة ، أو يحمل معه من يستدر به عطف الناس ،
وربما كان مُسِنّـاً أو طفلا مستأجرا لهذا الغرض
.
والله تعالى أعلى وأعلم .
الموضوع : ما حُـكم الإعراض عن المتسولِّين عند إشارات المرور أو في المساجِد ؟ المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: أبوعلي