فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ . فهذه الآيات والأحاديث تبين مدى حرص الشيطان على إغواء بني آدم ، وصدهم عن
عبادة ربهم ، وذلك عن طريق الوساوس التي يلقيها في صدورهم . وبينت طريق النجاة من هذه الوساوس الشيطانية . وقد يصل الحال ببعض الناس أنه يشك في كل
عبادة يقوم بها ، هل فعلها أم لا ؟ وليس البحث الآن في ذم هذا ، وإنما البحث : هل يثاب المرء على مجاهدته الشيطان وإعراضه عن هذه الوساوس أم لا ؟ لم يُرَ في مظان البحث كلام صريح للعلماء في هذا الموضوع ، ولكن يفهم من كلام الشيخين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله أنه يثاب على ذلك ، وهو ما يفهم من النصوص المتقدمة كما سيأتي . ففي الحديث الأول : وهو سؤال الصحابة النبي عن الوسواس الذي يجدونه في صدورهم فقال ( ذاك صريح الإيمان ) قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى 7/282 ) : أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان كالمجاهد الذي جاءه
العدو فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد ، و الصريح الخالص كاللبن الصريح وإنما صار صريحا لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها فخلص الإيمان فصار صريحا اهـ وقال أيضاً : مجموع الفتاوى 14 / 108 وهذه الوسوسة هي مما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان فإذا كرهه العبد و نفاه كانت كراهته صريح الإيمان اهـ وقل أيضاً : مجموع الفتاوى 22 / 608 قال كثير من العلماء : فكراهة ذلك وبغضه وفرار القلب منه هو صريح الإيمان والحمد لله الذي كان غاية كيد الشيطان الوسوسة ، فإن شيطان الجن إذا غُلِبَ
وسوس ، وشيطان الإنس إذا غُلِبَ كَذَبَ . والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره لابد له من ذلك فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ولا يضجر فانه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا اهـ وقال في درء التعارض 3 / 318 وهذا الوسواس يزول بالاستعاذة وانتهاء العبد وأن يقول إذا قال لم تغسل وجهك : بلى قد غسلت وجهي . وإذا خطر له أنه لم ينو ولم يكبر يقول بقلبه : بلى قد نويت وكبرت . فيثبت على الحق ويدفع ما يعارضه من الوسواس ، فيرى الشيطان قوته وثباته على الحق فيندفع عنه ، وإلا فمتى رآه قابلا للشكوك والشبهات مستجيبا إلى الوساوس والخطرات أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه وصار قلبه موردا لما توحيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول وانتقل من ذلك إلى غيره إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة اهـ وعلى هذا يمكن أن يقال : يثاب المرء على إعراضه عن هذه الوساوس ومجاهدته للشيطان لأمور : 1- مدح النبي كراهة هذه الوسوسة المتعلقة بالتشكيك في العقيدة بقوله : (ذاك صريح الإيمان) . ومن لوازم كراهة هذه الوسوسة الإعراض عنا ، وعدم الاسترسال معها. 2- امتثال أمر النبي ( ولينته ) . 3- قوله في سجدتي السهو : ( كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ ) ففيه الحث على ترغيم الشيطان وإذلاله ، وترغيمه هنا إنما هو بالإعراض عن هذه الوساوس وعدم الالتفات إليها مع ما أرشد الله ورسوله إليه من الاستعاذة بالله من الشيطان وغير ذلك . 4- ما يصيب المؤمن من ضيقٍ وهمٍّ من هذه الوساوس قد يدخل في قول النبي : (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ ) البخاري (5642) ومسلم (2573) . 5- كذلك قول شيخ الإسلام رحمه الله (كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد) . فتشبيهه ذلك بالمجاهد ووصفه بأنه أعظم الجهاد يؤخذ منه أنه يثاب عليه . والله تعالى أعلم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .