صناعة المعروف عند السلف
كان السلف رحمهم الله أسرع الناس في صناعة المعروف وبذله:
ومن ذلك ما ذكر من إنفاق الصديق
وعثمان والزبير وأمهات المؤمنين وعبد الرحمن بن عوف، وغيرهم، وهذا يطول
ذكره.
ومنه
أيضاً صنيع أبي بكر الصديق حين ولي الخلافة ، فكان في كل يوم يأتي بيتاً
في عوالي المدينة تسكنه عجوز عمياء، فينضج لها طعامها، ويكنس لها بيتها،
وهي لا تعلم من هو، فكان يستبق وعمر بن الـخطاب إلى خدمتها.[أُسد الغابة 3/327]
ولما ولي عمر الخلافة خرج يتحسس
أخبار المسلمين، فوجد أرملة وأيتاماً عندها يبكون، يتضاغون من الجوع، فلم
يلبث أن غدا إلى بيت مال المسلمين، فحمل وقر طعام على ظهره وانطلق فأنضج
لهم طعامهم، فما زال بهم حتى أكلوا وضحكوا .
[الرياض النضرة1/385]
ومن صناعة المعروف أيضاً ماذكر عن
علي زين العابدين، فقد كان أناس من أهل المدينة، لايدرون من أين معايشهم،
فلما مات فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتون بالليل.
ولما غسلوه رحمه الله وجدوا بظهره
أثراً مما كان ينقله بالليل إلى بيوت الأرامل.[سير
أعلام النبلاء4/393]
وهذا عبد الله بن المبارك كان ينفق
من ماله على الفقهاء، وكان من أراد الحج من أهل مرو إنما يحج من نفقة ابن
المبارك، كما كان يؤدي عن المديون دينه ويشترط على الدائن أن لا يخبر مدينه
باسمه[سير أعلام النبلاء8/386]
ثمرات صناعة المعروف
1- صرف البلاء وسوء القضاء في
الدنيا
عن
أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((من يسر
على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة))
[ابن ماجه ح2417]
ولما عرض جبريل للنبي صلى الله
عليه وسلم في غار حراء رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل
على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: (( زملوني
زملوني )) فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة: (كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل
وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب) .[البخاري ح4، مسلم
ح160]
وقال
صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو أمامة ((صنائع
المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب)) [رواه
الطبراني في معجمه الكبير ح8014، وقال الهيثمي: إسناده حسن 3/115]
2- دخول الجنة
وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إن أهل
المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وإن أول أهل الجنة دخولاً أهل
المعروف))
[رواه الطبراني في الكبير ح8015]
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: ((لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في
شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)) [مسلم ح1914]
3- مغفرة الذنوب والنجاة من عذاب
وأهوال الآخرة
عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا:
أعملت من الخير شيئاً؟ قال: لا. قالوا: تذكر ،قال: كنت أداين الناس فآمر
فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا عن الموسر، قال: قال الله: عز وجل تجوزوا
عنه))
وفي رواية عند مسلم ((فقال
الله أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي )) [مسلم ح1560، البخاري
ح2077]
عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا رجل بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها
فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا
الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، فسقى الكلب
فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجراً؟
فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر)) [البخاري ح2466، مسلم2244]
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما رجل يمشي
بطريق وجد غصن شوك على الطريق، فأخذه، فشكر الله له فغفر له))
[البخاري ح2471، مسلم ح1914]
آداب صناعة المعروف
ولصناعة المعروف آداب، يتعلق بعضها
بالصانع ، وبعضها بالمصنوع له.
ومن الآداب المتعلقة بمن صنع له
المعروف:
1- شكر الله عز وجل أولاً،
إذ هو المنعم الحقيقي، فهو أولى بالحمد من كل أحد، قال الله {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون}[النحل:83]قال
عون بن عبد الله : إنكارهم إياها : أن يقول الرجل: لولا فلان أصابني كذا
وكذا، ولولا فلان لم أصب كذا وكذا.[الدر
المنثور 5/155]
وقد أسدي إلى بعض السلف معروف، فشكر الله ، ثم عاد إلى
صاحبه في اليوم الثاني فشكره على معروفه، وقال: استحييت
من الله أن أضيف شكرك إلى شكره.
2-
شكر صاحب المعروف فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من لا يشكر الناس لا يشكر الله )) [الترمذي ح1945،
أبو داود ح4811، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح]
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ((من استعاذ بالله فأعيذوه ومن
سألكم بالله فأعطوه ومن استجار بالله فأجيروه ومن آتى إليكم معروفاً
فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه))
[النسائي ح2567، أبو داود ح5109]
وعن أسامة بن زيد قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم
((من صنع
إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ
في الثناء))
[الترمذي ح2035]
قال المكي بن إبراهيم كنا عند ابن جريج المكي فجاء
سائل فسأله فقال ابن جريج لخازنه: أعطه ديناراً فقال: ما عندي إلا دينار،
إن أعطيته جعت وعيالك، قال: فغضب وقال: أعطه.
قال المكي: فنحن عند ابن جريج إذ
جاءه رجل بكتاب وصرة، وقد بعث إليه بعض إخوانه، وفي الكتاب إني قد بعثت
خمسين ديناراً قال: فحل ابن جريج الصرة فعدها، فإذا هي أحد وخمسون ديناراً،
قال: فقال ابن جريج لخازنه: قد أعطيت واحداً فرده الله عليك وزادك خمسين
ديناراً [ذكره الترمذي عقب الحديث السابق]
3-
أن يقبل المعروف الذي أسدي إليه، فعن خالد بن عدي الجهني قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من بلغه معروف عن
أخيه من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده، فإنما هو رزق ساقه الله
عز وجل إليه ))[أحمد ح17477]
ومن الآداب المتعلقة بصانع
المعروف:
1- إخلاصه وإسراره بالعمل
وعدم انتظار العوض من الناس، قال تعالى{إنما نطعمكم
لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً}[الإنسان:9]
وهذا عدي بن حاتم لما سأل النبي
صلى الله عليه وسلم عن المعروف والخير الذي كان يصنعه أبوه في الجاهلية
ابتغاء المدح والذكر الحسن، فقال صلى الله عليه وسلم (( إن أباك أراد شيئاً فأدركه )) [أحمد ح1888] أي
الأجر من الناس بالثناء.
وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال ((من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له
هدية عليها فقبلها، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا))[أبو داود
ح3541]
ومن الإخلاص الإسرار بالمعروف،قال تعالى {إن تبدو الصدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو
خير لكم}[البقرة:271] قال صلى الله عليه وسلم ((إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء)) [الحاكم
ح4]،وقال في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ((ورجل
تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))[البخاري
ح660، مسلم1031]
2- أن يبذله لمن يستحقه
ويحتاج إليه من إنسان أو حيوان، أن يبذله للبر والفاجر بل والكافر.
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله
عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم ((لا يغرس مسلم
غرساً ولا يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان ولا طائر ولا شيء إلا كان له أجر))
[رواه الطبراني في الأوسط ، وقال الهيثمي: إسناده حسن. مجمع الزوائد
3/134]
وعن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال رجل لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق،
فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة،
فخرج بصدقته فوضعها في يدي زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية،
فقال: اللهم لك الحمد، على زانية، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في
يدي غني فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق
وعلى زانية وعلى غني، فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن
سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر
فينفق مما أعطاه الله)) [البخاري ح1421، مسلم ح1022]
3-
أن يعلم أن معروفه نوع من المعاملة مع الله قبل أن يكون معاملة مع الخلق،
فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم
تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي
فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده)) .
يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني،
قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي
فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي.
يا ابن آدم
استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك
عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي))[مسلم ح2569]
4-
أنه يقع عند الله بمكان مهما صغر شأنه عند الله، فعن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: ((لقد رأيت رجلاً يتقلب في
الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)) [البخاري
ح2472، مسلم ح1914]
عن عائشة أنها قالت جاءتني مسكينة
تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت
إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن
تأكلها بينهما فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال ((إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو
أعتقها بها من النار)) [مسلم ح2630]
5-
أن يبادر إلى حاجة أخيه ولو لم يطلبها منه، جاء مديون إلى سفيان بن عيينة
يسأله العون على قضاء حاجته، فأعانه ثم بكى، فقالت له زوجته: ما يبكيك؟
فقال: أبكي أن أحتاج أخي فلم أشعر بحاجته حتى سألني .
6-
المسارعة بالخير والمسابقة إليه{فاستبقوا الخيرات}[البقرة:148]
عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً أو موقوفاً ((التؤدة في
كل شيء إلا في عمل الآخرة ))[أبو داود ح4810]
7-
أن يستصغر معروفه ولا يمن به :
{لا تبطلوا
صدقاتكم بالمن والأذى}[البقرة:264]
وبعـــــــــــد الحمد لله رب العالمين :
{ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ
الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ
اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } التوبة112
نسأل الله الكريم أن نكون وإياكم منهم .
الموضوع : صنائع المعروف المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya