عندما تحكم الأخلاق
لقد قدم التاريخ نماذجَ رائعةً وسجَّل مواقفَ مدهشةً حين
قامت دولة الإسلام الأخلاقية:
اسمعوا ما كان يوصي به النبي- صلى الله عليه وسلم- جندَ
الحقِّ المجاهدين في سبيل الله، ألا يتبعوا فارًّا من الميدان، وألا
يُجهِزوا على جريحٍ، وألا يَقتلوا امرأةً ولا طفلاً ولا شيخًا، وألا
يتعرَّضوا لراهب في صومعته، وألا يقطعوا شجرةً.. الله أكبر ما هذا الخلُقُ
الرفيعُ؟ وما هذا الأفق السامي الوضيء؟!
واذكروا ما فعل الفاتحون المسلمون في الشام عندما أوشك
الروم أن يغلبوهم على تلك الديار؟ لقد ردُّوا لأهل تلك البلاد من النصارى
أموالَهم لأنهم أخذوها مقابل الدفاع عنهم وحمايتهم، فانبهر الناس بهذا
الخلق وقالوا "والله لَعَدْلُكم أحبُّ إلينا من جَورهم"
وقاموا معهم في مواجهة الروم حتى دحروهم وردُّوهم على أعقابهم خاسرين.
واستحضروا موقف عمرو بن العاص- رضي الله عنه- مع أرمانوسة
ابنة المقوقس حاكم مصر؛ إذ وقعت في أَسْر المسلمين وقد أرسلها أبوها
لتُزَفَّ إلى قسطنطين بن هرقل، فإذا بعمرو- رضي الله عنه- يطلق سراحَها
ويكرمَها ويردُّها بكل ما معها إلى المقوقس في حراسةٍ من جند الله على
رأسهم قيس بن أبي العاص السهمي.
وانظروا إلى صلاح الدين وهو يُرسل طبيبَه الخاصّ ليعالج
قائدَ الصليبيين ريتشارد قلب الأسد، ولم يفُتْهُ أيضًا أن يرسل إليه العلاج
والهدايا..
هل عرفت الدنيا في طول تاريخها وعرضه شيئًا مثل هذا..؟!
إنه الإسلامُ العظيمُ بقِيَمه وحضارته وإنسانيته ورحمته.
عندما تضيع الأخلاق
رأينا ما للأخلاق من آثارٍ عظيمةٍ وثمارٍ طيبةٍ حين تحكُم
واقعَ الناس وتوجِّه سلوكَهم، فإذا ما ضاعت الأخلاق استطار الشرُّ وظهر
الفساد في شتى مجالات الحياة السياسية والإعلامية والاقتصادية وغيرها.
ففي السياسة.. نرى رئيس أقوى دولة وأغناها يطلُّ على
العالم بكذبه وافترائه وتضليله، وكذلك وزير خارجيته، ليبرِّر الحرب
الإجرامية الوحشية في العراق بمبرِّرات مفتعَلة ومتقلِّبة، بدءًا من حيازة
أسلحة الدمار الشامل، فالارتباط بالإرهاب والقاعدة، فالإطاحة بنظام الطاغي
المستبدّ وتحرير الشعب العراقي من بطشه وظلمه، ثم يذهب ضحيةَ هذه الحرب
أكثر من ثلثي مليون فرد، بين امرأة، وطفل، وشاب، وشيخ، ويُزَجُّ بالآلاف في
السجون ليتعرَّضوا لأخسِّ ألوان التعذيب والامتهان، وتُنْهَبُ الخيراتُ من
نفط ومال، وتتعرَّضُ الحرائر الكريمات لهَتْكِ عرضهن، وتُسعَّر نيران
الفتنة المذهبية ليُفنيَ الشعب بعضه بعضًا، وتدمَّر كلُّ مقومات الحياة من
محطات للمياه والكهرباء ومن طرق وجسور وجامعات ومؤسسات، بل لم تسلم كذلك
مظاهر التراث والحضارة من متاحف ومعارض وآثار.
ونرى عربدةَ هذا الكيان العنصري الصهيوني في أرض الرباط
والمقدَّسات "فلسطين" من قتلٍ واغتيالٍ، وسجنٍ
وتعذيبٍ، ونفيٍ وتشريدٍ، وحصارٍ وتجويعٍ، واقتحامٍ وترويعٍ، وهدمٍ للبيوت
وتجريفٍ للزروع، وتوسعٍ واستيطانٍ، وخنقٍ بالجدار.
ونرى بعض الحكَّام قد استكبروا في الأرض بغير الحق وعتَوا
عتوًّا كبيرًا، وتسلَّطوا على شعوبهم ينتهكون حرمة البيوت ويروّعون
الآمنين، ويصادرون الممتلكات ويلقون بالشرفاء والصُلَحَاء في غياهب السجون
ويلفِّقون الاتهامات ويرِّوجون الترَّهات ويكمِّمون الأفواه، متنكِّرين في
ذلك كله لوعودهم بالإصلاح، مستمرِّين في طريق الفساد والاستبداد.
وفي الإعلام.. نرى كثيرًا من المنتمين زورًا وبهتانًا إلى
ساحته (المقروءة والمرئية والمسموعة)، وقد مردوا
على النفاق يبيعون دينهم بدُنيا غيرهم، رضُوا لأنفسهم أن يكونوا أبواقًا
منكرةً تسارع في هوى الظالمين تردِّد الأكاذيبَ والافتراءات، وتلصق
بالشرفاء الاتهامات، وتُثير حولهم غبار الشبهات، وهم في هذا كله قد
أعمَتْهُم الأهواء الشخصية والمنافع المادية عن اعتبارات الصدق والأمانة
والدقة والموضوعية، أو حتى شرف الممارسة المهنية، وغاب عن هؤلاء وهم ساهون
في غمرتهم هذه الإحاطة الملائكية وهذه المراقبة الإلهية الواردة في قوله
تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا
تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ
الْوَرِيدِ* إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ
الشِّمَالِ قَعِيدٌ* مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ
عَتِيدٌ﴾ (ق: 16-18) وذهل هؤلاء أيضًا وهم سادرون في غيِّهم عن
قوله- صلى الله عليه وسلم-: ".. وهل يكب الناس في
النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم" وقوله- صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد ليتكلَّم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً
يهوي بها سبعين خريفًا في النار".
فيا أيها الناس أجمعون.. ثوبوا إلى رُشدكم، والتزموا
بأخلاقكم، تنصلح أحوالكم، وتسعد حياتكم..
ويا أيها المسلمون.. ليتذكر كلٌّ منكم أن الخلُق الحَسَن
المتين هو من أهم المقوِّمات العشرة للشخصية المسلمة الصادقة التي ننشدها،
وهو- أيضًا- من أهم المظاهر الخمسة التي تجمع للفرد أمرَ دعوته، فاحرِصوا
كلَّ الحرص على التحلِّي به لتكونوا ألسنةَ صدقٍ لمنهجكم وقدوةً صالحةً
لغيركم.
والله ولي التوفيق، وهو الهادي إلى صراط مستقيم..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموضوع : إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فان هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya