وأترك لذهنك السباحة في بحر التخيل لتتصور معي
كيف سيكون الحال لو كانت التوزيع لجمال أو أبقار أو خراف؟!
فلربما وقعت أثناء ذلك بعض الخسائر في الأرواح
والأبدان، والله المستعان!!
فكيف
يكون بإمكانك أن تتصدق -أن تهدي- جملا أو بقرة أو كبشا ثم تعدل عن ذلك كله
إلى البيضة، يا محب البيض؟!!
أفي
المكسب الدنيوي تتنافس وعند الأجر الأخروي تتقاعس؟!
إننا لا نقلل من قدر الأجر المترتب على إهداء
البيضة؛ لأنه ورد في الحديث، لكننا نتحسر على ما يفوت من الأجر وهذا شأن
المؤمن دوما يحزن إذا فاته الخير أو ضاع منه الأجر.
وما رأيك الآن في إحصائية توضح لنا ما يفوت من الأجر
-مع عدم التبكير- في السنة الواحدة... تَعَالَ معي:
في الشهر 4 جمع على الأقل، وفي السنة 48 جمعة
تقريباً.
فإذا أخذنا
عينة من أعمارنا مقدارها 10 سنوات لنرى الخسارة فيها كم تكون فكما يلي: 48 ×
10 = 480 جمعة على التقريب.
ولو
افترضنا أن سعر الجمل 10.000 جنيها: 480 × 10.000 = 48.00000 (أربعة
ملايين وثمانمائة ألف جنيهٍ) ضاعت من عبدٍ أهمل التبكيرَ إلى الجمعة خلال
عشر سنوات... فكيف بباقي العمر؟ وكم يكون مقدارُ الخسارة يوم القيامة؟!
كل هذا المبلغ كان يستطيع أن يتصدقَ به، ويُكتَب في
ميزان حسناته... فكيف تطيب النفس بالتكاسل عنه؟!
إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد
فرطنا في أجور كثيرة!!
ثم أليس عندنا من السيئات ما يؤرقنا فيجعلنا نبكِّرُ
للجمعة لنحصل ذلك الأجر: (فَكَأَنَّمَا
قَرَّبَ بَدَنَةً)، كأنك تصدقت بعشرة
آلاف أسبوعياً، وهل لو امتلكت تلك العشرة هل ستطاوعك نفسك لإخراجها؟
وإن لم تكنْ هناك ذنوبٌ -وهيهات-، فَلِمَ الزهدُ في
رفعِ الدرجات وزيادة الحسنات؟!
مع
العلم أن من تقاصرت همته حتى عن التصدق بالبيضة فأتى بعد ما صَعِدَ
الإمامُ المنبرَ فإنه -ويا للحسرة!!- لا يكتب في صحف الملائكة!
كم من الأموال تُدفَع، وكم من المساعي تُبذَل
لتُسجَل أسماءٌ في وفودٍ دنيويةٍ لا تساوي شيئا إذا قورنت بهذه الكتابة
الملائكية؟!
وليس ذلك
فحسب، بل ما زالت الكنوز تتدفق بين أيدينا، فبالإضافة إلى ما سبق يقول -صلى
الله عليه وسلم-: (من غسلَ واغتسلَ، ودنا وابتكر،َ
واقتربَ واستمعَ، كان له بكل خطوة يخطوها قيام سنة
وصيامها) رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني.
وبنفس الطريقة نحسب كم يفوت
المتأخرين من الأجور:
لكل خطوةٍ = عملُ سنةٍ
صياما وقياما.
بشرط: الغُسْل، والتبكير، والدُّنُو من الإمام،
والاستماع والإنصات للخطيب.
فلو
كان بينك وبين المسجد 100خطوة × 48جمعة في السنة = 4800خطوة في السنة
4800 × 10 سنوات = 48.000 خطوة في عشر سنوات.
وكل هذه الخطوات خلال هذه الجمع في تلك السنوات تحسب
للمسارع إلى الخيرات، كل خطوة منها بعبادة سنة صياما وقياما!! ومن منا
يعيش هذه المدة الطويلة؟
ولو
عاشها فهل يقوى على صيامها وقيامها؟ فلمَ التفريطُ في تحصيلها بخطوات إلى
المسجد وشروطٍ كلُنا يقدر عليها؟
فهل تعلم أن خُطاك هذه في سبيل الله: (وَمَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ حَرَّمَهُ
اللهُ عَلَى النَّارَ) رواه البخاري.
ومع عدم تخطي الرقاب، وعدم إيذاء المصلين تكون الجمعة
لصاحبها كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، فعن أبي
هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة
فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا) رواه مسلم.
- ومع المحافظة على الغُسْل: (من
غسل واغتسل يوم الجمعة لم يزل طاهرا إلى الجمعة الأخرى) رواه ابن خزيمة، وحسنه الألباني.
- ومع قراءة سورة الكهف: (من قرأ
سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين) رواه
البيهقي، وصححه الألباني.
-
ولك في يوم الجمعة ساعة إجابة -بإذن الله- لا يوافقها عبد يسأل الله
-تعالى- شيئا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه ما لم يدع بإثم أو
قطعية رحم، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (التمسوا الساعة
التي ترجى في يوم الجمعة بعد صلاة العصر إلى
غيبوبة الشمس) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
- ولا تنس صاحب كل هذا الخير -بعد الله عز وجل-
حبيبك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكثر من الصلاة عليه، (فأكثروا من الصلاة عَلَيَّ فيه) رواه أبو داود، وصححه
الألباني, وأبشر بقول -صلى الله عليه وسلم-: (فإن صلاتكم
معروضةٌ علي) رواه أبو داود، وصححه الألباني.
- وَزِدْ بشراً وفرحا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أكثروا الصلاة علي، فإن الله وكل
بي ملكا عند قبري فإذا صلى علي رجل من أمتي قال ذلك الملك: يا محمد إن
فلان بن فلان صلى عليك الساعة) رواه الديلمي في
مسند الفردوس، وحسنه الألباني.
-
فيا بُشَراكَ؛ واسمُك يتردد بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ويلفظه الملك!!
- وخذ
أيضا: (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات
وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات) رواه النسائي، وصححه
الألباني. فكم ستصلي عليه إِذَنْ؟
- فيا ترى بعد كل هذا البيان كيف سيكون احتفاؤك بيوم
الجمعة؟ كيف سيكون إقبالك على ذلك الزاد التربوي الإيماني العظيم؟
أليس من الممكن أن نجعل الجمعة محطة إيمانية -بدلا
من عطلة أسبوعية- لتفريغ شحنة الذنوب، والتحمل والتزود بمعاني الإيمان
للانطلاق حتى الجمعة المقبلة؟ بلى والله... ولكن: (ذَلِكَ
وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(الحج:32(.
وأختم كلمتي بهدية نبوية تحملك
بإذن الله حملا للاهتمام بالجمعة:
يقول -صلى الله عليه وسلم-: (تحشر
الأيام على هيئتها ويحشر يوم الجمعة زهراء منيرة
أهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى خدرها تضيء لهم ما يمشون في ضوئها
ألوانهم كالثلج بياضا وريحهم كالمسك يخوضون في جبال
الكافور ينظر إليهم الثقلان، لا يطرقون تعجبا حتى
يدخلون الجنة لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون)
رواه الطبراني وابن خزيمة، وحسنه الألباني.
ولا أظنك أخي بعد هذا كله ستظل
من محبي البيض.
تترقى همتك لتحرز هذه الحسنات التي تناديك يوم
الجمعة: هَيْتَ لك، ويمر بك كلَ أسبوعٍ سوقُها وتتجددُ لك بها فرص التوبة
والمغفرة.. فهل من مشمر؟
ستظهر الإجابة الجمعة المقبلة إن شاء الله، ومن هنا نبدأ
واللقاء في الجنة إن شاء الله.
الموضوع : أتقنعُ بالبيضِ... ويفوزُ غيرُك بالذبائحِ المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya