وإذا قلبنا صفحات التاريخ نسائله عن آراء مجتهدينا وفقهائنا
فإننا سنرى فيه حقيقة واضحة جلية... ألا وهي أن جميع الفقهاء المجتهدين طيلة
خمسة عشر قرنا من الزمان قالوا بأنه على المرأة أن تغطي جميع جسمها سوى الوجه
والكفين وإلا فهي مخالفة لأمر ربها معاندة له تتقحم النار على
بصيرة.
بل ذهب من ذهب من الفقهاء إلى أن هذا القدر لا يكفي وأوجب على
المرأة أن تستر الوجه والكفين أيضا، ولكن الجمهور على أن ستر ما دون الوجه والكفين مجزئ وكاف.
ولم يذهب الفقهاء إلى هذا الإجماع إلا عن أدلة رصينة محكمة تؤكد هذا الحكم وتوجبه في
جلاء كما الشمس.
يقول الإمام ابن حزم في كتابه مراتب
الإجماع:-
واتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها حاشا وجهها
ويدها عورة واختلفوا في الوجه
واليدين حتى أظفارهما عورة هي أم لا؟" انتهى.
ومعنى ذلك أن عندنا ثلاثة
مصادر تؤكد جميعها فرضية الحجاب... وهي القرآن والسنة والإجماع.
أما القرآن فمنه قول ربنا:
(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ
فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَلْيَضْرِبْنَ
بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ
إِلَّا
لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
أَبْنَائِهِنَّ
أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي
إِخْوَانِهِنَّ
أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُنَّ
أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ
الطِّفْلِ
الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ
بِأَرْجُلِهِنَّ
لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى
اللَّهِ جَمِيعًا
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
قال الحافظ ابن كثير في (
تفسيره ):
( أي : لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب، إلا
ما لا يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود:
كالرداء والثياب، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها، وما يبدو
من أسافل الثياب، فلا حرج عليها فيه، لأن هذا لا يمكن إخفاؤه ).
وقال ابن
عطية : ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن
تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة،
ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك فـ{ ما ظهر } على هذا
الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء
فهو المعفو عنه)) .
وقال القرطبي:
( قلت
: هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج،
فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً
إليهما. انتهى.
وفي "المعجم الوسيط" – تأليف لجنة من العلماء
تحت إشراف" مجمع اللغة العربية" –
ما نصه:
"
الخمار: كل ما ستر ومنه خمار المرأة،
وهو ثوب تغطي به رأسها، ومنه العمامة، لأن الرجل يغطي بها رأسه، ويديرها تحت الحنك".انتهى.
ومن ذلك قوله
تعالى: )وَقَرْنَ
فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ
الْأُولَى
وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
يقول العلامة ابن كثير في
تفسيره :-
قال مجاهد كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال فذلك تبرج الجاهلية . وقال قتادة "
ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى "
يقول إذا خرجتن من بيوتكن وكانت لهن
مشية وتكسر وتغنج فنهى الله تعالى عن ذلك وقال مقاتل بن حيان " ولا تبرجن تبرج الجاهلية
الأولى " والتبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها
وذلك التبرج ثم عمت نساء المؤمنين
في التبرج .انتهى.
ومن ذلك( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ
النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ
يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ
خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وأما قوله تعالى ( يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء
الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ
أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً
رَّحِيماً) فهذه الآية ليست هي عمدة العلماء في إيجاب تغطية عورة المرأة، ولكن
هذه الآية تدل على ما هو أبعد من ذلك، وتدل على شيء فوق الخمار وأعظم منه. وقد
اختلف العلماء في تحديد المراد به على اتجاهين:-
الاتجاه الأول: أن المقصود به هو
النقاب.
الاتجاه الثاني: أن المقصود به هو الملحفة، أو
العباءة تلتحف بها المرأة فوق
الخمار لتداري بها نتوءات جسمها، وأجزاءه البارزة كالثديين، فهو خمار فوق الخمار، وثياب فوق الثياب.
يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:-
قد روي عن عدد من مفسري السلف تفسير إدناء
الجلابيب عليهن، أنهن يسترن بها
جميع وجوههن، بحيث لا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة يبصرن بها.
وممن روي عنه ذلك ابن مسعود وابن عباس وعبيدة
السلماني وغيرهم، ولكن ليس هناك
اتفاق على معنى" الجلباب" ولا على معنى "الإدناء" في الآية.
وقد ذكر الإمام النووي في شرح مسلم في حديث أم عطية في صلاة العيد: إحدانا لا يكون
لها جلباب.. إلخ. قال: قال النضر بن شميل: الجلباب ثوب أقصر - وأعرض - من الخمار، وهي المقنعة تغطي به
المرأة رأسها، وقيل: هو ثوب واسع
دون الرداء تغطي به صدرها وظهرها، وقيل: هو كالملاءة والملحفة. وقيل:
هو الإزار، وقيل: الخمار. )صحيح مسلم بشرح النووي 2/542، ط الشعب).انتهى.
وأما السنة فلا بد أن نعلم أولا أنه لم يقل أحد من فقهاء المسلمين باشتراط التواتر
في الحديث حتى يؤخذ منه الحكم الشرعي،
ومن أراد أن يشترط ذلك فكأنه يريد أن ينسلخ من الدين جملة ؛ ذلك لأن معظم
الأحاديث الصحيحة التي بين أيدينا لم
تبلغ درجة التواتر، وقليل من الأحاديث هو المتواتر، غير أن بعض العلماء اشترط التواتر في الأحاديث التي
يستدل بها في مجال العقيدة، وهذا
أمر ليس متفقا عليه، بل أغلب فقهاء
الحديث يرى أن الحديث إذا صح أخذ بها
في العقيدة والشريعة متواترا كان ، أو آحادا، وللأحناف موقف مفصل في حكم
العمل بالحديث الآحاد لا تحتمله
هذه الفتوى، فيراجعه في كتب الأصول عندهم من شاء.
الموضوع : إلى منكري فريضة الحجاب المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya