- ما هو النعيم؟!
النعيم كلمة واحدة، لكنها تظم
معاني كثيرة، فالنعيم هو الفرح والسرور، والدعة والمال، والمسرة
والترفُّه، وحسن العيش والغذاء، والعطية أو الهدية الحسنة، وليونة
الشيء(4).
هذه معاني النعيم في لغة العرب، وقد تناولتْ كل مظاهر التنعم
في الدنيا، ما كان منها في القلب، أو البدن.
لكن النعيم يشترط له شرط
مهم، حتى يكون نافعًا وحقيقيًا، وهو أن تكون نهايته سعيدةً ومثمرة، فلو
عَرَضَ لك شخصٌ أنواعًا لذيذة من المطاعم والمشارب، وقال لك: كل ما شئت،
ولكن ستكون نهايتُك الإصابةَ بمرضين خطيرين: ارتفاعِ الضغط، والسكر.
فهل
ستقدم على الأكل والشرب؟ يختار العقلاء أن يأكلوا ويشربوا قليلاً، ويعيشوا
بسلام وصحة، على أن يأكلوا ويشربوا كثيرًا، ويمرضوا بأمراض خطيرة.
ولو
أن امرأة جميلة، تتصاغر أمام جمالها الورود والأزهار في الحديقة الغناء،
ويذِل لها من حسن منظرها البدر، لم تتصنع في جمالها بالزينة المزيفة في
عصرنا، لو أن هذه المرأة عرضت على رجل نفسها، لكنها قالت له: إني مصابة
بمرض خطير، يصيب كل من يعاشرني؛ فهل سيقدم على مواقعتها، حتى وإن تنعم
وتلذذ بمنظرها، ولَثْمِ ثغرها؟!
ألا تشبه الدنيا هذه المرأةَ الجميلة،
والطعامَ والشرابَ الفاخرين؟ ما هي نهاية الدنيا؟ وماذا يكون بعدها؟
أليس
هذا سؤال يحتاج منا إلى التفكر؟
والجواب الذي نجد دليله، ونحس بموافقته
للفطرة والعقل أن الدنيا دارُ ممر لا مقر، وأنها ظلٌ زائل، كما قال تعالى:
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ
وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ
غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ
مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ
وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)} [سورة الحديد 57/20]
وأن النعيم التام
هو في الدين الحق، فأهل الدين الحق هم الذين لهم النعيم الكامل؛ لأنهم مع
استمتاعهم بالدنيا وزينتها الظاهرة، فهم ينتقلون عنها إلى خيرٍ منها، حيث
يكون مصيرُهم رضوانَ الله وجنته، وعفوَه ومغفرتَه، كما أخبر الله بذلك في
كتابه في غير موضع، كقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
وَلاَ الضَّالِّينَ (7)} [سورة الفاتحة 1/6-7].
وقوله عن المتقين
المهتدين: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (5)} [سورة البقرة 2/5]،
وقوله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا
مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم
مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123)
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى
وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا
فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126)}(5).
لكن وقع الجهل
والظلم في بني آدم؛ فعمدوا إلى الدين الفاسد، والدنيا الفاجرة طلبوا بهما
النعيم، وفي الحقيقة فإنما فيهما ضدُّه.
قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ
أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي
الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ (56)}.
وقال تعالى: {فَلَمَّا
نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ
حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم
مُّبْلِسُونَ (44)} [سورة الأنعام 6/44]
وفي الحديث: ((إذا رأيت الله
يُنعم على العبد مع إقامته على معصيته فإنما هو استدراج يستدرجه))(6).
الموضوع : إن الأبرار لفي نعيم_في الدنيا قبل الأخرة المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya