ويقصد ـ رحمه الله ـ باللحظة:النظر إلى ماحرَّم
الله . واللفظة:الكلام الذي يتكلم به الإنسان سواء من شرك بالله ، أوالكلام
الذي لا يلقي له بالاً يقذف به في النار سبعين خريفاً . والشهوة
الخفية:إمَّا أنَّها حب الرئاسة والإمارة ، أو أنَّها الرياء وعدم الإخلاص
لله.
كما أنَّا نجد أنه ـ عزَّ وجل ـ يوصي الصحابة ، ومن بعدهم من أهل
الإيمان ، بالإيمان بالله ورسوله ، وإن كانوا مؤمنين ، ليؤكد عليهم هذا
المبدأ الثمين ، حتى يقوى إيمانهم بالله، وتشتد قلوبهم على تحمُّل ما يرضيه
ـ سبحانه ـ فيقول ـ تعالى ـ يا
أيُّها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذين نزَّل على رسوله)
سورة النساء:(136) ففي هذه الآية يدعو ـ جلَّ جلاله ـ أهل الإيمان إلى
زيادة الإيمان بالله ، لأنَّه ليس كلَّ من قال لاإله إلاَّ الله، وأظهر
إيمانه باليوم الآخر يكون مسلماً ؛ ويدلُّ لذلك ـ قوله تعالى ـ ومن
الناس من يقول آمنَّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين* يخادعون الله
والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) سورة البقرة:(8 ـ9)،
فالعلم بالله تعالى لا يقف عند حد معيَّن، والمطلوب من المرء أن ترتقي
معرفته وعلمه بربه باستمرار وعلى وجه الديمومة، ومن هنا كان الطلب في الآية
من محمد صلى الله عليه وسلم بأن يعلم معنى وحقيقة لا إله إلا الله مرَّة
بعد أخرى.
3ـ لاشكَّ أن الأمر في قوله تعالى فاعلم
أنَّه لا إله إلا الله) ليس خاصاً بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فحسب ؛
وعليه فإنَّ علاج الخلل في التوحيد ، وكما أنَّه يتمُّ بدرء الخلل عنه،
وتخلية القلب منه ، إلاَّ أنه يحتاج إلى تمكين عرى الإيمان في القلب ،
وتحليته به ، ليخالط بشاشة الإيمان القلوب ، فيتم بذلك تخلية وتحلية ، وكما
يقول علماء الأصول:التخلية قبل التحلية، فيخلِّي الإنسان عن قلبه شوائب
الانحراف العقدي ، ويحليه ببلسم الإيمان ، وصفاء الاعتقاد، ونقاوة التوحيد .
4ـ إنَّ مما يستفاد من هذه الآية، أنَّ العلم بالتوحيد، لا يعني
الإبقاء على تعلمه ومعرفته من ناحية نظريَّة معرفيَّة فحسب، بل ينبغي أن
يقودنا ذلك لممارسة هذا التوحيد واقعاً ومنهج حياة، وقد كان صحابة رسول
الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقومون بذلك، بل وصفهم من جاء بعدهم من
التابعين بأنَّهم كانوا كالمصاحف يمشون على ظهر المدينة ـ رضي الله عنهم
وأرضاهم ـ وعودة للآية فاعلم
أنَّه لا إلا إلا الله) فإنَّا نجد عقِبَها مباشرة واستغفر
لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم) سورة محمد:(19)
والمعنى أن يتبع هذا العلم الذي يتعلمه المرء المسلم؛ العمل به والتطبيق
له، ولهذا نجد الإمام البخاري بوَّب باباً في صحيحه بعنوان باب
العلم قبل القول والعمل) واستدل بقوله تعالى فاعلم
أنَّه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) فبدأ الله تعالى بالعلم قبل القول
والعمل.
إنَّنا ينبغي أن نعترف بأنَّ أيَّ خلل طارئ على من وحَّد الله ،
لا يكون ذلك إلاَّ بعدة أشياء ، ومن ألزمها ذكراً:
• ضعف مراقبة الله ،
وقلَّة الوازع الديني الذي يجب أن يتنامى في القلب ، حتى لا يكون القلب
كالكوز مجخياً ، لا يعرف معروفاً ، ولا ينكر منكراً.
• ضعف ارتباط
العبد بربه من نواحي العبادة كالرجاء والخوف والمحبة والاستعانة والاستغاثة
، وقلة الانطراح بين يديه ، والانكباب على عتبة بابه ، مع أنَّ هذا الأمر
من أشدِّ الأمور ، التي لزمها الأنبياء والأولياء الصالحون، ومنهم إبراهيم ـ
عليه السلام ـ حيث كان داعية للتوحيد ، ومحطماً لأوثان المشركين ، ومع هذا
فقد خاف على نفسه من أن تشاب بلوثات شركية، فقال لربه داعياً واجنبني
وبني أن نعبد الأصنام) سورة إبراهيم:(35) ومكمن المسألة في ذلك ؛ دعاء
إبرهيم ربَّه أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام . ثمَّ يبين إبراهيم ـ عليه
السلام ـ سبب دعائه ، فيقول
ربِّ إنَّهنَّ أضللن كثيراً من الناس) ولهذا علَّق الإمام إبراهيم التيمي
على قول إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ قائلاً: ومن يأمن البلاء بعد أبو
الأنبياء إبراهيم ـ عليه السلام ـ؟(فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ،
للشيخ:عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ/ صـ 74).
ومما يستنتج من دعائه ـ عليه
السلام ـ أن الأشياء التي تعبد من دون الله ، قد يكون لها حجم واسع من
التأثير على الناس ، بإضلالهم عن الصراط المستقيم ، ويمثِّل أهل العلم عليه
بأمثلة ، ومنها: أن يلجأ شخص إلى القبور فيستغيث بأصحابها أو يدعو متوسلاً
بأصحابها، فيستجيب الله دعائه في ذلك المكان بسبب إخلاصه لله في الدعاء،
وتضرعه أثناء الرجاء، فيعطيه الله مراده، فيظن ذلك الداعي أنَّ ذلك حصل
بسبب دعائه عند صاحب ذلك القبر، فيذهب له ويزداد تعلقه به ، مع العلم أنَّ
ما يقوم به خلل في التوحيد وقدح به، مع العلم بأنَّ هذا الرجل الذي قام
بهذه الطريقة غير المشروعة، أراد الله أن يعطيه مراده بمشيئته ـ سبحانه ـ
وإرادته الكونية القدرية، وليس بسبب دعائه عند من لا ينفع ولا يضر أو توسله
به أو استغاثته به ، فيفتن الرجل بذلك الطاغوت،ويلتجئ إليه في سرِّه
وعلانيته،وفي شدَّته ورخائه ـ عياذاً بالله ـ(ومن يرد الله فتنته فلن تملك
له من الله شيئاً) سورة المائدة:(41)
4 ـ في هذه الآية تنبيه لبعض
الدعاة القائلين بأنَّ قضية التوحيد سهلة ، ولاتحتاج إلى ذلك التكثيف
العلمي والتعليمي ، أو أنَّ لدينا من هموم الأمة ما يحوجنا بالكلام عنها
أكثر من قضية باتت معروفة في أذهان المسلمين، والجواب عن ذلك:
أولا ـ
أنَّه ـ تعالى ـ ما خلقنا إلا لعبوديته وتوحيده ، وإرساء تلك المعالم
العقدية في قلوبنا، فقال وما
خلقت الجنَّ والإنس إلا ليعبدون) سورة الذاريات:(56) ، ولو كانت دعوة
التوحيد يسيرة لما جلس ـ عليه الصلاة و السلام ـ ثلاثة عشر سنة يدعو لذلك
الناس مسلمهم وكافرهم.
أمَّا مسلمهم: فلكي يتأكد ذلك في قلوبهم
وليكوِّن ـ عليه الصلاة والسلام ـ من قلوبهم قاعدة صلبة للبناء الإيماني ،
لتتحمل الواجبات والفرائض المفروضة من قِبَلِهِ تعالى.
وأمَّا كافرهم:
فلتقوم الحجَّة عليهم ، بالبلاغ المبين ، والبيان الواضح ، ولهذا بقي ـ
عليه الصلاة والسلام ـ يدعو لذلك جميع الناس حتى قبضت روحه الشريفه ـ صلَّى
الله عليه وسلَّم ـ ليبقى التوحيد في قلوب المسلمين صلباً ، لا تزعزعه
أعاصير الشرك العاتية ، ولا رياح التغيير المنحرفة عن المنهج الإسلامي منهج
أهل السنة والجماعة).
الموضوع : (فاعلم أنَّه لا إله إلا الله) المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya