الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ غافِرِ الذُّنوبِ ، وقابلِ التـَوْبِ وساترِ
العُيوبِ ، ومُفرِّجِ الهمِّ وكاشفِ الكُروبِ ، سبحانَهُ وبحمدِهِ : يُؤتي
المُلكَ مَنْ يشاءُ ، ويَنْـزِعُ المُلكَ مِمَّنْ يَشاءُ ، ويُعِزُّ مَنْ
يَشاءُ ، ويُذِلُّ مَنْ يَشاءُ ، بيدِهِ الخيرُ ، إنـَّهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ
قديرٌ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له السَّميعُ
البصيرُ ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ البشيرُ النَّذيرُ ؛
والسِّراجُ المنيرُ ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلى آلِهِ وأزواجِهِ
وأصحابِهِ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلى يومِ المصيرِ .
أما بعدُ : فأُوصيكمْ عبادَ
اللهِ تعَالى بالتَّقوى الَّتي بها تنتفعُون ، فاتَّقوا اللهَ { ولْتنظُرْ نَفسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ واتَّقوا اللهَ
إنَّ اللهَ خَبيرٌ بما تَعْملَونَ * ولا تكُونوا كالذِينَ نَسُوا اللهَ
فأَنْساهُمْ أَنْفُسَهم أُولئِكَ هُمُ الفَاســــــــِقُونَ } ( الحشر : 18 - 19 )
أيُّها
المؤمنونَ : ما أشبهَ الليلةَ
بالبارحةِ ، ومَا أقربَ ساعاتِ البَطَرِ والأشرِ مِنَ الليالِي التَّرِحَةِ
، فهَا هَيِ القارعةُ تُصِيبُ طُغاةَ اليومِ وتَحِلُّ بدارِهِمْ وضَلَّ
عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ، كمَا قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ
الـمَثُلاتُ وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ ، فأهْلَكَهُمُ
اللهُ تعالى كمَا أهلكَ القُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وهُدَىً
وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ .
وهَا هِيَ عاقبةُ رموزِ
الطُّغيانِ ؛ فِي هَذا الزَّمانِ ؛ ومَا جَاوَرَنَا مِنَ البُلدانِ ،
يجعلُها ربُّ العالمينَ : { نَكَالاً لِمَا
بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ } ( البقرة : 66 ) .
وصدقَ النَّبيُّ الكريمُ ؛ عليهِ أفضلُ الصَّلاةِ وأتمُّ
التَّسليمِ ؛ فِي قولِهِ القويمِ : " إنَّ اللهَ لِيُملِي للظَّالِمِ حتَّى
إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"
(رواه البخاري)
ثُمَّ قَرَأ النَّبِيُّ :
{ وَكَذَلِكَ أَخْـــذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى
وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شـــَدِيدٌ }
﴿ هود : 102 )
[
أخرجَهُ البُخاريُّ مِنْ حديثِ أبي موسى الأشعريِّ ]
فحَذَارِ
ثُمَّ حَذَارِ يَا عبادَ اللهِ الأخيارِ، مِنْ سُلوكِ سبيلِ الظَّلَمَةِ
الفُجَّارِ ، فهَا هِيَ لذَّاتُهُمْ قَدْ ذَهَبَتْ وبَقِيَ لهُمْ العَارُ ،
ومَلَكَ غيرُهُمْ قُصُورَهُمُ التِي شيَّدُوهَا ومَلَؤُوا بِهَا
الأقْطَارَ ، فَتُرِكُوا بالعذَابِ مِنْ وَرَاءِ الأسْتَارِ ؛ بَيْنَ
أطباقِ الثَّرى والأحْجَارِ ، فَلا مُغِيثَ ولا مُعِينَ ولا جَارَ ، قدْ
شَيَّدُوا بُنيانَ أمَلِهِمْ وطَمَعِهِمْ على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ، فإذا
قَامُوا إلى القِيامَةِ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ : زادَ
البَلاءُ على المِقْدارِ ، فإذا سَــرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ
وَتَغْشَــى وُجُوهَهُـــمُ النَّارُ ، فعزاءُ المظلومينَ ؛ تعزيةُ ربِّ
العالميـــنَ : { َلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً
عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِرُّهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ
فِيهِ الأَبْصَارُ } ( إبراهيم : 42 )
ولْيَكُنْ مِسْكُ
الخِتَامِ ، معشرَ الإخوةِ الكِرامِ : ترطيبَ ألسنتِكم بالصَّلاةِ
والسَّلامِ ، على خيرِ الأنامِ ، امتثالاً لأمرِ الملِكِ القُدُّوسِ
السَّلامِ ، حيثُ قالَ في خيرِ كلامٍ : { إنَّ
اللهَ وملائِكتَهُ يُصَلُّونَ علَى النبيِّ يا أيُّها الَذينَ آمنُوا
صَلُّوا عليهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ( الأحزاب : 56 ) .
اللَّهمَّ صلِّ على
محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ ، كما صلَّيتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ ،
وباركْ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّد ، كمَا باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ
إبراهيمَ ، في العالمينَ ، إنَّك حميدٌ مجيدٌ .
وارضَ اللَّهمَّ عن
الأربعةِ الخُلفاءِ الراشدينَ ؛ والأئمةِ الحنفاءِ المهديِّينَ ، أولي
الفضْلِ الجَليِّ ؛ والقَدْرِ العليِّ : أبي بكرٍ الصديقِ ؛ وعمرَ الفاروقِ
؛ وذي النُّورينِ عُثمانَ ؛ وأبي السِّبطينِ عليٍّ ، وارضَ اللَّهمَّ عنْ
آلِ نبيِّك وأزواجِهِ المُطَهَّرِينَ مِنْ الأرجاسِ ؛ وصحابتِهِ الصَّفوةِ
الأخيارِ من النَّاسِ .
اللَّهمَّ اغفرْ للمسلمينَ والمسلماتِ ؛
والمؤمنينَ والمؤمناتِ ، الأحياءِ منهم والأمواتِ ، اللَّهمَّ إنَّكَ سميعٌ
عليمٌ لا يخْفَى عليكَ حالُ إخوانِنَا المُسلمينَ المُستضعفينَ في مشارقِ
الأرضِ ومغاربِها ، اللَّهمَّ أعِنهُمْ ولا تُعِنْ عليْهِمْ ، وانْصُرْهُمْ
ولا تَنْصُرْ عليْهم ، وامْكُرْ لهم ولا تَمْكُرْ بِْهم ، ويَسِّرِ الهُدى
لَهُم ، وانْصُرْهُمْ على مَنْ بَغَى عليْهم .
اللَّهُمَّ مَنْ
وَلِيَ مِنْ أُمُورِهِمْ شيئاً فَرَفِقَ بِهِمْ : فَارْفُقْ بِهِ ، ومَنْ
وَلِيَ مِنْ أُمُورِهِمْ شيئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ : فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ،
الَّلهُمَّ ولِّ عليهِمْ خِيارَهُمْ ؛ واكْفِهِمْ شِرارَهُمْ ، واجعلْ
وِلايَتَهُمْ فيمَنْ خافَكَ واتَّقاكَ ؛ واتَّبعَ دينَكَ والْتَمَسَ
رِضَاكَ ، الَّلهمَّ وفِّقْ وليَّ أمرِنا ووليَّ عهدِهِ لحملِ الأمانةِ ،
وارزقْهما صلاحَ البِطانةِ ، وادْفعْ عنهما أهلَ الكيْدِ والبَغْي
والخِيانةِ .
الموضوع : .::.::.عـواقِـبُــــــــــــــ الظُـلـمـــــــــــــ .::.::. المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya