غض البصر
عن بردة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله،
صلى الله عليه وسلم: "يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن
لك الأولى، وليست لك
الآخرة" رواه الترمذي وأبو داوود والإمام أحمد.
وعن جرير بن عبد الله، رضي الله عنه، قال:
"سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري" رواه مسلم
وأبو داوود والترمذي.
- الشبهة:
احتج
المبيحون لكشف الوجه بنصوص وردت في الأمر بغض البصر على أن هذا يلزم منه أن تكون
وجوه النساء مكشوفة، وإلا فعن ماذا يُغض البصر إذا كانت النساء مستورات
الوجوه؟
- الجواب عنها:
أولاً: الأمر بغض البصر
مطلق:
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم, حفظه
الله: إن الأمر بغض البصر مطلق، فيشمل كل ما ينبغي أن يُغض البصر عنه قال تعالى:
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} ولم يبين الشيء الذي يُغض عنه
البصر، فدل على أن الأمر مطلق فيشمل كل ما ينبغي غض البصر عنه. ا. هـ. (عودة
الحجاب[3/378])
من هذا الكلام نفهم أن مسألة تضييق هذا الأمر
المطلق الشامل غير مقبولة؛ إذ يتوسع فيها الأمر إلى نواحٍ كثيرة لا يمكن حصرها على
شيء محدود، ومن هذه الأمور التي جاء
الأمر بغض البصر عنها ما يلي:
1) غض البصر عن نساء
اليهود والسبايا والإماء:
قال البخاري، رحمه الله: قال سعيد بن أبي
الحسن للحسن: "إن نساء العجم يكشفن
صدورهن ورؤوسهن؟" قال: "اصرف بصرك عنهن، يقول الله
عز وجل {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ}، قال قتادة: عما لا يحل لهم. (عودة الحجاب [6/378])
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم, حفظه
الله: والأمر بالحجاب منذ اللحظة الأولى لم يتوجه لغير المؤمنات؛ لأنهن مظنة
الاستجابة لأمر الله عز وجل، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ
جَلاَبِيبِهِنَّ} الآية، ولم يقل (ونساء أهل المدينة)، وقال تبارك وتعالى: {قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} الآية، وقال سبحانه
{وَقُلْ
لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} الآية، ولم يقل (وقل لنساء أهل
المدينة) لكن الأمر توجه لمن شرفهن
الله تعالى بالإيمان مطلقاً. (عودة الحجاب [6/373])
وقال أيضاً: وإذا كانت المرأة غير مسلمة، أو
مسلمة اجترأت على هتك أوامر الله، وتعمدت كشف زينتها، وهذا ما عمت به البلوى في
زماننا، فالواجب هنا على الأقل أن يؤمر الرجل بغض البصر، مع العلم بأن هذا لا يقتضي
أن ما فعلته هذه المرأة من كشف الوجه وغيره تجيزه الشريعة بغير عذر أو مصلحة. (عودة
الحجاب [6/373])
2) غض البصر عما يظهر من
المرأة بغير قصد:
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم, حفظه
الله: فلابد أن يبدو بعض أطرافها في بعض الأحيان، كما هو معلوم بالمشاهدة من اللاتي
يبالغن في التحجب والتستر، فلهذا أمر الرجال بغض البصر عما يبدو منهن في
بعض الأحوال.
وهذا الأمر بغض البصر لا يستلزم أنها تكشف
ذلك عمداً وقصداً، فكم من امرأة تحرك الرياح ثيابها، أو تقع فيسقط الخمار عن وجهها
من غير قصد منها فيراها بعض الناس على تلك الحال. (عودة الحجاب
[6/374])
ومما يؤيد
هذا:
1) قوله
تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}:
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم, حفظه
الله: ومن هنا قال تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا} ولم يقل (إلا ما أظهرنه) لأن (أظهر) فيه معنى التعمد، بخلاف (ظهر) أي من
غير قصد منها، فهذا معفو عنه، لا ما تظهره هي بقصد. (عودة الحجاب [6/374])
2) نظرة
الفجأة:
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم, حفظه الله:
وكثيراً ما يصادف الرجل المرأة وهي غافلة، فيرى وجهها أو غيره من أطرافها، فأمره
الشارع حينئذ بصرف بصره عنها، كما في حديث جرير بن عبد الله، رضي الله عنه، وقال
أيضاً: فهذا هو موقع نظر الفجأة، وفي سؤال جرير عن نظر الفجأة دليل على مشروعية
استتار النساء عن الرجال الأجانب وتغطية وجوههن عنهم، وإلا كان سؤاله عن نظر الفجأة
لغواً لا معنى له، ولا فائدة من ذكره.(عودة الحجاب[3/374])
3) غض البصر
عن شخوص النساء وقوامهن:
قال العلماء: إنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى
بدن المرأة نظر شهوة ولو كانت مستورة؛ لأن ذلك مدعاة إلى الافتنان بها كما لا يخفى،
ووقوعه فيما سماه النبي، صلى الله عليه وسلم: "زنا العينين"، قال صلى الله عليه
وسلم: "والعينان تزنيان، وزناهما النظر"، رواه مسلم، انظر شرح النووي (6/ 206).
4) غض البصر
عما يزيد على قدر الحاجة
في حالة وجود الضرورات:
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم: قد تعرض
للمرأة المحجبة ضرورات، بل حاجات، تدعوها إلى كشف وجهها، ويرخص لها في ذلك مثل نظر
القاضي إلى المرأة عند الشهادة، والنظر إلى المرأة المشتبه فيها عند تحقيق الجرائم،
ونظر الطبيب المعالج إلى المرأة بشروطه، والنظر إلى المراد خطبتها، وهذا كله يكون
بقدر الحاجة فقط لا يجوز له أن يتعداها، فإن دعته نفسه إلى الزيادة عن قدر الحاجة
فهو مأمور بغض البصر عنها. والله أعلم. ا. هـ. (عودة الحجاب [6/375-376])
ثانياً: ترتيب الآيات
حسب نزولها ينفي ما يدعونه:
1) نزل الأمر بالحجاب
قبل الأمر بغض البصر:
قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ
تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُْولَى} وقال سبحانه: {وَإِذَا
سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ
لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ
جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُورًا رَحِيمًا}.
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم,حفظه
الله: كل هذه الأوامر بالحجاب إنما نزلت في سورة الأحزاب في السنة الخامسة من
الهجرة النبوية، وشاع الحجاب بعدها في المجتمع المسلم بعد نزولها، وقبل الأمر بغض
البصر، الذي نزل في سورة النور التي نزلت في السنة السادسة من الهجرة (انظر عمدة
القارئ للعيني (20/ 223)) ومما يدل على ذلك قول أم
المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، في قصة الإفك التي كانت في السنة السادسة:
(فأتاني فعرفني حين رآني،
وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت- وفي رواية: فسترت-
وجهي بجلبابي).
وقال أيضاً: ومن هنا يتضح أن استنباط البعض
من الأمر بغض البصر أن وجوه النساء كانت سافرة غير صحيح، بدليل أن الأمر بالحجاب
نزل أولاً، وامتثله نساء المؤمنين، ثم نزل في السنة التي تليها الأمر بغض البصر.
(عودة الحجاب [6/376-377])
2) الحكمة الربانية من
هذا الترتيب:
قال الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم, حفظه
الله: ولعل الحكمة في ذلك أن الأمر بغض البصر مع بقاء الوجوه سافرة قد يشق على
بعض النفوس، ولكنه مع الحجاب أيسر. ا. هـ وهذا من يسر الشريعة التي جاءت به
وحثت عليه.
وقال أيضاً: فتناولت الشريعة الحكيمة إخماد
الفتنة وسد ذريعتها من الجانبين: من جانب المرأة حيث كلفتها بالحجاب، ثم من جانب
الرجل حيث كلفته بغض البصر.
ولقد صار الحجاب، بعد نزول الأمر بغض البصر
في سورة النور، أصلاً من أصول النظام الاجتماعي في الدولة المسلمة، واستمر عليه
المسلمون قروناً مديدة، ولم يستطع أحد أن يشكك في وجوب التزامه، ولم يطالب أحد ببتر
جزء من هذا الحجاب خوفاً من تفريغ آية غض البصر من مضمونها، أو تعطيلها عن مجال
عملها، تالله إنها لشبهة أوهى من بيت العنكبوت يُغني
فسادها عن إفسادها. ا. هـ. (عودة الحجاب [6/377])
الموضوع : غض البصر المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ابراهيم كمال توقيع العضو/ه:ابراهيم كمال |
|