إن حياة كل زوج مكملة
للآخر ، وهما شيء واحد في فكرهما وهمومهما وتطلعاتهما ، بل لقد أسعدنا
المولى عز وجل إذ أكرمنا وبشَّرنا بأن يجمعنا في الآخرة في درجة الأعلى
منَّا ( وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ
أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ( الطور / 21 ) . يقول الأستاذ سيد
قطب رحمه الله ( في ظلال القرآن / البقرة : 187) : " فهي صلة النفس بالنفس ،
وهي صلة السكن والقرار ، وهي صلة المودة والرحمة ، وهي صلة الستر والتجمل .
وإن الإنسان ليحس في الألفاظ ذاتها حنواً ورفقاً ، ويستروح من خلالها
نداوة وظلاً . وإنها لتعبير كامل عن حقيقة الصلة التي يفترضها الإسلام لذلك
الرباط الإنساني الرفيق الوثيق ) .
4-العلاقة الزوجية علاقة وثِّقت
بأقوى رباط ، لقد تمت باسم الله ورعايته وتحت شريعته ، ولذا فإن المحافظة
على هذا الرباط وبناء قواعد متينة ليستقر عليها من أهم المهمات ، ومن هذه
القواعد التي يجب أن يتعامل الزوجان من خلالها ما يلي :
= الصدق : فإن
أريد لهذا البناء الاستقرار والبعد عن الاختلاف والمشكلات فلابد أن يكون
الصدق محور التعامل والتعارف بين الزوجين ، فلا ينبغي أن يَظْهَر أحد
الزوجين للآخر بصورة خلاف ما هو عليه ، سواء أكان ذلك بصفته الخَلْقِيَّة
أم الخُلُقِيَّة ، وكذلك الشأن خلال معيشتهما اليومية .
= التواصل :
وهذا من أهم المهارات التي تحافظ على بقاء هذا البناء ، فكم من الأزواج أو
الزوجات من يشتكون من أنه لا تفاعل بينهم والطرف الآخر ، ولا تعامل معه ،
ولا لغة مشتركة تجمعهما ببعض ، فلا أهداف مشتركة ولا هموم مشتركة ولا أسلوب
في التربية مشترك ؛ ولذا فإن النتيجة : انهيار سريع .
= العاطفة : وهي
وقود الحياة الزوجية ومحور عقدها وسبب وجودها ، إذا ما أُشبع خلف وراءه
سعادة وطمأنينة ، وإذا لم يشبع فسيترك شعورا بالتعاسة والإحباط ، وحين يشعر
أحد الزوجين بجوع عاطفي فإنه حتماً ما لم يحفظه الله سيبحث عمن يغذيه
عاطفياً خارج بيت الزوجية وهنا تكون الانتكاسة ، ولذا لابد أن تقوَّى هذه
العاطفة بين الزوجين لفظاً وفعلاً ومشاعر .
= القبول : فمن الواجب أن
يقبل كل زوج زوجه بواقعه ، يقبله كله ، فلا تبعيض هنا ، وإن كان هناك نقص
في فِكر أو سلوك أو مهارات ؛ فلْيُعِنْ أحد الطرفين الآخر على إكمال جزئه
الآخر ، وليكن ذلك بصورة تكاملية وتعاونية بينهما .
= التسامح : فليس
لدينا أحد يتصف بصفات الكمال ، و " كل ابن آدم خطاء " ولا يمكن أن تستقيم
حياة يَحس أحد أطرافها أنه محاسب على كل شاردة وواردة يقوم بها ، ولذا
فالتسامح الممهور بالحب والتوجيه اللطيف علامة صحة المسار بين الزوجين .
=
الاحترام : الزوج أو الزوجة كتلة مشاعر ترغب إلى من يتعامل معها باحترام
لكيانها وأفكارها بل ولكل من ينتمي إليها كوالديها مثلاً ، ولذا فالمفردات
المُحَقِّرة ، والألفاظ الفاحشة ، والتجاهل السلبي ، والعقاب البدني
اللامعقول كلها عقبات لحياة زوجية سعيدة ، وأما اعتماد لغة الحوار
والمناقشة والاستماع واحترام الاختلاف في الرأي ومحاولة الوصول لنقاط
مشتركة سيؤدي ذلك لحياة أسرية سعيدة .
5- لابد أن يذكر كل زوج للآخر ما
يضايقه من أسلوب الآخر أو طريقة تعامله معه وما يحبه ، على أن يكون ذلك
بطريقة مباشرة ، وبصورة مبكرة ، حتى لا يؤدي ذلك إلى رواسب يستحيل حينها
تحملها أو علاجها .
روي أن شريحا القاضي قابل الشعبي يوما، فسأله الشعبي
عن حاله في بيته، فقال له : من عشرين عاما لم أر ما يغضبني من أهلي، قال
له: وكيف ذلك؟ قال شريح: من أول ليلة دخلت على امرأتي، رأيت فيها حسنا
فتانا، وجمالاً نادرا،- قلت في نفسي: فلأطهر وأصلي ركعتين شكرا لله، فلما
سَلَّمْتُ وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، فلما خلا البيت من
الأصحاب والأصدقاء؛ قمت إليها، فمددت يدي نحوها، فقالت: على رسلك يا أبا
أمية، كما أنت، ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله،
إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره
فأتركه، وقالت: إنه كان في قومك من تتزوجه من نسائكم، وفي قومي من الرجال
من هو كفء لي، ولكن إذا قضى الله أمرا كان مفعولا، وقد ملكت؟ فاصنع ما أمرك
به الله، إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي
ولك.
قال شريح: فأحوجتني- والله يا شعبي- إلى الخطبة في الموضع، فقلت:
الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على النبي وآله وأسلم، وبعد... فإنك قلت
كلاما إن ثبت عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وكذا،
وأكره كذا وكذا، وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها.
فقالت:
كيف محبتك لزيارة أهلي؟ قلت : ما أحب أن يملني أصهاري، فقالت: فمن تحب من
جيرانك أن يدخل دارك فآذن له، ومن تكره فأكره؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون،
وبنو فلان قوم سوء.
قال شريح: فبت معها بأنعم ليلة، وعشت معها حولاً لا
أرى إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء، فإذا بفلانة في
البيت، قلت: من هي؟ قالوا: ختنك- أي أم زوجة- فالتفتت إلي، وسألتني: كيف
رأيت زوجتك؟- قلت: خير زوجة، قالت: يا أبا أمية إن المرأة لا تكون أسوأ
حالاً منها في حالين: إذا ولدت غلاما، أو حظيت عند زوجها، فوالله ما حاز
الرجال في بيوتهم شرا من المرأة المدللة، فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت
أن تهذب، فمكثت معي عشرين عاما لم أعقب عليها في شيء إلا مرة، وكنت لها
ظالما.
6- "إفشاء الأسرار " من أخطر مسببات الخلافات الزوجية ،
والمحافظة على هذه الأسرار أمانة في عنق كلٍ من الزوجين ، ويجب ألا تكون
هذه الأسرار ميداناً خصباً للحديث بين الأصحاب ، وخصوصاً الأسرار المتعلقة
بالعلاقة الخاصة أو خصوصيات الأسرة أو الخلافات التي تحصل بين الزوجين ،
وهذه يجب ألا تُذكر إلا إن كان لذلك حاجة ماسَّة لشخصية يُطلب منها النصح ،
وفي أضيق الحدود ، فالغالب هو أن ضرر إبداء هذه الأسرار أكثر من نفعها .
7-
الخلافات الزوجية مسائل عَرَضِيَّة وطبيعية وتنتهي بسرعة إذا أحْسَنَّا
التعامل معها ؛ إذ أن الأصل هو ( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً
) ( الروم : 21 ) فالحب والعلاقة الحميمة بين الزوجين ، والاحترام
المتبادل ، هو الأصل ، لذا فمن الأهمية أحياناً تأجيل المناقشة في مسألة
الخلاف إلى وقت يرى فيه الزوجان أنهما قد هدأت نفسيهما ، مع البعد عن
مؤشرات التسخط ، والتجاوز إلى مسائل أخرى في الحياة اليومية ؛ فإن ذلك
وسيلة من وسائل تجاوز المطبات الخلافية إلى سعة الحياة اليومية .
8-
ينبغي ألا يبادر إلى حل الخلاف وأحد الزوجين أو كلاهما مغضب , وإنما يتريث
حتى تهدأ النفوس ، لأن النتائج في مثل هذه الأحوال كثيراً ما تكون سلبية ،
بل ومدعاة إلى سلبيات أخرى ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (علموا ويسروا
ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وإذا غضب أحدكم فليسكت ) ( صحيح الجامع :
4027 ) .
خذي العفو مني تستديمي مـودتي ولا تنطقي في ثورتي حين أغضب
ولا
تـنقريـني نقرك الـدف مرة فإنك لا تدرين كيف الـمغيب
ولا تكثري الشكوى
فتذهب بالهوى ويأباك قلبـي والـقلوب تقلب
فإني رأيت الـحب في القلب
والأذى إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
الموضوع : اختلفا أيها الزوجان . . ولكن !! المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya