الحمد لله وكفى
وسلام على عباده الذين اصطفي أما بعد
قضية اتباع السنن من
القضايا الهامة التي يلزم كل مسلم معرفتها ، لأن عدم العلم بها يجر إلى
الوقوع في التشبه بأمم الكفر والباطل واتباعهم في كثير مما ينبغى البراءة
منه , وهذا يضر بدين العبد ضررا بالغا قد يصل إلى الكفر والعياذ بالله ,
وأقل ذلك الضرر هو التشبه بقوم إما ضالين أو مغضوب عليهم , أو دون ذلك
وأرذل من ملاحدة أو علمانيين ، لهذا وغيره من الأمور الشرعية أردت بيان هذه
القضية في مقال مختصر يقرب القضية ويبصر بها ويبين المطلوب من المسلم في
ذلك , فأقول وبالله تعالى التوفيق:
* في الحديث عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ
وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ
قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ" [
البخارى.. ك.. أحاديث النبياء]
* وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم
"لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. شِبْراً بِشِبْرٍ،
وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ. حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبَ
لاَتّبَعْتُمُوهُمْ" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ آلْيَهُودُ
وَالنّصَارَىَ؟ قَالَ "فَمَنْ؟".[البخارى..ك..الاعتصام.. ومسلم
..ك..العلم.. باب اتباع سنن اليهود والنصارى].
* وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ
وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَفَارِسَ وَالرُّومِ
فَقَالَ وَمَنْ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِك" [البخارى..ك..الاعتصام]
* وفي رواية ابى واقد الليثي عند
الترمذى – " وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنّ سُنّةّ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ"...عند الترمذى ...وعند أحمد.." وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِثْلًا بِمِثْل"....( بالضم
والمشهور في معظم الروايات بالفتح....قال ابن حجر في الفتح: قوله:
"لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ" بفتح السين للأكثر. وقال ابن التين قرأناه
بضمها..... وقال المهلب بالفتح أولى لأنه الذي يستعمل فيه الذراع والشبر
وهو الطريق.).
* معنى السنن:والسُّنَّة: الطريقة، والسَّنن أَيضاً
سُبل ومناهج وعادات.... والسُّنَّةُ الطريقة المحمودة المستقيمة، ولذلك
قيل: فلان من أَهل السُّنَّة؛ معناه من أَهل الطريقة المستقيمة المحمودة،
وهي مأْخوذة من السَّنَنِ وهو الطريق... وسَنَن الطريق وسُنَنُه وسِنَنُه
وسُنُنُه: نَهْجُه... فالسنن: جمع سُنة، والأصلُ فيها الطريقة والسِّيرة.
وإذا أُطْلِقَت في الشَّرع فإنما يُرادُ بها ما أمَرَ به النبي صلى اللّه
عليه وسلم ونهى عنه ونَدَب إليه قولا وفِعْلا، مما لم يَنْطق به الكِتابُ
العزيزُ. ولهذا يقال في أدِلَّة الشَّرع الكِتابُ والسُّنَّة، أي القرآن
والحديث وسنة النبي: طريقته التي كان يتحراها، وسنة الله تعالى: قد تقال
لطريقة حكمته، وطريقة طاعته، نحو: {سنة الله التي قد
خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} (الفتح/23)، {ولن تجد لسنة الله تحويلا} (فاطر/43)، فهو تنبيه
بأن فروع الشرائع - وإن اختلفت صورها - فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا
يتبدل، وهو تطهير النفس، وترشيحها للوصول إلى ثواب الله تعالى وجواره.
* معنى اتباع
السنن:جاء في الروايات السابقة : ألفاظ "لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ"..."
لَتَرْكَبُنّ سُنّةّ"..." لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ"
..." تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ
قَبْلَهَا"...وهذه الألفاظ بمجموعها تدل على المراد شرعا باتباع السَنن
بحيث يمكن أن نقرب المعنى فنقول:
أخبر الرسول بما يكون من أمته بعده من اتباع سبل ومناهج وعادات
أمم الكفر في الأرض،سواء كانوا متمثلين في أهل الكتاب من اليهود والنصارى ,
لأنهم كانوا المشهورين بالديانات السماوية , أو في فارس والروم , لكونهم
كانوا إذ ذاك أكبر ملوك الأرض وأكثرهم رعية وأوسعهم بلادا , والناس إنما
يقلِدون من كان هذا حاله، وليس المراد الحصر , فما هى إلا أمثلة وأسماء وإن
تغيرت أو تسمت بأسماء أخر , وهذا يظهر في قوله ( لا تقوم الساعة حتى تأخذ
أمتي بأخذ القرون قبلها ) والأخذ هو السيرة , يقال أخذ فلان بأخذ فلان أي
سار بسيرته , والمعنى تسير بسيرة الأمم قبلها , سواء في دينها , كاليهود
والنصارى , أو في دنياها, كفارس والروم , فحيث قال فارس والروم كان هناك
قرينة تتعلق بالحكم بين الناس وسياسة الرعية، وحيث قيل اليهود والنصارى كان
هناك قرينة تتعلق بأمور الديانات أصولها وفروعها، وهكذا فنحن نشاهد تقليد
أجيال الأمة لأمم الكفر في الأرض، فيما هي عليه من أخلاق ذميمة وبدع محدثة
وعادات فاسدة، تفوح منها رائحة النتن، وتمرغ أنف الإنسانية في مستنقع من
وحل الرذيلة والإثم، وتنذر بشر مستطير , ثم إن هذا الإتباع ليس هامشى أو
عرضى بل هو اتباع دقيق لاتفوتهم منه فائتة , عبر عنه الصادق المصدوق الذى
لا ينطق عن الهوى بقوله: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا
بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ
لَسَلَكْتُمُوهُ"....وفي لفظ " لو دخلوا"..."لدخلتموه"...
الموضوع : إتباعُ السَّنن المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya