الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله
أن رجلا كان قبلكم ، رغسه الله مالا ، فقال لبنيه لما حضر :
أي أب كنت لكم ؟ قالوا : خير أب ، قال : فإني لم أعمل خيرا قط ، فإذا مت
فأحرقوني ، ثم اسحقوني ، ثم ذروني في يوم عاصف ، ففعلوا ، فجمعه الله عز
وجل فقال : ما حملك ؟ قال : مخافتك ، فتلقاه برحمته
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: البخاري - المصدر:
صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3478
خلاصة
الدرجة: [صحيح
وفي رواية:
إن
رجلا كان قبلكم ، رغسه الله مالا ، فقال لبنيه لما حضر : أي أب كنت لكم ؟
قالوا : خير أب ، قال : إني لم أعمل خيرا قط ، فإذا مت فاحرقوني ، ثم
اسحقوني ، ثم ذروني في يوم عاصف ، ففعلوا ، فجمعه الله ، فقال : ما حملك ؟
قال : مخافتك ؛ فتلقاه برحمته
الراوي: أبو
سعيد الخدري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم:
2077
خلاصة الدرجة: صحيح
معاني المفردات
واذروا نصفه : أي ارموا نصفه، يُقال : اذرت الريح الشيء إذا فرقته
بهبوبها.
لم يبتئر عند الله خيرا : أي لم يدخر
عملاً ينفعه في آخرته.
رغسه الله مالا : رزقه الله مالاً وفيراً
تفاصيل القصّة
في يومٍ عاصف، وجوِّ شديد الحرارة،
تقدّمت جنازةٌ مهيبة محمولة على الأكتاف، والذي باشر حملها وسار على إثرها
هم ذريّة الميّت وأولاده، وقد ألقى الحزن بظلاله على الجميع.
وكان
من المتوقّع مع المشاعر الصادقة والأحاسيس المخلصة التي أبداها الحضور، أن
يتمّ دفن الميّت وإكرامه في مثواه، لكننا نفاجأ بأنهم كانوا يتوجّهون
بالجنازة إلى أتونٍ مشتعلٍ فيقذفونها فيه، لتلتهمها النيران وتحيلها إلى
جثّة متفحّمة ، وبعد ذلك قاموا بأخذ ما بقي من الرّفات وسحقه حتى صار
رماداً، ثم أخذوا هذا الرماد فرموا نصفه في البرّ، والنصف الآخر في البحر.
والمفارقة
التي تثير العجب هنا، أن الحاضرين الذين باشروا هذا العمل القاسي في
ظاهره، كانوا يرونه قمّة البرِّ والوفاءلصاحبه، ولم تخالج نفوسهم قطّ مشاعر
الندم وتأنيب الضمير، وهنا يحقّ لنا أن نتساءل : ما الذي دفعهم إلى فعل
ذلك ؟ وكيف برّروا لأنفسهم أن يُقدموا على فعلتهم الشنيعة ؟ ولماذا
اختارواهذه
الكيفيّة العجيبة في التعامل مع تلك
الجنازة ؟ .
أسئلة كثيرة وأسرارٌ عجيبة، لن نعلم
جوابها أو نكشف ملابساتها إلا بالرجوع إلى أصل الحادثة، المرويّة عن رسول
الله– صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي صحّ عنه .
ومبدأ
القصّة أن رجلاً ممن كان قبلنا، أنعم الله عليه بالمال الوفير، وبدلاً من
شكر هذه النعمة واستخدامها فيما يُرضيه عزّ وجل، جعل يبعثرها في شهوات نفسه
ورغبات أهوائه، حتى لم يترك باباً من أبواب المعاصي إلا ولجه، فكانت صفحات
حياته سوداء مظلمة ليس فيها بارق خير.
وتمرّ الأيام وتتعاقب السنون، والرجل سادرٌ في غيّه وطغيانه،
وعندما أوشكت النهاية، استعرض الرّجل حياته، فلم يجد فيها ما يسرّ الحال،
فدبّ الخوف في نفسه، واستعظم أن يقابل الله جلّ وعلا بهذا الكمّ الهائل من
الذنوب، وتفكّر فيما ينتظره من أهوال القيامة
وشدائدها، وعذاب النار وسعيرها.
وظلّ الرّجل
يؤرّقه هذا الخاطر، ويفكّر في طريق الخلاص، حتى اهتدى إلى فكرة عجيبة، ما
أن استقرّ عليها حتى جمع أولاده بين يديه، ثم قال لهم : ( أيُّ أبٍ كنت لكم
؟ ) فقالوا : ( خير أب ) ، عندها ألقى عليهم وصيّته الأخيرة : ( إذا أنا
مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح ) ، وجاء في رواية أخرى للحديث
قوله : ( ثم اذروا نصفي في البحر ونصفي في البرّ؛ فإني لم أعمل خيراً قط ) .
ونسي
الرّجل في غمرة خوفه أن الذي خلق السماوات والأرض، وما فيهما من النجوم
والكواكب، والدوابّ والخلائق، لن يعجزه أن يعيد واحداً من عباده إلى سيرته
الأولى، ولو تفرّق رفاته في الهواء.
وكذلك كان
الحال، وبكلمة (كن) عاد الرّجل كما كان، فسأله ربّه عزّ وجل : ( ما حملك
على الذي صنعت ؟ ) .
لم يكن
السؤال متعلّقاً بمعاصيه السابقة وذنوبه الفائته، إنما توجّه إلى وصيّته
التي أوصى بها قبل موته، ويأتي جوابه : ( خشيتك وأنت أعلم )!!!
ليدلّ على أن الخوف قد ملك على الرّجل قلبه فأعماه عن إدراك
حدود قدرة الله المطلقة وإرادته الشاملة، ونظراً إلى ما قام في قلبه من
التعظيم والهيبة تجاوز الله عنه فغفر له .
الموضوع : لم يعمل خيراً قــــطّ !! (حديث وقصة) المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya