أ-
فرض عين: يتوجب على كل مسلم طلبه،
وهو ما لابد لكل مسلم من معرفته:
لتسلم عقيدته، وتصح
عبادته
وتستقيم معاملته على وفق شرع الله عز وجل. وهو المراد بقوله صلى
الله عليه
وسلم: " طلبُ العلم فريضةٌ على كلِّ
مسلم " رواه
ابن ماجه. أي: ذكراً كان أو أنثى .
ب-
فرض كفاية: يتوجب على المسلمين بمجموعهم تحصيله، فإذا قام به بعضهم
سقط
الطلب عن الباقين، وإن لم يقم به أحد أثم الجميع، وهو التوسع في
علوم
الشريعة درساً وحفظاً وبحثاً، والتخصص في كل علم تحتاج إليه
الجماعة
المسلمة من علوم كونية، لتحفظ كيانها، وتقيم دعائم دولة الحق
والعدل على
الأرض قوية متينة، مهيبة الجانب.
وإنما يرث العلم النبوي
العلماء
العاملون المخلصون:
" إن
الأنبياء لم يورثوا
درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم "
رواه الترمذي
وغيره. فهم علائم
الحق
ومنارات الهدى التي تهتدي بها الأمة في مسالك حياتها، وتقتدي بهم
وتسير
وراءهم في شدائدها وأزماتها.
فما دام العلم باقياً في الأمة
فالناس في
هدى وخير، وحضارة ورقي، واستقامة وعدل. وإنما يبقى العلم ببقاء
حَمَلَته
العلماء، فإذا ذهب العلماء وفُقِدوا من بين ظهرانَي الناس اختلت
الأمور،
وانحرفت الأمة عن الجادة القويمة، وسلكت مسالك الضلال، وانحدرت في
مهاوي
الرذيلة والفساد، وألقت بنفسها إلى الضياع والدمار. وصدق رسول الله
صلى
الله عليه وسلم إذيقول: " إن الله لا يقبض العلم
انتزاعاً
ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم
يُبْقِ
عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا
وأضلوا
" متفق عليه.
11-
التحذير من ترك
العمل بالعلم: علمنا أن العلماء هم منار الهدى في الأمة،
فإذا فقدوا
ضلت الأمة طريقها السوي، والأشد سوءاً من فقد العلماء أن ينحرف
هؤلاء
عن الطريق التي أمرهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بسلوكها،
فلا يعلموا بعلمهم الذي ورثوه عن الجناب النبوي، فيخالف فعلهم قولهم،
ويكونوا
قدوة سيئة للأمة في معصية الله عز وجل وترك طاعته.
قال صلى الله
عليه
وسلم: " لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم
أفناه،
وعن علمه فيم عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه
فيم
أبلاه " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح .
12-
نشر العلم: لقد حث الإسلام على تعلم العلم وتعليمه،
قال تعالى:{ فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ
مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ
إِذَا رَجَعُوا
إِلَيْهِمْ} [التوبة: 122].
وقال صلى الله عليه
وسلم:
" نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه،
فرب مبلَّغ أوعى من سامع" رواه الترمذي وغيره.
وخير عمل يقوم
به
المسلم وينمو له أجره وثوابه عند ربه حتى بعد موته: أن يعلم الناس العلم
الذي أكرمه الله تعالى به ومَنَّ عليه بتحصيله. قال عليه الصلاة والسلام: "
إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة
جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له "
رواه مسلم وغيره.
13- الإخلاص في طلب العلم وترك المباهاة والمباراة به:
على
طالب العلم والعالم أن يخلص في طلبه وعلمه لله تعالى، ولا يقصد من ذلك
إلا
حفظ دينه وتعليمه للناس ونفعهم به، فلا يكون غرضه من تعلم العلم
وتعليمه
نيل منصب أو مال أو سمعة أو جاه، أو ليقال عنه إنه عالم، أو
ليتعالى
بعلمه على خلق الله عز وجل، ويجادل به أقرانه ويباريهم، فكل ذلك
مذموم
يحبط عمله، ويوقعه في سخط الله تبارك وتعالى.
وروى الترمذي
وغيره: "
من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، ويصرف به
وجوه
الناس إليه، أدخله الله النار" .
14-
" لا أدري"
نصف العلم: من علائم الإخلاص في طلب العلم وتعليمه أن لا يأنف
طالب
العلم من أن يقول: لا أدري، فيما لا علم له به، وكثيراً ما كان
العلماء
يسأل أحدهم عن عديد من المسائل، فيجيب عن بعضها بما يعلم، ويجيب عن
أكثرها بلا أدري، حتى قيل: لا أدري نصف العلم، لأنها علامة على أن قائلها
متثبت
مما يقول.
15- ذكر الله عز وجل: إن
ذكر الله
عز وجل من أعظم العبادات، وذلك أن ذكر الله عز وجل يحمل الإنسان
على
التزام شرعه في كل شأن من شؤونه، ويشعره برقابة الله تعالى عليه فيكون
له
رقيب من نفسه، فيستقيم سلوكه ويصلح حاله مع الله تعالى ومع الخلق، ولذا
أُمِر
المسلم بذكر الله تبارك تعالى في كل أحيانه وأحواله، قال سبحانه:
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ
بُكْرَةً
وَأَصِيلا} [الأحزاب: 41-42]. أي صباحاً ومساءً، والمراد:
في
كل الأوقات.
16- خير ذكر كتاب الله
تعالى: وخير
ما يذكر به الله عز وجل كلامه المنزل على المصطفى صلى الله
عليه وسلم
لما فيه-إلى جانب الذكر- من بيان لشرع الله تعالى، وما يجب على
المسلم
التزامه، وما ينبغي عليه اجتنابه.
17-
عمارة
المساجد: وخير الأماكن لذكر الله عز وجل وتلاوة القرآن وتعلم العلم
إنما
هي المساجد بيوت الله سبحانه، يعمرها في أرضه المؤمنون، وعمارتها
الحقيقية
إنما تكون بالعلم والذكر إلى جانب العبادة من صلاة واعتكاف
ونحوها،
قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ
تُرْفَعَ
وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ
وَالآصَالِ
* رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ
اللَّهِ
وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا
تَتَقَلَّبُ
فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ
أَحْسَنَ
مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ
مَنْ
يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[النور: 36-38].
18-
عبادة منفردة وشافع مشفع: فتلاوة القرآن بذاتها
عبادة مأمور بها،
ويثاب عليها المسلم، وتكون وسيلة لنجاته يوم القيامة ونيل
مرضاة ربه جل
وعلا، حيث يشفع القرآن لتاليه عند ربه.
وروى مسلم عن
أبي أمامة
الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: "
اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً
لأصحابه
".
ولا
يقل فضل السماع للقرآن عن فضل تلاوته، بل
إن الاستماع والإنصات
لقراءته سبب لنيل مغفرة الله تعالى ورحمته.
وروى الأمام
أحمد في
مسنده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" من
استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن
تلاها كانت له
نوراً يوم القيامة ".
19-
نور على
نور: ويزداد الأجر ويعظم الثواب ويكثر الفضل إذا ضم إلى التلاوة
والاستماع
والفهم والتدبير والخشوع، فيجتمع نور على نور، ومكرمة إلى مكرمة.
قال
الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ
مُبَارَكٌ
لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}
[ ص: 29] .
20- "نزلت عليهم السكينة":وبهذه السكينة يطمئن القلب،
وتهدأ النفس، وينشرح الصدر، ويستقر البال والفكر، وقال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ
أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [ الرعد: 28].
والخسارة كل
الخسارة
لأولئك الذين خوت قلوبهم فغفلوا عن الله تعالى وذكره، فعاشوا في
مقت
وكرب وضياع في دنياهم، وكان لهم الهلاك والخلود في جهنم في أخراهم، قال
تعالى:
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ
مَعِيشَةً
ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:
124].
وقال سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ
قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ
أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}
[الزمر:22] .
21-
"غشيتهم الرحمة": فطوبى لهؤلاء الذين قربت منهم
الرحمة فكانت تلاوتهم لكتاب
الله عز وجل ومدارستهم له عنواناً على أنهم من
المحسنين: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ}
[الأعراف: 56].
22-
"حفتهم الملائكة":
فلما كثر
القارئون كثرت الملائكة حتى تُحيط بهم من
كل جانب . ولعل خير ثمرة لهذه المكرمة
أن يكون هؤلاء الملائكة سفراء بين
عباد الرحمن هؤلاء وبين خالقهم جل
وعلا، يرفعون إليه سبحانه ما يقوم به
هؤلاء المؤمنون من ذكر الله عز
وجل ومدارسة لكتابه، وما انطوت عليه نفوسهم
من رغبة في نعيم الله عز
وجل ورضوانه، ورهبة من سخطه وإشفاق من عقابه،
فيكون ذلك سبباً للمغفرة،
وباباً للفوز والنجاة.
روى البخاري ومسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: "إن لله ملائكة
يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإن وجدوا
قوماً يذكرون الله
تنادوا: هلموا إلى حاجتكم. قال: فيحفّونهم بأجنحتهم إلى
السماء الدنيا.
قال: فيسألهم ربهم -وهو أعلم منهم-: ما يقول عبادي؟ قال:
تقول:
يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال:
فيقولون:
لا والله ما رأوك. قال: فيقول: وكيف لو رأوني ؟ قال: يقولون: لو
رأوك
كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً وأكثر تسبيحاً. قال: يقول: فما
يسألونني
؟ قال: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها ؟ قال: يقولون: لا
والله
يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها ؟ قال: يقولون لو
أنهم
رأوها كانوا أشد حرصاً عليها وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة. قال:
فمم
يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون:
لا
والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها
كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافة. قال فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت
لهم.
قال يقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة؟ قال:
هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم ".
د- "ذكَرَهم الله فيمن
عنده":
قال عز وجل: {فاذكُروني أذكرْكم واشكُروا لي
ولا
تَكْفرون} [ البقرة: 152]. فإذا ذكر العبد المؤمن ربه،
بتلاوة كتابه
وسماع آياته، قابله الله عز وجل على فعله من جنسه فذكره
سبحانه في عليائه،
وشتان ما بين الذاكرين، ففي ذكر الله تعالى لعبده
الرفعة، والمغفرة
والرحمة، والقبول والرضوان.
وخلاصة القول: لقد ربحت
تجارة
هؤلاء الذين أقبلوا على كتاب الله عز وجل تلاوة ودرساً وتعلماً
وعملاً
والتزاماً، وصدق الله العظيم إذ يقول: {إِنَّ
الَّذِينَ
يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ
وَأَنْفَقُوا مِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ
تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ *
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ
مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ
شَكُورٌ} [فاطر: 29-30].
إنسانية
الإسلام وعدالته:
التقوى والعمل الصالح طريق الوصول إلى الله عز وجل:
لقد قرر الإسلام وحدة
الإنسانية، ورسخ المساواة بين أفراد البشرية من
حيث المولد، فالجميع
مخلوقون من نفس واحدة، ولا فرق بين أبيض وأسود،
ولا فضل لعربي على أعجمي،
ولا امتياز لشريف على وضيع في أصل الخلقة
والمنشأ: {يَاأَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً}
[النساء: 1].
وكانت العدالة الإلهية في الإسلام حيث جعل التفاضل بين الناس
بالعمل
الصالح، وطريق القرب من الله تعالى تقواه، دون النظر إلى من انحدر
من
الآباء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ
مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
خَبِيرٌ}
[الحجرات: 13]. فلا يضير الإنسان عند الله عز وجل ضعة
نسبه، فإن الله
تعالى رتب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب.
ولذا نجد
القرآن الكريم
يحذر الناس من أن يعتمدوا على الأنساب، فيأمر النبيَّ أن
يبدأ بتبليغ
أهله فيقول له :{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ
الأَقْرَبِينَ}
[الشعراء:214] ،ونجد المصطفى صلى الله عليه وسلم
ينادي فيقول:" يا فاطمة بنت محمد- صلى الله عليه وسلم -
سليني ما شئت
من مالي، لا أغني عنك من الله شيئاً " متفق عليه.
ولاية الإيمان
والعمل،
لا ولاية الدم والنسب: لقد كان الناس يتناصرون ويتولى بعضهم بعضاً
بالعصبية
والقرابة النسبية فجاء الإسلام وجعل الصلة هي صلة الإيمان،
والولاية
هي ولاية الدين والعمل، {وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
وَيُؤْتُونَ
الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ
سَيَرْحَمُهُمْ
اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:
71] .
الموضوع : إبحار فى حديث عظيم { من نفس عن مؤمن كربة .... ) المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya