El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رمضان موسم التغيير الأحد 15 أغسطس 2010 - 22:22 | |
| رمضان موسم التغيير عندما نتأمل في هذه الفريضة بكل ما فيها من أركان وشروط صحتها ومن آداب وخصائص كمالها نرى : كم هي الفرصة عظيمة وكم هي الغنيمة ميسورة ، وكم ينبغي لنا أن يكون لنا من شهرنا وفريضتنا ما يكون له أثر ممتد وتغيير حقيقي ، لا مجرد سحابة صيف عابرة أو تغييرات شكلية ظاهرة ؛ لأن الحق جل وعلا ربط هذا بسنته الماضية فقال سبحانه وتعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ الرعد: من الآية11]. فرصة التغيير في رمضان عظيمة من وجوه عدة : أولا: أطول مدة يتوالى فيها التغيير ويستمر على مدى شهر كامل ثلاثين يوماً بلياليها . ثانياً: تغيير يتناول الإنسان في أعماقه وباطنه وداخله تغيرا في إخلاصه وإيمانه ، مراقبته تغير فيما يؤمله من ثواب الله في أمور يبذلها ، وأعمال يجد فيها تغير فيما يحصل له من طهارة قلب ، وزكاة نفس .. كما أنه كذلك تغير في الظاهر بأعماله وجوارحه .. ألا ترى كيف يغض البصر ، ويكفّ اللسان ، ويمنع الأذى ! ثم هو أيضا تغيير من جهة ثالثة: لا يقتصر على الفرد نفسه أو عليه وحده ! بل هو يعم الأمة كلها فليس المتغير أو المغير منفرداً يشعر بوحشة أو غربة ، بل كل الأمة في مجموعها تعلن تغييرها امتثالا لأمر ربها ، بل وتبدل نظام حياتها كله استجابة لهذه الفريضة والشريعة . ثم من جهة رابعة: نرى هذا التغيير كيف يكون متسقاً وشاملاً ؛ حتى لأمور الحياة الاعتيادية من طعام وشراب ومنام ، ونقول هنا : إن لم يخرج المسلم من هذه المدرسة التي فيها هذا العمق في التغيير بتغيير حقيقي يبقى دائما أثره في نفسه ، ويحوله من حال إلى حال ؛ فإن ذلك دليل ضعف وآية عجز ، بل ربما تكون سببا من أسباب النظر إلى أدائنا للعبادات ، ومعرفتنا بحقائقها ، وإدراكنا لمقاصدها ، وتحققنا بمضامينها الإيمانية والتربوية . ولذلك نقف هذه الوقفات مع التغيير الذي يحصل لنا في واقع هذا الشهر الكريم والعبادة العظيمة ؛ لنرى كيف كنا من قبل وهل سنعود من بعد إلى ما كنا عليه من قبل .. لنرى كيف يمكن أن يكون هذا الموسم الرباني الإيماني العبادي الوحدوي الاجتماعي طريقاً عظيماً ، وسبباً موصلاً إلى التعرض لسنة الله بتغيير أحوال الأمة أفراداً ومجتمعاً لتتعرض حينئذ لرحمة الله ، ولتستحق حينئذ تنزل نصر الله ، وليكون لها ارتباط بدين الله ، وتوحّد على شرع الله ، وقدرة على مواجهة أعداء الله عز وجل ؛ فإننا في هذا الزمان نشعر بضعف الفرقة وبذلة البعد عن دين الله سبحانه وتعالى وبالهوان على الناس من أثر هذا البعد عن منهج الله سبحانه وتعالى .. لننظر إليك - أيها الصائم - لتنظر إلى نفسك أيضا ، وتتأمل في هذه الصور التغييرية : أولا: الصور التغييرية في نفس وقلب المؤمن . ألست اليوم أعظم إيمانا وأثبت يقينا ألست اليوم تستشعر معرفة الله سبحانه وتعالى على الوجع الأكمل والأصح والأتم .. ألست تدرك اليوم أنك أعظم خوفا من الله وأشد حياء منه ، وأكثر مراقبة له ، وأشد تحرياً في الإخلاص له . إن هذا المعنى الذي ينشئه هذا الصيام في النفس هو النموذج الذي ينبغي أن نرقى إليه هو تلك الوصية التي أوصى بها نبينا صلى الله عليه وسلم ابن عباس - وهو غلام صغير مازال في أول مقتبل عمره - ليعلمنا عليه الصلاة والسلام المهمات الكبرى ، والحقائق العظمى التي ينبغي أن نستحضرها في قلوبنا وعقولنا : ( يا بني إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ... تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) .. ألسنا اليوم نشعر أننا أقرب إلى حفظ الله عز وجل ، وأننا أكثر تعرفا إليه في رخائنا من أثر هذه العبادة والفريضة ! أليست القلوب أكثر حياة ، والنفوس أعظم شفافية ! أليس الإقبال على الخير عظيما ! أليس الخوف من الشر والمعصية كبيراً ! ألسنا نشعر بدفقات إيمانية وحياة روحية مختلفة ! أليس هذا التغيير نشعر بآثاره سكينة في نفوسنا ، طمأنينة في قلوبنا لذة ، وحلاوة في عباداتنا أنساً وتذوقاً لمناجاة ربنا .. ألسنا نشعر بذلك كله ألا نتوق حينئذ أن نجعل هذا التغيير حقيقياً يبقى في النفس ويغرس في القلب ! أليس ذلك إذا صدقنا فيه مع الله تحققت لنا كل وعود الله سبحانه وتعالى فتتحقق في قلوبنا الخشية بمعرفته.. { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [ فاطر: من الآية28]. وتتحقق لنا آثار معرفتنا بالله سبحانه وتعالى .. فمن كان بالله أعرف كان من الله أخوف ، ومن عرف الله صفا له العيش ، وطابت له لحياة ، وهابه كل شيء ، وذهب عنه خوف المخلوقين ، وأنس بالله سبحانه وتعالى .. ألسنا نرى ظلالاً من ذلك ، وآثاراً منه ! ألا نشعر بهذا الحياء الذي نستحييه من الله سبحانه وتعالى في شهرنا ، وصيامنا أن نجرحه ، وأن نخرق صومنا ، وأن نخرق ستر الله عز وجل لنا ، وهذا الصوم الذي أخبر عنه عليه الصلاة والسلام بأنه جنة ، وبأنه حصانة .. بأنه مناعة نمتنع بها عن مثل هذه المنكرات كما قال عليه الصلاة والسلام : ( استحيوا من الله حق الحياء ، قالوا: والله يا رسول الله إنا لنستحيي من الله ! قال: ليس ذاك ولكن الحياء أن تحفظ البطن والفرج - كما أخبر عليه الصلاة والسلام وكذلك قال في آخره - أن تذكر الموت والبلى ) رواه الترمذي بسند صحيح. عندما نتأمل هذه المعاني يفيض إلينا أيضاً معنى الإخلاص ، الذي أخبرنا الله عز وجل عنه في الحديث القدسي : ( إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) فنحن نتعود أن لا ننظر إلى الناس ، وأن لا نلتفت إليهم ، وأن لا نصيخ أسماعنا انتظارا لمدحهم ، وأن لا ننتظر شكرهم أو ثناءهم أو عطاءهم وإنما كل قلوبنا وكل جوارحنا وكل آمالنا وكل طموحاتنا معلقة بأن ننال رحمة الله ، وأن يمنّ الله علينا بقبول أعمالنا ، وأن يمنّ الله سبحانه وتعالى بمغفرة ذنوبنا .. أليس ذلك جديراً بأن نلتفت إلى تحقيق ذلك في سائر أحوالنا ، وفي كل أيام حياتنا .. فلا نكون - حينئذ - كما هي أحوالنا في غير ذلك ننظر يميناً ويساراً ، ونبحث عن ثناء هنا أو عن أجر هناك ، أو نعلق آمالنا بذاك أو بهذه الأحوال والأوضاع ، أو ترجف قلوبنا خوفاً من هذا العدو أو ذاك ، ولا نشعر بهذا التعلق الإيماني ! ولو نظرنا إلى جانب آخر - والجوانب كثيرة - وهو : جانب الاستقامة على الطاعة كيف أنت فيها أيها الصائم اليوم ؟ ألست اليوم مبادراً إلى بيوت الله تغذ الخطا إليها ! ألست تجد أثر ذلك وأنت تخف وترى في نفسك ميلاً ومحبة ؛ بل - وشوقا ولهفة - لذلك ! ألست تبادر إلى الصفوف الأولى ! ألست تكثر من النوافل والصلوات ! ألست تكثر من الذكر والتلاوات ! ألست تكثر من التضرع والدعوات ! ألست مستقيماً على أمر الله عز وجل ، حريصا على الإتيان بالأوامر واجتناب النواهي .. { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وأبشروا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } [ فصلت:30]. ألسنا نستشعر أننا نقرب من هذه الآية ، وكأننا نتأمل أو نرى أن في أحوالنا ما قد يعرضنا لنيل الوعد الذي وعد الله سبحانه وتعالى فيها بعدم الخوف ، وبعدم الحزن ، وباستحقاق الجنة بشارة من الله سبحانه وتعالى .. ألسنا نستحضر ذلك القول الجامع العظيم الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم سفيان بن عبد الله الثقفي ، يوم جاء يريد وصية واحدة من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يلخص له فيها أهم وكل ما يحتاج إليه في هذه الحياة فقال له : ( قل آمنت بالله ثم استقم ) . وذكرنا الأولى في هذه المعاني الإيمانية التي تنتاب نفوسنا وقلوبنا ( واستقم ) فنحن في هذا الشهر أعظم استقامة ، وأشد حرصاً على موافقة الأمر ، ومجانبة النهي .. وهذا كما هو معروف سر الأمن والأمان النفسي ، وسر السلامة البدنية والبركة الربانية التي تحلّ بالعبد إذا جاءته هذه الاستقامة في دنياه ، بل إن هذه الاستقامة هي على طريق الله عز وجل تفضي إلى الاستقامة على الصراط يوم القيامة .. ويربط ابن القيم ربطاً يعلق قلوبنا بهذا المعنى ، ويهيجنا للانتباه والالتفات إليه .. فيقول : " من هدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله ، وأنزل به كتبه هدي هناك - أي يوم القيامة - إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه ، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه لعباده في هذه الدار يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم ، فيكون سيره على ذاك الصراط .. ولينظر العبد للشهوات والشبهات التي تعيقه عن سيره ؛ فإنها الكلاليب التي بجنبي الصراط تتخطفه وتعوقه عن المرور عليه ؛ فإن كثرت هنا - يعني إن كثرت في الدنيا - وقويت فكذا هناك . . { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } [ فصلت: من الآية46]. " . أليس هذا جديرا بأن نلتفت إلى هذا المعنى العظيم والتقوى التي هي ثمرة الصيام باتقاء عذاب الله فعلا للمأمورات وتركا للمنهيات ذلك هو الذي يجعلنا أولياء لله لأنه سبحانه وتعالى قال في وصف الأولياء: { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } [ يونس:63 ]. ومرة أخرى يأتينا هذين المعنيين معنى الإيمان والحقائق الإيمانية في القلب والنفس ، ومعنى آثارها في استقامة السلوك ، وذلك ما نستشعره ونرى أثره في التغيير .. ثم انظر كذلك إلى معنى مهم آخر ذلك الصبر والمصابرة والمرابطة على طاعة الله ، وعن معصية الله عز وجل الصبر الذي نجزع في غير هذه الفريضة ، فلا نكاد نقوى على تحمل شيء مما يتعلق بالطاعات ، أو نبذل شيئا مما تحشرج به النفس ، أو يضيق به الصدر ، أو ربما لا نصبر عن تلك الشهوات والإغراءات .. نحن في هذا الشهر وهو شهر الصبر.. { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر: من الآية10] . قال أهل التفسير : " الصابرون الصائمون " ، إذا فهذا الصبر الذي نحن فيه هو صبر على طاعة الله ، وصبر عن محارم الله ، وصبر على بلاء الله ، وما تجري به أقدار الله .. إنه ثروة عظيمة ، وتغيير مهم .. إن كثيراً من أسباب ضعفنا هو قلة صبرنا ، وكثرة جزعنا .. نحن نريد مراتب عالية ، ونريد أعطيات ربانية ، ومنحاً إلهية دون أن يكون هناك شيء من جهد ولا عناء ولا مشقة ولا تحمل .. وذلك ما لا يتفق مع السنن العادية ؛ فضلا عن الربانية ! ولذلك نقول هذا الصبر الذي نتذرع به والذي نتدرع به كذلك في هذه الفريضة .. فنحن نرى نفوسنا به قوية ، ونرى أنها قد استقرت عليه وثبت فيها ، ينبغي أن يكون لنا منه أيضاً نصيب ؛ لننال كل ذلك الأجر العظيم الوارد في القرآن والسنة لهذا الصبر وثمراته : { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [ البقرة: 155, 156]. و ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ) ، وهذا حديث النبي عليه الصلاة والسلام في أمر يمر بنا كثيراً : ( واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيراً ، وأن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسراً ) رواه الإمام أحمد بسند صحيح. حديث عظيم عندما نصبر الآن في هذه الميادين صبراً ، لا نقول : إنه ليس عظيماً لكنه صبر يعلّم ويدرّب لما هو أعظم منه ، وكم هي المآسي والمشكلات والمصائب التي تحيط بأمتنا .. فلا تكاد تلقى يقيناً راسخاً ، ولا صدراً واسعاً ، ولا ثقة بالله عظيمة ، بل كثيراً ما يكون جزع وخوف ، وهلع واضطراب وحيرة وشك .. بل - وعياذاً بالله - ربما يبلغ الارتداد ونحو ذلك .. أليس من حصافة المؤمن أن ينظر إلى هذا الصبر الذي أفاء الله عز وجل عليه في الصوم ، فيجعله غنيمة له ؛ لأن الصبر لله غناء ، والصبر بالله بقاء ، والصبر في الله بلاء ، والصبر مع الله وفاء ، والصبر عن الله جفاء ، والصبر على الطلب عنوان الظفر ، والصبر في المحن عنوان الفرج .. ( وما أعطي أحد عطاء خير من الصبر ) كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم . ألا نرى صوراً كثيرة تتغير في واقعنا .. فإذا النفوس تسخوا فتمتد الأيدي بالبذل والإنفاق غير عابئة بشيء مما يلامس هذه النفوس من شح وبخل ! بل تنظر إلى أعظم الأجر وأجزل المثوبة التي تتأملها ، ولتنظر إلى رغبتها وأملها في الوقاية من عذاب الله ( فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة ) .. (من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل ) أليس هذا تغيراً واضحاً لا نراه في فرد بل نراه في مجموع الأمة ! أليست هذه هي أمة الإنفاق والتواصل َ أليست هي أمة التراحم والتكافل ! ما بالنا تغيب هذه الصور ، ثم تظهر كأنما هي موسم تجاري ، أو موسم إعلامي له مدة ثم تنتهي صلاحيته .. هل نحن لا نتحرك إلا بهذا فحسب ، وإن كانت حكمة الله ورحمته تحرك القلوب والنفوس والمشاعر بما يختص الله به عز وجل الأزمان زماناً دون زمان ، أو الأمكنة مكاناً دون مكان .. لكن ذلك ينبغي أن يبقى له أثره . ونحن نشعر كذلك بأمر مهم وهو : أمر المواساة وأمر التفقد والصلة وإحياء معاني الأخوة .. فهذا تغيير مهم الأمة اليوم في أمس الحاجة إليه وقد تقطعت الأواصر ، وجفت العلاقات ، وتنافرت القلوب ، واختلفت الآراء إلا من رحم الله .. أفلا نرى نحن اليوم كيف تمتد هذه الجسور ، وكيف تبنى هذه الصلات ، وكيف تتدفق تلك المشاعر .. وإذ بنا نشعر أننا أقرب ما نكون إلى أمة الإسلام الواحدة .. إلى أخوة الإسلام الجامعة .. إلى رابطة الإيمان الموثقة .. نحن نشعر بهذا اليوم في شهر رمضان مع فريضة الصيام أغنياء وفقراء ، أقوياء وضعفاء ، حكاما ومحكومين ، رعاة ورعية ، علماء وطلاب علم .. كل ذلك نرى فيه نوعا من التداخل والامتزاج والتقارب والتراحم .. ذلك هو المثل الذي ضربه النبي عليه الصلاة والسلام بصور شتى في أحاديث مختلفة : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) ، ( المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى ) وغير ذلك مما ضربه عليه الصلاة والسلام من أمثلة التقارب والتآلف والتلاحم والتراص ، الذي ينبغي أن يكون أعظم ما نحرص عليه في أوقاتنا هذه مع تربص أعدائنا وكيدهم ، وشدة بطشهم بدلا من أن نفترق: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** وإذا افترقن تكسرت آحادا والعفة عن محارم الله معلم أيضاً نلمحه ، وهو واضح في شأن التقوى وآثارها ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ) ، وقال الماوردي رحمه الله: " إن دين المرء يفضي إلى الستر والعفاف ، ويؤدي إلى القناعة والكفاف " . هذه بعض المعالم على مستوانا الفردي .. فكيف بنا لا نحرص على أن يكون ذلك تغييراً حقيقياً لا مظهريا ، وأن يكون أدوم ما يكون لا أن يكون مؤقتا بهذا الزمان وهذه الأيام المعدودة .. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ علينا بالإيمان الكامل ، واليقين الراسخ ، ومحبة الطاعات ، والبعد عن المنكرات .. إنه ولي ذلك والقادر عليه. الخطبة الثانية أما بعد أيها الأخوة المؤمنون : أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله ؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه ، وإن هذه العبد وهذا الموسم منبع التقوى الحقيقي .. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة:183]. ونذكر مرة أخرى بقضية التغيير لمسناها في أعماق نفوسنا وقلوبنا ، ورأيناها في أعمال سلوكنا وجوارحنا ، وأكدناها في علاقاتنا وصلاتنا .. ولو مضينا لوجدنا أن جمهور الأمة أيضا - أو صورة الأمة أيضا - تتغير فهي : تعلن أن ولاءها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم تعلن أنها تغير واقعها استجابة لأمر الله .. أنها تغير صور وصيغ وأساليب حياتها وفق مراد الله عز وجل .. فنحن نرى كيف تغير الأمة كلها أوقات طعامها وشرابها ، ومنامها وأوقات أعمالها ، ودورة اقتصادها .. وكل شيء في حياتها ؛ لأنه قد جاء شهر الصوم ؛ لأنها جاءت هذه الفريضة .. وهذا يدلنا على قضية أساسية في كل هذه الفرائض التعبدية .. إنها إظهار شعائر التعبد لله عز وجل ، عندما تمضي جموع الأمة إلى البقاع المقدسة في حج أو عمرة تلبس لباساً ، وتتحرك حركة ، وتؤدي مناسك ليس فيها إلا ما جاء عن الله ، وما جاء عن رسوله عليه الصلاة والسلام .. عندما يغدوا الناس ويغدون إلى بيوت الله ليؤدوا الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة .. إنه إعلان وإظهار أن هذه أمة قرآن وسنة أنها تتحرك تقدما وتأخراً ، وإقداماً وإحجاماً ، وفعلاً وتركاً في كل صور الحياة وفي كل ميادينها وفق أمر الله عز وجل : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } [ الأنبياء:92 ]. { وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } [ المؤمنون: من الآية52]. فإذا وحدة هذه الأمة على عبادة الله وتقواه إنما تتغير أحوالها بهذا كأنما هي تسير عن بعد لا يرى الناس شيئا فجأة إذا بالأمة في اليوم التالي - عندما جاء رمضان - يتغير فيها كل شيء .. أفترضى أن تكون في تغيير شكلي ظاهري ثم لا تغير كل واقعها وسائر أحوالها ؟! وأهم شيء مواقفها ومواجهتها لظروفها لتجعلها وفق أمر الله عز وجل إن الصوم ليست حقيقته في مجرد هذا الطعام والشراب الذي نغيره من وقت لوقت أو نؤجله من وقت لوقت ( رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر ) .. ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) إن الغاية أعمق وإن الذي ينتاب الأمة يدل على هذا المعنى العظيم أنها تغير بحسب أمر الله وهدي رسوله عليه الصلاة والسلام ثم نرى أيضا صورة الوحدة العامة للأمة التي تصوم من شرق إلى غرب في وقت واحد ، وهيأة واحدة ، وسمة واحدة ، وأحكام واحدة ، ومتابعة واحدة لرسول الله عليه الصلاة والسلام .. هذه معان كثيرة وغيرها أيضا كثير .. لو تأملنا لفقهنا أن هذه الفرائض إنما جاءت ليكون لها في نفوس الأفراد وعلى مستوى الأمة ما يسوقها إلى الله عز وجل ، وما يلزمها نهجه ، وما يعصمها عن هذه الأهواء والشهوات والشبهات المحيطة بها ؛ لتكون حينئذ أقرب إلى الله ، ولتكون مستحقة لتنزل نصر الله عز وجل . ونحن في هذه الأوقات العصيبة ونحن نرى استكبار الكفر وطغيانه ، ونحن نرى ما يصب على هذه الأمة من مؤامرات سياسية ، ومحاصرات اقتصادية ، واستعدادات عسكرية ، وغزو فكري ، وانحلال خلقي .. نرى كم نحن في حاجة إلى أن نصدق مع الله عز وجل ، وأن نصدق في تغيير واقعنا وتغيير أحوالنا لتتحقق السنة { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ الرعد: من الآية11] .. { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ لأنفال: من الآية53]. ما أصاب هذا البلاء ، ولا حل هذا العناء ، ولا تعاظمت تلك الظلمات ، ولا تكاثرت تلك المشكلات إلا بهذه السنة يوم كان التغيير بعيداً عن منهج الله ، ويوم كان الإعراض عن هذا المنهج يأخذ أشواطاً وأنماطاً في صور الحكم الذي تحكم به مجتمعات إسلامية كثيرة ، وفي معالم الحياة العامة التي يجاهر فيها بالكفر أو يجاهر فيها بالمعاصي والكبائر ، وفي صور كثيرة تصل إلى الفرد نفسه في قوله ، بل وفي نيته فيما نراه من صور كثيرة تحتاج من في هذا الشهر ، ونحن نتفيأ ظلال الإيمان ، ونحن نستروح نسمات اليقين ، ونحن نتذوق لذة العبادات ، ونحن نقبل على الله عز وجل مستقيمين على أمره حذرين وجلين خائفين من كل ما نجرح به عبادتنا أو صومنا أو نخالف به أمر ربنا .. ونحن نستشعر أعظم استشعار مراقبة الله - جل وعلا - والحياء منه ، والرجاء في ثوابه والخوف من عقابه .. كل هذه المعاني ليست في فرد بل في مجموع الأمة وما يقام في هذه الفريضة وهذا الزمان من كثرة تلاوة وذكر وتضرع وصلاة ، ثم بعد ذلك كله نخرج صفر اليدين ، ونخرج بدون ثمرة ، ونخرج بكسب ينتهي مع آخر يوم أي تاجر هذا الذي يعظم ربحه وفي آخر يوم الموسم يكون هذا الربح قد ذهب بدداً ، وتفرق سداً ! أين هو يقول قد انتهى الموسم إن أكثر بل كل الناس إنما يغتنمون المواسم ؛ ليكون لهم من فيئها ومن عطائها ، ومن ربحها ما يدوم على مدى أيامه .. بل ربما يجعلون الربح كله في هذه المواسم لعله إذا عظم أن يكون مغرياً لهم عن غيرها من الأوقات .. فما بالنا نحن لا نتأمل في هذا دعوة خالصة لكي نتأمل في تغييرنا على مستوانا الفردي لما لا يكون بعد رمضان تغير ولو بنسبة فيتغير حال هذا ، وذاك وتتغير العلائق والروابط وتتغير هذه الأساليب العملية لم لا يكون إنفاق إلا في رمضان ، لم لا يكون تواصل إلا في رمضان ، لم لا تكون المساجد ملأى إلا في رمضان ! ثم انظر إلى آخر ما أنبه عليه : لِمَ يكون هذا التغيير مؤقتاً أو لم يكون ضعيفا ؛ لأن عوارضه ونواقضه كثيرة .. فنحن نرى أن كل ما ذكرناه بعض أحوال مجتمعاتنا يصد عنه ، ويمنع منه ، وينأى بنا عنه .. فنحن نرى كيف يكثر الصفق في الأسواق ، وكيف يكثر السهر بالليل في غير مرضاة الله ، وكيف يعظم نوم النائمين حتى إننا وكل مرة نقول ذلك نبدأ الشهر في الجمعة على وجه الخصوص والخطيب لا يرقى المنبر إلا والمسجد ممتلئ فإذا جاءت الجمعة الثانية - وهذا مصداقها في يومنا - هذا كانت الصفوف أقل ، فإذا جئت إلى آخر جمعة ؛ فإن الإمام يكبر للصلاة ومازال كثير من الناس لم يشهدوا الجمعة ، ولم يأتوا إليها .. أين هذا ؛ لأننا عكسنا وخالفنا في بعض صور حياتنا ما هو من هدي وما هو من سنة وما هو من فريضة وشريعة ربنا. ================ المصدر : موقع إسلاميات الموضوع : رمضان موسم التغيير المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
الجنه تنادينيالاشراف العام
تاريخ التسجيل : 16/05/2010
| موضوع: رد: رمضان موسم التغيير الجمعة 24 يونيو 2011 - 12:03 | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم بلغنا رمضان واعنا على الصيام والقيام
جميل جدااا ما قدمتي اخيتي في ميزان حسناتك ان شاء الله الموضوع : رمضان موسم التغيير المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: الجنه تناديني توقيع العضو/ه:الجنه تناديني | |
|
|