El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: التمثيل (4): فهل يمكن استخدام الفنِّ كوسيلة للدَّعوة ونُصرَة الدِّين؟ الأحد 26 سبتمبر 2010 - 20:41 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.. إخوتي في الله.. مع الحلقة الرابعة من السلسلة..
فهل يمكن استخدام الفنِّ كوسيلة للدَّعوة ونُصرَة الدِّين؟ إنَّني لو بحثتُ عن إجابة لهذا السؤال، فربما لا أجد أجمل من ردِّ الداعية الكندي د. أبي أمينة بلال فيليبس، حينما سُئِل عن جَواز استِخدام الموسيقا في الدعوة إلى الله - عزَّ وجلَّ - فأجاب مُشِيرًا إلى عدم جواز ذلك قائلاً: "إنَّ الإسلام شيءٌ نبيل، ولا تكون وسائله إلا نبيلة". وإذا كانت الوسائل تأخُذ حُكم الغايات، فهل يُمكِننا مشاهدة عملٍ فني دون مخالفة أمر الله - عزَّ وجلَّ - لنا بغضِّ البصر: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 30 - 31]؟ وهل يمكِننا تجسيد الواقع بعملٍ فني يخلو من أدوار النساء في الحياة؟ فنجعَل الممثِّلين كلهم من الرجال، أم سنجعل الرجال يقومون بأدوار النساء فيقع علينا حكم الشرع الوارد في حديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ يقول: ((لعن الله المتشبِّهين من الرجال بالنساء، والمتشبِّهات من النساء بالرجال))؛ إسناده صحيح. فإنْ كان لا بُدَّ من الاستعانة بالنساء لضرورة نقْل الواقع بكفاءة، وهو ما يتطلَّب بالضرورة كشْف وجوهِهن، مع العلم بأنَّ من شروط جواز كشف الوجه عند مَن جوَّزوه هو أمان عدم النظر إليه، وألاَّ يكون فتنة[2]. فهل يجوز للنساء وضْع مُستَحضرات التجميل اللازِمة للظُّهور أمامَ الكاميرات؛ حتى لا يبدو الوجه شاحبًا بسبب الإضاءة الشديدة؟ وماذا عن ضرورة استِخدام الصوت في التأثير على المتلقِّي، وتنويع النبرات في المواقف المختلفة، أليس يُخشَى معه الخضوع بالقول؟ وهل ستَتعامَل الممثِّلات مع الممثِّلين باعتِبار المحرميَّة الشرعيَّة، أم التمثيليَّة؟ فإنْ كانت الأولى اختلَّ العمل الفني، وإنْ كانت الثانية اختلَّ دينهم، فضلاً عمَّا يتطلَّبه العمل الفني من بَقاء المرأة لفترات طويلةٍ خارجَ بيتها، ناهِيك عن الاختِلاط الذي لا مفرَّ منه، والتعرُّض لِمَواطِن الفتن؟ فإنْ قال أحدُهم: سنُكافِح ونقاوم ونجاهد من أجل خروج العمل خاليًا من المحذورات الشرعيَّة، ولو كلَّفَنا ذلك الجهد والوقت والمال - لكان السؤال الحاسم هو: لماذا؟! لماذا تتحمَّل كلَّ هذه المشقَّة من أجل التمثيل؟ أفرضٌ هو تُقِيمُه أم سنَّة تُحيِيها؟ فإنْ قيل: وهل نترُك الإعلام لليهود يَنشُرون من خلاله أفكارهم، ويُثبِتون به دعاواهم؟ قلت: أمَّا ما وافَق منه الشرع فلا نترُكه، بل نُنافِسهم عليه بكلِّ ما نستطيع من قوَّة، حتى تكون كلمة الله هي العليا. وأمَّا ما خالَف شرع الله - عزَّ وجلَّ - فنعم نتركه، كما نترك لهم الربا والزنا، وكما نترك لهم كلَّ ما يُحاوِلون السيطرة به على العالم من أساليب غير شريفة؛ لأنَّنا نعلم أنَّنا لا ننتَصِر بالإعلام ولا بغيره، وإنما بتحقيق مراد الله مِنَّا، وبموعود الله - عزَّ وجلَّ - لنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]. فهل يفهَم أحدٌ من هذه الآية الكريمة أنَّ النصر يكون بغير شرع الله - عزَّ وجلَّ؟ إنَّ اتِّباع أيِّ منهج يُخالِف شرعَ الله - عزَّ وجلَّ - هو انتصارٌ لمبادئ أعداء الدين ووسائلهم، واعترافٌ لهم بما يَزعُمونه من أنَّ الدين لا يَصلُح لكلِّ وقت، وكذَبُوا، وإنَّه لَدينُ الله في أرضه لكلِّ زمان ومكان، منذ مَبعَث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحتى قِيام الساعة. وإنَّ كلَّ حيدٍ عنه - ولو قَلَّ - لَإطالةٌ لليلٍ طويل يَعِيشُه المسلمون في غير مكان، وحقبة صعبة في تاريخ الأمَّة. وإنَّ المسلمين الذين أنهكَهُم القتْلُ والتشريد في أماكن عدَّة من العالم، لَينتَظِرون يومًا تُشرِق عليهم فيه الشمس، وهم يتمتَّعون ببعضٍ ممَّا نتمتَّع نحن به - والحمد لله - من أمنٍ واستقرار عيش، أفنُطالِبهم بالمزيد من الانتِظار حتى نُحقِّق أحلامنا بإقناع الرأي العالمي بقضيَّتهم من خِلال ممارسة هواياتنا؟ أم ننهَض إليهم في جدٍّ واجتهاد عازِمين على نصرتهم، مُتجاوِزين ما يتنازع نفوسَ البشر في وقت الدَّعَة والرَّخاء؟ إنَّ الرجل إذا رأى العدوَّ يدخُل بيته ويمسك بولده وأهله يريد أنْ يَفتِك بهم، لا يتركه ويذهَب ليبحث عمَّن يُقنِعه بخطأ موقفه، وإنما يدفع عن أهله أولاً ما هم فيه من بلاء وشر. فإذا كان لديه وعدٌ من ملك الملوك بالنصر إنْ هو اعتَصَم به، فماذا ينتَظِر ليفعل؟! وإنَّ في هذه اللحظات التي أكتُب فيها هذه الحروف، يعلم الله وحدَه كم مسلم يُقتَل! وكم مُقدَّس يُنتَهَك! وكم حق يُسلَب! وكم دعوة مظلوم تخترق السماء تشكو إلى الله حالَ الأمَّة! فلنَعُدْ إلى أصل ديننا أولاً؛ لتُحقَن الدماء وتُحفَظ الأعراض والمقدَّسات وتَعُود الحقوق، ثم يكون لدينا من بعد ذلك وقتٌ لمناقشة الأمور الخلافيَّة، وتقريب وجهات النظر، هذا إذا كُنَّا نعتَقِد حقيقةً أنَّ النصر من عند الله، وليس من عند أحدٍ سواه. أمَّا إذا كان قد بلَغ بنا الأمر أنْ نظنَّ أنَّه لا نصر يأتينا إلا بإذن أعدائنا وموافقتهم ورضاهم عنَّا، واقتِناعهم بموقفنا، فلنجمَعِ الأموال إذًا وأهلنا جِياع مجوَّعون، ولنَشحَذِ الهمم جريًا وراء المهرجانات والجوائز والتي لن تكون إلا بموافقة أربابها وبشروطهم. ولست أحسب كثيرًا من المسلمين الذين يُنادُون باستغلال العمل الفني التمثيلي في الدعوة إلى الله ونشر قضايا الأمَّة إلا مخلِصين، ولديهم مهارات وطاقات يُرِيدون توظيفها في خدمة أمَّتنا، والله حسيبُهم، لكنَّني على يقينٍ من أنَّه ليس الطريق. وإنما طريق النصر هو الانتصار لدين الله - عزَّ وجلَّ - بتحقيق التوحيد واتِّباع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإقامة الشرع، وهذا ليس بالأمر السهل، وإنما يحتاج إلى المؤمنين الصادقين الذين لا يبدِّلون ولا يغيِّرون، وإنما يَعمَلون ويجتَهِدون وما يزالون متَّبِعين. ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾[الأحزاب: 23 - 24]. فإنْ كان البعض يرى في نفسه همَّة وموهبة في الدعوة إلى الله - عزَّ وجلَّ - وبيان الحق وإقناع الناس به، فليكُنْ ذلك بضوابِط الشرع الذي يدعو إليه، وأنْ يكون برهان ذلك في أعدادٍ اهتدوا إلى الحق على يدَيْه وعرفوا طريق التوحيد والاتِّباع، في الداخل والخارج وفْق ما تيسَّر له. وليس الإعلام تمثيلاً وحسب، وإنما لكلِّ مجتمع ما يُناسِبه، وما بلغنا عن الغرب أنهم قومٌ يقرؤون أكثر ممَّا يشاهدون الأعمال التمثيليَّة - إنْ شاهَدُوها - فالفرصة سانحةٌ لدينا إذًا، وإنما يَنقُصنا اليقين بما لدينا من حقٍّ، وأنَّه لا يصل إلاَّ بضوابط الشرع؛ لأنَّ هداية التوفيق ليستْ بيد أحدٍ إلا الله، وما النصر إلا من عند الله. منقول.. الموضوع : التمثيل (4): فهل يمكن استخدام الفنِّ كوسيلة للدَّعوة ونُصرَة الدِّين؟ المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|