كاتب الموضوع | رسالة |
---|
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:31 | |
| (وكقوله تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ﴾، فكل ضر قدره الله على العبد ليس في استطاعة أحد من الخلق كائناً من كان كشفه بوجه من الوجوه. ونهاية ما يقدر عليه المخلوق من الأسباب والأدوية: إنما هو جزء من أجزاء كثيرة داخلة في قضاء الله وقدره. وقوله: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ﴾، وقوله: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ يشمل كل خير في العبد ويصيب العبد، وكل نعمة فيها حصول محبوب، أو دفع مكروه، فإن الله هو المتفرد بذلك وحده) . الآيتان السابقتان واضح وجه الدلالة فيها على القاعدة، أو وجه التمثيل؟ الآية الأولى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ﴾ هنا أين النكرة؟ قوله: ﴿بِضُرٍّ﴾ هـٰذه نكرة وهي في سياق الشرط في قوله: ﴿وَإِن﴾ إن شرطية، و ﴿يَمْسَسْكَ﴾ فعل الشرط، ﴿بِضُرٍّ﴾ هـٰذه جاءت في سياق الشرط فأفادت أي شيء؟ العموم؛ عموم أي ضر مما يقدره الله؛ أي ضر يصيبك فهو بتقدير الله عز وجل ﴿فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ﴾ أيضاً فيه شاهد آخر في قوله: ﴿فَلاَ كَاشِفَ﴾ كاشف نكرة في سياق النفي فتعم، وكذلك في قوله: ﴿بِخَيْرٍ﴾. قوله تعالىٰ: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ﴾ النكرة قوله: ﴿رَّحْمَةٍ﴾ وهي في سياق الشرط فإن ما شرطية ﴿فَلا مُمْسِكَ﴾ هـٰذا نفي وهي كالتي قبلها. نعم (وقوله: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾، وإذا دخلت[من] صارت نصّاً في العموم كهذه الآية: ﴿فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)﴾ وقوله ﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ﴾، ولها أمثلة كثيرة جدّاً) . مراد المؤلف رحمه الله بقوله: (صارت نصّاً في العموم) أي لا تقبل الاحتمال؛ لأن دلالة صيغ العموم عليه نوعان : دلالة نص ودلالة ظاهر. دلالة النص هي: ما لا يقبل الاحتمال. ودلالة الظاهر هي: ما يحتمل العموم ويحتمل الخصوص. فإذا دخلت مِن على الكلام على النكرة وهي في سياق نفي أو شرط أو استفهام أو نهي أفادت أي شيء؟ أفادت العموم وهي نص فيه؛ يعني لا تقبل الاحتمال فتصدق على القليل والكثير، هـٰذا معنى قوله رحمه الله: (صارت نصّاً في العموم). فمثلاً: ما عندي رجل، (ما) نافية أليس كذلك؟ و(رجل) نكرة في سياق النفي أليس كذلك؟ تفيد العموم. طيب هل العموم هنا ظاهر أو نص؟ ظاهر، لماذا؟ لأنه يحتمل أن أقول: بل رجلان. أليس كذلك؟ ألا يحتمل أن يكمل الجملة ويقول: ما عندي رجل بل رجلان، أو: بل رجال، فصار العموم هنا ظاهراً أو نصّاً؟ ظاهراً؛ لأنه يحتمل العموم ويحتمل الخصوص. لكن إذا قلت: ما عندي من رجل. هل هـٰذه نص أو ظاهر؟ نص؛ لأنه لا يسوغ في اللغة العربية أن تقول: ما عندي من رجل. ثم تقول: بل رجلان. وهـٰذا الفرق بين الظاهر والنص.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:31 | |
| أسئلة ما الفرق بين دلالة النص ودلالة الظاهر ؟ مثل لما تقول ؟ ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾ ماذا أفاد مجيء "شيئا " فيها الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:32 | |
| القاعدة الخامسة: المفرَد المضاف يفيد العموم، كما يفيد ذلك اسم الجمع.
فكما أن قوله تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَهَاتُكُمْ}} إلى آخرها [النساء: 23] يشمل كل أم انْتَسَبْتَ إليها وإن علت، وكل بنت انْتَسَبَتْ إليك وإن نزلت، إلى آخر المذكورات. فكذلك قوله تعالى: {{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ *}} [الضحى: 11] فإنها تشمل النعم الدينية والدنيوية. {{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}} [الأنعام: 162] فإنها تعم الصلوات كلها، والأنساك كلها، وجميع ما العبد فيه وعليه في حياته ومماته، الجميع قد أوقعتَه وأخلصتَه لله وحده لا شريك له. وقوله: {{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}} [البقرة: 125] على أحد القولين: أنه يشمل جميع مقاماته في مشاعر الحج، اتخذوه معبداً. وأصرح من هذا قوله تعالى: {{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}} [النحل: 123] وهذا شامل لكل ما هو عليه من التوحيد، والإخلاص لله تعالى، والقيام بحق العبودية. وأعم من ذلك وأشمل قوله تعالى لما ذكر الأنبياء: {{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}} [الأنعام: 90] فأمره الله أن يقتدي بجميع ما عليه المرسلون من الهدى، الذي هو العلوم النافعة، والأخلاق الزاكية، والأعمال الصالحة، والهدى المستقيم. وهذه الآية أحد الأدلة على الأصل المعروف: «أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه». وشرع الأنبياء السابقين هو هداهم في أصول الدين وفروعه. وكذلك قوله تعالى: {{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}} [الأنعام: 153] وهذا يعمُّ جميع ما شرعه لعباده فعلاً، وتركاً، اعتقاداً، وانقياداً. وأضافهُ إلى نفسه في هذه الآية لكونه الذي نصبه لعباده، كما أضافه إلى الذين أنعم عليهم في قوله: {{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}} [الفاتحة: 7] لكونهم هم السالكون له. فصراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين: ما اتصفوا به من العلوم، والأخلاق، والأوصاف، والأعمال. وكذلك قوله: { 4 5 6 7 8 } [الكهف: 110] يدخل في ذلك جميع العبادات، الظاهرة والباطنة، العبادات الاعتقادية والعملية. كما أن وصف الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم بالعبودية المضافة إلى الله {{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}} [الإسراء: 1] {{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}} [البقرة: 23] {{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ}} [الفرقان: 1] يدل على أنه وفَّى جميع مقامات العبودية؛ حيث نال أشرف المقامات بتوفيته لجميع مقامات العبوديات. وقوله: {{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}} [الزمر: 36] فكلما كان العبد أقوم بحقوق العبودية كانت كفاية الله له أكمل وأتم، وما نقص منها نقص من الكفاية بحسبه. وقوله: {{وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ *}} [القمر: 50] {{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *}} [النحل: 40] يشمل جميع أوامره القدرية الكونية. وهذا في القرآن شيء كثير.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:32 | |
| القاعدة الخامسة المقرر: أن المفرد المضاف يفيد العموم كما يفيد ذلك اسم الجمع)
الاسم المفرد ضد الجمع، وهو ما لا يدل إلا على واحد؛ ولكن قيده قال: (المفرد المضاف) يعني إلى غيره (يفيد العموم) يعني في السياق الذي ورد فيه، وسيأتي له أمثلة على ذلك. (فكما أن قوله تعالى:﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ إلى آخرها يشمل كل أم انتسبت إليها، وإن علت. وكل بنت انتسبت إليك وإن نزلت -إلى آخر المذكورات- فكذلك قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ فإنها تشمل النعم الدينية والدنيوية). النعمة اسم مفرد أو جمع ؟ مفرد، مضاف؟ الآن هو في هـٰذا السياق مضاف أو ليس مضافاً؟ مضاف إلىٰ ﴿رَبِّكَ﴾ هل أفاد العموم؟ نعم، ولذلك: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ قال المؤلف رحمه الله: (فإنها تشمل النعم الدينية والدنيوية). يعني كل نعمة ينعم الله بها عليك فهي صادقة أو مندرجة في هـٰذه الآية، فتدخل في قوله: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ فتحدث بنعمة الله عليك في دينك وبنعمة الله عليك في دنياك. نعم. ﴿أُمَّهَاتُكُمْ﴾ اسم جمع فأفادت العموم، ألم يقل: (المفرد المضاف يفيد العموم) ثم نظّر هـٰذا باسم الجمع قال: (كما يفيد ذلك اسم الجمع)؟ فأعطانا أول مثال لاسم الجمع الذي قيس عليه، ثم رجع إلىٰ القاعدة المقصودة، وهي أن المفرد المضاف يفيد العموم، واضح؟ (وقوله: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فإنها تعم الصلوات كلها، والأنساك كلها، وجميع ما العبد فيه وعليه في حياته ومماته، الجميع قد أوقعته وأخلصته لله وحده، لا شريك له. وقوله: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ على أحد القولين: إنه يشمل جميع مقاماته في مشاعر الحج: اتخذوه معبداً. وأصْرَح من هذا قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً﴾، وهذا شامل لكل ما هو عليه من التوحيد والإخلاص لله تعالى، والقيام بحق العبودية. وأعم من ذلك وأشمل: قوله تعالىٰ لما ذكر الأنبياء: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ فأمره الله أن يقتدي بجميع ما عليه المرسلون من الهدى، الذي هو العلوم النافعة والأخلاق الزاكية، والأعمال الصالحة، والهدى المستقيم. .
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:33 | |
| وهذه الآية أحد الأدلة على الأصل المعروف: أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه. وشرع الأنبياء السابقين هو هداهم في أصول الدين وفروعه، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾، وهذا يعمّ جميع ما شرعه لعباده، فعلاً وتركاً، اعتقاداً وانقياداً، وأضافه إلى نفسه في هذه الآية لكونه هو الذي نصبه لعباده، كما أضافه إلى الذين أنعم عليهم في قوله: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ لكونهم هم السالكين له. فصراط الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصديقين والشهداء والصالحين( )من العلوم والأخلاق والأوصاف والأعمال. وكذلك قوله: ﴿وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾ يدخل في ذلك جميع العبادات الظاهرة والباطنة، والعبادات الاعتقادية والعملية) . هذا عطف بيان، من الصفة الكاشفة: العبادات الاعتقادية ترجع إلىٰ الباطنة، والعبادات العملية ترجع إلىٰ الظاهرة. فالعبادات الباطنة هي ما يقوم بالقلب من الخوف والخشية والإنابة والتوكل وغير ذلك. وأما العملية فهي الظاهرة وأصلها أركان الإسلام. (كما أن وصف الله لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعبودية المضافة إلى الله كقوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ وكقوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ وقوله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ تدل على أنه وفَّى جميع مقامات العبودية، حيث نال أشرف المقامات بتوفيته لجميع مقامات العبودية، وقوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ فكلما كان العبد أقوم بحقوق العبودية كانت كفاية الله له أكمل وأتم، وما نقص منها نقَص من الكفاية بحسبه. وقوله: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾، ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ يشمل جميع أوامره القدرية الكونية. وهذا في القرآن شيء كثير) . هـٰذه القاعدة الخامسة وهي قاعدة واضحة سهلة مفيدة، وقد ذكر المؤلف رحمه الله لها من الأمثلة ما يوضحها توضيحاً لا مزيد عليه.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:33 | |
| القواعد التي مضت من القاعدة الثانية إلى القاعدة الخامسة هي قواعد أصولية من حيث الأصل، استعملها العلماء رحمهم الله في آيات الكتاب وفي أحاديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ يعني في النصوص. وأما القاعدة السادسة وما بعدها من القواعد، فهي القسم الثاني مما تضمنه هـٰذا الكتاب وهي القواعد القرآنية، يعني القواعد التي تبين طريقة القرآن في معالجة بعض الأمور، فهي ليست قواعد أصولية كالسابقة، إنما هي قواعد قرآنية تبين منهج القرآن في معالجة بعض القضايا والأمور الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:33 | |
| القاعدة السادسة: في طريقة القرآن في تقرير التوحيد ونفي ضده.
يكاد القرآن أن يكون كله لتقرير التوحيد، ونفي ضده، وأكثر الآيات يقرر الله فيها توحيد الإلهية وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك ، ويخبر أن جميع الرسل تدعو قومها إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأنَّ الله تعالى إنما خلق الجن والإنس ليعبدوه، وأن الكتب والرسل اتفقت على هذا الأصل الذي هو أصل الأصول كلها، وأن من لم يدن بهذا الدين الذي هو إخلاص العمل لله فعمله باطل {{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}} [الزمر: 65] {{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}} [الأنعام: 88] . ويدعو العباد إلى ما تقرر في فطرهم وعقولهم من أن المتفرِّد بالخلق والتدبير، والمتفرِّد بالنعم الظاهرة والباطنة، هو الذي لا يستحق العبادة إلا هو، وأن سائر الخلق ليس عندهم خلق، ولا نفع، ولا دفع، ولن يغنوا عن أحد من الله شيئاً، ويدعوهم أيضاً إلى هذا الأصل بما يتمدح به ويثني على نفسه الكريمة، من تفرُّده بصفات العظمة، والمجد، والجلال، والكمال، وأن من له هذا الكمال المطلق الذي لا يشاركه فيه مشارك أحق من أخلصت له الأعمال الظاهرة والباطنة، ويقرِّر هذا التوحيد بأنه هو الحاكم وحده، فلا يحكم غيره شرعاً ولا جزاء {{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}} [يوسف: 40] . وتارة يقرِّر هذا بذكر محاسن التوحيد، وأنه الدين الوحيد الواجب شرعاً، وعقلاً، وفطرة، على جميع العبيد، ويذكر مساوئ الشرك، وقبحه، واختلال عقول أصحابه بعد اختلال أديانهم، وتقليب أفئدتهم، وكونهم في شك وأمر مريج. وتارة يدعو إليه بذكر ما رتَّب عليه من الجزاء الحسن في الدنيا والآخرة، والحياة الطيبة في الدور الثلاث، وما رتب على ضده من العقوبات العاجلة والآجلة، وكيف كانت عواقبهم أسوأ العواقب وشرها. وبالجملة: فكل خير عاجل وآجل فإنه من ثمرات التوحيد، وكل شرٍّ عاجل وآجل، فإنه من ثمرات ضده، والله أعلم.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:33 | |
| شرح القاعدة لفضيلة الشيخ خالد بن عبد الله المصلح
القاعدة السادسة في طريقة القرآن في تقرير التوحيد ونفي ضده
يكاد القرآن أن يكون كله لتقرير التوحيد ونفي ضده). مراده بالتوحيد في هـٰذه القاعدة جميع أنواع التوحيد: • توحيد الإلهية وهو بالدرجة الأولى. • وتوحيد الأسماء والصفات. • وتوحيد الربوبية. (وأكثر الآيات يقرر الله فيها توحيد الألوهية، وإخلاص العبادة لله وحده، لا شريك له، ويخبر أن جميع الرسل تدعو قومها إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأن الله تعالى إنما خلق الجن والإنس ليعبدوه، وأن الكتب والرسل اتفقت على هذا الأصل، الذي هو أصل الأصول كلها، وأن من لم يَدِنْ بهذا الدين الذي هو إخلاص العبادة والقلب والعمل لله وحده فعمله باطل: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾، ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾). هذه لآية خطاب لمن في قوله: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾؟ هذه خطاب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن قبله من الأنبياء، فهل يتصور الشرك من الأنبياء؟ هل يمكن أن يقع الشرك من الأنبياء؟ لا، إذاً لماذا خوطبوا بهذا الخطاب؟ خوطبوا بهذا لبيان مراتب الأعمال. ليس المقصود احتمال وقوع ذلك منهم، فهم معصومون من كبائر الذنوب فضلاً عن الشرك، وإنما جاء هذا الخطاب ليبين لنا مرتبة الشرك وخطورته، فمثل هذه النصوص تبين لنا مرتبة العمل ومنزلته، وليس المقصود أن ذلك يمكن ذلك أن يقع منهم. وكذلك: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا﴾ عائد على الأنبياء المذكورين في سورة الأنعام ﴿لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. (ويدعو العباد إلى ما تقرر في فطرهم وعقولهم من أن الله المنفرد بالخلق والتدبير والمنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة هو الذي لا يستحق العبادة إلا هو، ولا ينبغي أن يكون شيء منها لغيره، وأن سائر الخلق ليس عندهم أي قدرة على خلق، ولا نفع، ولا دفع ضر عن أنفسهم، فضلاً عن أن يغنوا عن أحد غيرهم من الله شيئاً. ويدعوهم أيضاً إلى هذا الأصل بما يَتَمَدَّح به، ويُثني على نفسه الكريمة، من تفرده بصفات العظمة والمجد، والجلال والكمال، وأن من له هذا الكمال المطلق الذي لا يشاركه فيه مشارك: أحق من أُخلصت له الأعمال الظاهرة والباطنة. ويقرر هذا التوحيد بأنه هو الحاكم وحده، فلا يحكم غيره شرعاً ولا جزاءً: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ ) . أين القدر؟ قال: (فلا يحكم غيره شرعاً ولا جزاء) ولم يذكر القدر، لم يذكره المؤلف رحمه الله، وسبب عدم ذكره أنه لا خصومة بين الأنبياء وأقوامهم في الحكم القدري، فهم مقرون بأنه لا يحكم قدراً إلا الله جل وعلا، وإنما خلافهم في الحكم الشرعي، فهم عبدوا الأصنام من دون الله عز وجل ورجعوا إليها وتركوا عبادة الله وحده، ولذلك احتاج إلىٰ أن ينص على الشرع والجزاء دون القدر. الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:34 | |
| (وتارة يقرر هذا بذكر محاسن التوحيد، وأنه الدين الوحيد الواجب شرعاً وعقلاً وفطرة، على جميع العبيد، وبذكر مساوئ الشرك وقبحه، واختلال عقول أصحابه بعد اختلال أديانهم، وتقليب أفئدتهم، وكونهم في شك وأمر مريج) . كم طريقاً ذكر لتقرير التوحيد؟ إلىٰ الآن ثلاثة طرق: الطريق الأول: تقرير توحيد الربوبية في قوله رحمه الله: (ويدعو العباد إلى ما تقرر في فطرهم وعقولهم من أن المتفرد بالخلق والتدبير) إلىٰ آخره، هـٰذا استدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، هـٰذا الطريق الأول، وهو الطريق الأكثر في كتاب الله عز وجل في مناقشة المشركين والكفار. الطريق الثاني: ذكر صفات الكمال والجلال وما اتصف به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من العظمة والمجد، فإذا كان كاملاً في صفاته فلا يسوغ ولا يجوز أن يسوى به غيره، هـٰذا الطريق الثاني، وهو الاستدلال بكمال الصفات على وجوب الإخلاص لله عز وجل في العبادة. الطريق الثالث: ذكر محاسن التوحيد والثناء على أهله، وبيان حسن عاقبة من أخذ به وعمل. إذاً هـٰذه ثلاثة طرق. الطريق الرابع: (وتارة يدعو إليه بذكر ما رتب عليه من الجزاء الحسن في الدنيا والآخرة، والحياة الطيبة في الدور الثلاث، وما رتّب على ضده من العقوبات العاجلة والآجلة، وكيف كانت عواقبهم أسوأ العواقب وشرها. وبالجملة: فكل خير عاجل وآجل فإنه من ثمرات التوحيد، وكل شر عاجل وآجل فإنه من ثمرات الشرك والله أعلم) . إذاً الطريق الرابع: بيان عاقبة الموحدين وعاقبة المشركين، وبيان العاقبة يحث هـٰذا الإنسان على سلوك أحد الطريقين.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:34 | |
| القاعدة السابعة: في طريقة القرآن في تقرير نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم.
هذا الأصل الكبير قرَّره الله في كتابه بالطرق المتنوعة التي يعرف بها كمال صدقه صلّى الله عليه وسلّم، فأخبر أنه صدَّق المرسلين، ودعا إلى ما دعوا إليه، وأن جميع المحاسن التي في الأنبياء فهي في محمد صلّى الله عليه وسلّم، وما نُزهوا عنه من النواقص والعيوب فمحمد أولاهم وأحقهم بهذا التنزيه، وأن شريعته مهيمنة على جميع الشرائع، وكتابه مهيمن على كل الكتب، فجميع محاسن الأديان والكتب قد جمعها هذا الكتاب وهذا الدين، وفاق عليها بمحاسن وأوصاف لم توجد في غيره، وقرَّر نبوته بأنه أمِّي لا يكتب ولا يقرأ، ولا جالس أحداً من أهل العلم بالكتب السابقة، بل لم يُفَاجَأ الناس حتى جاءهم بهذا الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما أتوا، ولا قدروا، ولا هو في استطاعتهم، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وأنه محال مع هذا أن يكون من تلقاء نفسه، أو متقوِّل، أو متوهِّم فيما جاء به. وأعاد في القرآن وأبدى في هذا النوع، وقرَّر ذلك بأنه يخبر بقصص الأنبياء السابقين مطوَّلة على الوجه الواقع الذي لا يستريب فيه أحد، ثم يخبر تعالى أنه ليس له طريق ولا وصول إلى هذا إلا بما آتاه الله من الوحي، كمثل قوله تعالى لما ذكر قصة موسى مطوَّلة: {{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}} [القصص: 46] {{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ}} [القصص: 44] وكما في قوله: {{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}} [آل عمران: 44] . ولما ذكر قصة يوسف وإخوته مطولة قال: {{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}} [يوسف: 102] . فهذه الأمور والإخبارات المفصَّلة التي يفصِّلها تفصيلاً لم يتمكن أهل الكتاب الذين في وقته ولا من بعدهم على تكذيبه فيها ولا معارضته من أكبر الأدلة على أنه رسول الله حقاً. وتارة يقرِّر نبوته بكمال حكمة الله وتمام قدرته، وأن تأييده لرسوله، ونصره على أعدائه، وتمكينه في الأرض موافق غاية الموافقة لحكمة الله، وأن من قدح في رسالته فقد قدح في حكمة الله، وفي قدرته. وكذلك نصره وتأييده الباهر على الأمم الذين هم أقوى أهل الأرض من آيات رسالته، وأدلة توحيده، كما هو ظاهر للمتأمِّلين. وتارة يقرر نبوته ورسالته بما حازه من أوصاف الكمال، وما هو عليه من الأخلاق الجميلة، وأن كل خُلق عال سام فلرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منه أعلاه وأكمله؛ فمن عظمت صفاته وفاقت نعوته جميع الخلق التي أعلاها الصدق ( )، أليس هذا أكبر الأدلة على أنه رسول رب العالمين، والمصطفى المختار من الخلق أجمعين؟. وتارة يقرِّرها بما هو موجود في كتب الأولين، وبشارات الأنبياء والمرسلين، إما باسمه العلَم، أو بأوصافه الجليلة، وأوصاف أمته، وأوصاف دينه. وتارة يقرِّر رسالته بما أخبر به من الغيوب الماضية، والغيوب المستقبلة، التي وقعت في زمانه، والتي لا تزال تقع في كل وقت، فلولا الوحي ما وصل إليه شيء من هذا، ولا له ولا لغيره طريق إلى العلم به. وتارة يقررها بحفظه إياه، وعصمته له من الخلق، مع تكالب الأعداء وضغطهم، وجدهم التام في الإيقاع به بكل ما في وسعهم، والله يعصمه، ويمنعه، وينصره!! وما ذاك إلا لأنه رسوله حقاً، وأمينه على وحيه. وتارة يقرِّر رسالته بذكر عظمة ما جاء به، وهو القرآن الذي {{لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ *}} [فصلت: 42] وتحدَّى أعداءه ومن كفر به أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة واحدة، فعجزوا، ونكصوا، وباؤوا بالخيبة والفشل!! وهذا القرآن أكبر أدلة رسالته، وأجلها، وأعمها. وتارة يقرر رسالته بما أظهر على يديه من المعجزات، وما أجرى له من الخوارق والكرامات الدالة ـ كل واحد بمفرده منها، فكيف إذا اجتمعت ـ على أنه رسول الله الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى . وتارة يقرِّرها بعظيم شفقته على الخلق، وحنوِّه الكامل على أمته، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، وأنه لم يوجد، ولن يوجد، أحد من الخلق أعظم شفقة، وبراً، وإحساناً، إلى الخلق منه، وآثار ذلك ظاهرة للناظرين. فهذه الأمور والطرق قد أكثر الله من ذكرها في كتابه، وقرَّرها بعبارات متنوعة ومعاني مفصَّلة، وأساليب عجيبة، وأمثلتها تفوق العد والإحصاء، والله أعلم.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:34 | |
| شرح القاعدة لفضيلة الشيخ خالد بن عبد الله المصلح
القاعدة السابعة في طريقة القرآن في تقرير نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هذا الأصل الكبير قرّره الله في كتابه بالطرق المتنوعة التي يُعرف بها كمال صدقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأخبر أنه صدّق المرسلين، ودعا إلى ما دعوا إليه، وأنّ جميع المحاسن التي في الأنبياء هي في نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما نُزِّهوا عنه من النقائص والعيوب، فرسولنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولاهم وأحقهم بهذا التنزيه، وأن شريعته مهيمنة على جميع الشرائع، وكتابه مهيمن على كل الكتب. فجميع محاسن الأديان والكتب قد جمعها هذا الكتاب وهذا الدين، وفاق عليها بمحاسن وأوصاف لم توجد في غيره. وقرر نبوته بأنه أميّ لا يكتب ولا يقرأ، ولا جالس أحداً من أهل العلم بالكتب السّـابقة، بل لم يفْجَـأ الناس إلا وقد جاءهم بهذا الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما أَتوا ولا قَدِروا، ولا هو في استطاعتهم ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وأنّه محال مع هذا أن يكون من تلقاء نفسه، أو متقول أو متوهم فيما جاء به. وأعاد القرآن وأبدى في هذا النوع. وقرّر ذلك بأنه يخبر بقصص الأنبياء السابقين مطولة على الوجه الواقع، الذي لا يستريب فيه أحد، ثم يخبر تعالى أنه ليس له طريق ولا وصول إلى هذا إلا بما آتاه الها من الوحي، كمثل قوله تعالىٰ لما ذكر قصة موسى مطولة: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ﴾. وقوله: ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾( ) وكما في قوله: ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)﴾. ولما ذكر قصة يوسف وإخوته مطولة قال: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ فهذه الأمور والإخبارات المفصلة التي يفصلها تفصيلاً، لم يتمكن أهل الكتاب الذين في وقته ولا من بعدهم على تكذيبه فيها ولا معارضته من أكبر الأدلة على أنه رسول الله حقّاً) . واضح أن إخبار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهـٰذه الأخبار التي جاءت مفصّلة دون مجالسة لأهل الكتاب وتلقٍّ عنهم، ودون التمكن من القراءة والكتابة لأنه أمي، يدل على أنه وحي يوحى، أنه إنما تلقاه عن الوحي، ولذلك لما كانت هـٰذه الأخبار مفصلة ودقيقة جاء بهذا التعبير: ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ﴾، ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ﴾، ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ﴾؛ يعني أنه لا يأتي بهذا الخبر الدقيق المفصل إلا من كان شاهداً حاضراً، أو من يخبر عمن شهد وعلم وهو الله جل وعلا. هـٰذه هي الطريق الأولى من طرق إثبات نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتاب الله عز وجل.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:35 | |
| (وتارة) هـٰذا الطريق الثاني: (وتارة يقرر نبوته بكمال حكمة الله، وتمام قدرته، وأن تأييده لرسوله ونصره على أعدائه، وتمكينه في الأرض موافق غاية الموافقة لحكمة الله، وأن من قدح في رسالته فقد قدح في حكمة الله وفي قدرته، وفي رحمته، بل وفي ربوبيته. وكذلك نصره وتأييده الباهر لهذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأمم الذين هم أقوى أهل الأرض من آيات رسالته، وأدلة توحيده، كما هو ظاهر للمتأملين) . يعني أن هـٰذا الأمر لا يظهر لكل أحد، إنما يظهر بالتأمل، فكيف يجوز على الحكيم الخبير الرّحيم الرؤوف بعباده أن يأتي رجلٌ يخبر بالأخبار ويدعي بأنه رسول الله، ثم تتوالى عليه الانتصارات والإمدادات، ويموت منتصراً وقد ظهرت دعوته؟ كيف يكون هـٰذا متفقاً مع اتصاف الله عز وجل بالعلم والخبرة والحكمة والرحمة جل وعلا وغير ذلك من الصفات؟ إنّ هـٰذا لا يتفق؛ فدل ذلك لما تمكّن وانتصر وظهر على خصومه وأعدائه، دلّ ذلك على صدق نبوته، وهـٰذا الانتصار ليس انتصاراً مؤقتاً؛ لأنّ الدجال الذي يأتي بين يدي الساعة ينتصر انتصارات؛ لكنها انتصارات مؤقتة، ثمّ يضمحل ويتبين أمره ويكون آخر أمره أن يذوب كما يذوب الملح كما في صحيح مسلم، فعاقبة أمره إلىٰ خسر؛ لكن انتصارات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتصارات ثابتة دائمة مستمرة إلى قيام الساعة، فهـٰذا مما يدل على صدقه، وقد أشار إلىٰ هـٰذا المعنى قول الله تعالىٰ: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)﴾ . وهـٰذا تهديد عظيم من ربّ العالمين، في تَقَوُّل قول، فكيف برسالة تامة وشريعة كاملة؟ هـٰذا من دلائل صدق نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لكن هـٰذا لا يظهر لكل أحد، إنما يظهر بالتأمل والنظر.نعم الطريق الثالث: (وتارة يقرر نبوته ورسالته بما جمع له وحازه وكمله به من أوصاف الكمال، وما هو عليه من الأخلاق الجميلة، وأنّ كل خلق عال سام فلرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلاه وأكمله. فمن عظمت صفاته، وفاقت نعوته جميع الخلق التي أعلاها:الصدق والأمانة، أليس هذا أكبرَ الأدلة على أنه رسول ربّ العالمين، والمصطفى المختار من الخلق أجمعين؟) بلى والله، كما قالت عائشة: لو كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخفياً شيئاً من كتاب الله لأخفى: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾. وهـٰذا دليل على كمال تبليغه، أنه بَلَّغ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ما عاتبه الله فيه. الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:35 | |
| (وتارة يقررها بما هو موجود في كتب الأولين، وبِشارات الأنبياء والمرسلين السابقين، إما باسمه العلم أو بأوصافه الجليلة، وأوصـاف أمته وأوصـاف دينـه، كما في قوله تعالىٰ: ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ ). معنى هـٰذا الكلام أن من الأمور التي أخبرت بها الشرائع مما يتعلق باسمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفاته تبينت، فاسمه جاء ذكره في الشرائع السابقة وطابق الاسم الذي كان له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكذلك الكثير من الأوصاف التي جاء وصفه بها في الكتب السابقة وُجدت فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولذلك كان بعض أهل الكتاب إذا أراد أن يُسْلم يبحث عن هـٰذه الصفات، فإذا وجدها انقاد لمقتضاها من التصديق بنبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نعم (وتارة يقرر رسالته بما أخبر به من الغيوب الماضية والغيوب المستقبلة، التي وقعت في زمانه، أو وقعت في زمانه ولا تزال تقع في كل وقت، فلولا الوحي ما وصل إليه شيء من هذا، ولا كان له ولا لغيره طريق إلى العلم به) . لأنه لا سبيل إلىٰ معرفة هـٰذه الغيوب إلا ممن هي في يده، وهو الله جل وعلا عالم الغيب والشهادة، وبهذا يكون قد تم الوجه. ثم قال: (وتارة يقرِّرها بحفظه إياه) هـٰذا وجه جديد. (وتارة يقررها بحفظه إياه، وعصمته له من الخلق، مع تكالب الأعداء وضغطهم عليه، وجِدِّهم التام في الإيقاع به بكل ما في وسعهم، والله يعصمه ويمنعه منهم وينصره عليهم، وما ذاك إلا لأنه رسوله حقّاً، وأمينه على وحيه، والمبلغ ما أمر به. وتارة يقرر رسالته بذكر عظمة ما جاء به وهو القرآن الذي ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ ويتحدى أعداءه، ومن كفر به أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة واحدة، فعجزوا ونكصوا وباؤوا بالخيبة والفشل، وهذا القرآن أكبرُ أدلة رسالته وأجلُّها وأعمُّها ).
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:36 | |
| لا ريب أن القرآن أعظم آيات الأنبياء، وليس فقط أعظم آيات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل جميع الأنبياء على ما أتوا به من الآيات واختلافها وتنوعها أعظم آياتهم هـٰذا الكتاب المبين؛ ولذلك قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ما من نبيِّ من الأنبياء إلا وأوتي ما على مثله آمن البشر، وكان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً)) . فدل ذلك على أن أعظم آيات الأنبياء هي آية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه رجا بهذه الآية أن يكون أكثرهم تابعاً، وكثرة الأتباع إنما تكون ناشئة عن عظم الآية التي رأوها وأتي إليهم بها، وآية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هـٰذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو آية مستمرة، بخلاف سائر آيات الأنبياء فإنها آيات مؤقتة وفي مكان محدد، فهي محدودة في المكان والزمان، أما القرآن فهو آية على مرّ العصور وعلى اختلاف الأزمان وعلى اختلاف الأماكن أيضاً، فهو آية عظيمة مستمرة باهرة، ولذلك كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر الأنبياء تابعاً، ولكنها آية لمن تأمل فيها ونظر وتدبر ما تضمنه من الآيات والبينات الواضحات على صدق ما جاء فيه، وعلى صدق نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نعم (وتارة يقرر رسالته بما أظهر على يديه من المعجزات، وما أجرى له من الخوارق والكرامات، الدالِّ كل واحد منها بمفرده -فكيف إذا اجتمعت- على أنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصادق المصدوق، الذي ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) . المؤلف رحمه الله جعل المعجزات والخوارق والكرامات كلها لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والذي جرى عليه أهل العلم أنّ الكرامات تكون لأتباع الرسل، وأن المعجزات وهي الآيات والبراهين الدّالة على صدقهم تكون للأنبياء، ويجمع الأمرين أنهما خارقان للعادة. فالجامع بين الآية أي المعجزة وبين الكرامة أن كلاًّ منهما خارقة للعادة؛ لكن الفارق بينهما: أن الآية تكون على يد نبي. والكرامة تكون على يد تابع لنبي. ثم إنه في الغالب أن الآية أعظم تأثيراً وأكبر أثراً من الكرامة، وهـٰذا فارق آخر بين الآية والكرامة. لكن المؤلف رحمه الله جعل المعجزات والكرامات كلها للنبي. واعلم أنّ هـٰذا الكلام لا إشكال فيه؛ لأن كل كرامة لتابع فهي آية للنبي؛ يعني ما يجريه الله عز وجل من الكرامات لأتباع الرّسل هي في الحقيقة آيات دالة على صدق من اتبعوهم، على صدق الرسل الذين آمنوا بهم، فهي عائدة إلىٰ تصديقهم بالرسل، وهي دالة على صدق ما جاؤوا به. نعم (وتارة يقررها بعظيم شفقته على الخلق، وحُنوِّه الكامل على أمته، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، وأنه لم يوجد ولن يوجد أحد من الخلق أعظم شفقة ولا براًّ وإحساناً إلى الخلق منه، وآثار ذلك ظاهرة للناظرين) . لا إشكال، من تأمل سيرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى صدق ذلك، فقد أوذي أشد الأذى، وامتحن أشد الامتحان، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقابل ذلك كله بالإحسان إلىٰ خصومه والشفقة عليهم والسعي في إخراجهم من الظلمات إلىٰ النور. نعم (فهذه الأمور والطرق قد أكثر الله من ذكرها في كتابه، وقررها بعبارات متنوعة، ومعانٍ مفصلة وأساليب عجيبة، وأمثلتها تفوق العد والإحصاء. والله أعلم) . إذاً هـٰذه هي القاعدة السابعة، وهي قاعدة قرآنية في بيان طريقة القرآن في تقرير نبوة النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:36 | |
| القاعدة الثامنة: طريقة القرآن في تقرير المعاد.
وهذا الأصل الثالث من الأصول التي اتفقت عليها الرسل والشرائع كلها: التوحيد، والرسالة، وأمر المعاد، وحشر العباد. وهذا قد أكثر الله من ذكره في كتابه، وقرَّره بطرق متنوعة: منها: إخباره، وهو أصدق القائلين، ومع إكثار الله من ذكره فقد أقسم عليه في ثلاثة مواضع من كتابه. ومنها: الإخبار بكمال قدرة الله تعالى، ونفوذ مشيئته وأنه لا يعجزه شيء؛ فإعادة العباد بعد موتهم فرد من أفراد آثار قدرته. ومنها: تذكيره العباد بالنشأة الأولى، وأن الذي أوجدهم ولم يكونوا شيئاً مذكوراً لا بد أن يعيدهم كما بدأهم. وأعاد هذا المعنى في مواضع كثيرة، بأساليب متنوعة. ومنها: إحياؤه الأرض الهامدة الميتة بعد موتها، وأن الذي أحياها سيحيي الموتى. وقرر ذلك بقدرته على ما هو أكبر من ذلك وهو خلق السموات والأرض، والمخلوقات العظيمة، فمتى أثبت المنكرون لذلك ـ ولن يقدروا على إنكاره ـ فلأي شيء يستبعدون إحياءه الموتى؟. وقرر ذلك بسعة علمه، وكمال حكمته، وأنه لا يليق به ولا يحسن أن يترك خلقه سُدى مُهْمَلين، لا يُؤمرون، ولا يُنهون، ولا يُثابون، ولا يعاقبون!! وهذا طريق قرَّر به النبوة وأمر المعاد. ومما قرَّر به البعث، ومجازاة المحسنين بإحسانهم، والمسيئين بإساءتهم: ما أخبر به من أيامه في الأمم الماضين، والقرون الغابرة، وكيف نجّى الأنبياء وأتباعهم، وأهلك المكذبين لهم، المنكرين للبعث، ونوَّع عليهم العقوبات، وأحل بهم المثُلات، فهذا جزاء معجَّل، ونموذج من جزاء الآخرة أراه الله عباده؛ ليهلك من هلك عن بيِّنة، ويحيا من حيَّ عن بيِّنة. ومن ذلك ما أرى الله عباده من إحيائه الأموات في الدنيا، كما ذكره الله عن صاحب البقرة، والألوف من بني إسرائيل، والذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها، وقصة إبراهيم الخليل والطيور، وإحياء عيسى ابن مريم للأموات، وغيرها مما أراه الله عباده في هذه الدار ليعلموا أنه قوي ذو اقتدار، وأن العباد لا بد أن يَرِدوا دار القرار، إما الجنة أو النار. وهذه المعاني أبداها الله وأعادها في مَحَالّ كثيرة. والله أعلم.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:36 | |
| شرح
القاعدة الثامنة طريقة القرآن في تقرير المعاد
وهذا الأصل الثالث من الأصول التي اتفقت عليها الرسل والشرائع كلها، وهي:التوحيد، والرسالة، وأمر المعاد وحشر العباد. وهذا قد أكثر الله من ذكره في كتابه الكريم، وقرره بطرق متنوعة: منها: إخباره -وهو أصدق القائلين-، ومع إكثار الله من ذكره، فقد أقسم عليه في ثلاثة مواضع من كتابه). فقد أقسم عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلا فالله جل وعلا أقسم على ما يكون في اليوم الآخر بإقسامات كثيرة لا حصر لها؛ ولكنّ الكلام في إقسامات النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنّ الله جل وعلا أمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ أن يقسم في ثلاثة مواضع من كتابه، كلها أقسم فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أنّ الله جل وعلا يعيد الخلق بعد موتهم، وأنه يحاسبهم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فكلام المؤلف هنا يحتاج إلى توضيح. المواضع التي أمر الله عز وجل فيها رسوله بالإقسام معروفة، وهـٰذا الموضع الأول: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾ هذا في سورة التغابن. نعم وهـٰذا الموضع الثاني في عدِّنا وإلا فهو الموضع الأول في ترتيب القرآن: ﴿وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)﴾ فهـٰذا هو الموضع الأول الذي أمر الله فيه نبيه بالإقسام. الموضع الثالث وهـٰذا في سورة سبأ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ فهـٰذا أمر من الله عز وجل لرسوله بالإقسام على مجيء الساعة ووقوعها. نعم هـٰذه هي المواضع الثلاثة التي أمر الله عز وجل رسوله فيها بالإقسام: في سورة يونس، وفي سورة سبأ، وفي سورة التغابن، نعم. (ومنها الإخبار بكمال قدرة الله تعالىٰ، ونفوذ مشيئته، وأنه لا يعجزه شيء، فإعادة العباد بعد موتهم فرد من أفراد آثار قدرته. ومنها تذكيره العباد بالنشأة الأولى، وأنّ الذي أوجدهم ولم يكونوا شيئاً مذكوراً، لا بد أن يُعيدهم كما بدأهم، وأن الإعادة أهون عليه، وأعاد هذا المعنى في مواضع كثيرة بأساليب متنوعة. ومنها: إحياؤه الأرضَ الهامدة الميتة بعد موتها، وأن الذي أحياها سيحيي الموتى. وقرر ذلك بقدرته على ما هو أكبر من ذلك، وهو خلق السماوات والأرض، والمخلوقات العظيمة، فمتى أثبت المنكرون ذلك، ولن يقدروا على إنكاره، فلأي شيء يستبعدون إحياء الموتى؟ وقرر ذلك بسعة علمه، وكمال حكمته، وأنه لا يليق به ولا يحسن أن يترك خلقه سدى مهملين، لا يُؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون. وهذا طريق قرر به النبوة وأمر المعاد. ومما قرر به البعث ومجازاة المحسنين بإحسانهم، والمسيئين بإساءتهم:ما أخبر به من أيامه و سننه سبحانه في الأمم الماضية والقرون الغابرة. وكيف نجى الأنبياء وأتباعهم، وأهلك المكذبين لهم المنكرين للبعث، ونوَّعَ عليهم العقوبات، وأحل بهم المَثُلات، فهذا جزاء معجل ونموذج من جزاء الآخرة أراه الله عباده، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة) . المثلات جمع مَثْلة بفتح الميم وتسكين الثاء وفتح اللام، وهي الآية التي ينزلها الله عز وجل فيمن يشاء من عباده؛ لتكون عبرة ونكالاً ورادعاً لغير من نزلت به. والمراد العقوبات الظاهرة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه، وبعضهم قال: إن أصلها مُثلة. ولكن الأول أصوب. (ومن ذلك: ما أرى الله عباده من إحيائه الأموات في الدنيا: كما ذكره الله عن صاحب البقرة، والألوف من بني إسرائيل، والذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، وقصة إبراهيم الخليل والطيور، وإحياء عيسى بن مريم للأموات، وغيرها مما أراه الله عباده في هذه الدار؛ ليعلموا أنه قوي ذو اقتدار، وأن العباد لا بد أن يَرِدوا دار القرار، إما الجنة أو النار. وهذه المعاني أبداها الله وأعادها في محالّ كثيرة. والله أعلم) . وهـٰذه النماذج المذكورة من إحياء الله عز وجل للموتى في هـٰذه الدنيا ذكر الله عز وجل أكثرها في سورة البقرة: فصاحب البقرة مذكور في سورة البقرة، والألوف من بني إسرائيل، والذي مر على قرية، قصة إبراهيم، إحياء عيسىٰ ابن مريم الأموات في المائدة وفي آل عمران أيضاً. وإنما نوع الله عز وجل الأدلة وكررها في هـٰذا الأمر لتقوم الحجة على كل من علم بذلك، وكل من شاهده وأبصره، فإن ذلك نموذج لما يكون في الآخرة من إعادة الأرواح إلىٰ الأبدان بعد موتها.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:37 | |
| القاعدة التاسعة: في طريقة القرآن في أمر المؤمنين وخطابهم بالأحكام الشرعية.
قد أمر الله تعالى بالدعاء إلى سبيله بالتي هي أحسن، أي: بأقرب طريق موصل للمقصود، محصل للمطلوب. ولا شك أن الطرق التي سلكها الله في خطاب عباده المؤمنين بالأحكام الشرعية هي أحسنها وأقربها، فأكثر ما يدعوهم إلى الخير وينهاهم عن الشر بالوصف الذي مَنَّ عليهم به وهو الإيمان، فيقول: يا أيها الذين آمنوا افعلوا كذا، واتركوا كذا؛ لأن في ذلك دعوة لهم من وجهين: أحدهما: من جهة الحث على القيام بلوازم الإيمان، وشروطه، ومكملاته، فكأنه يقول: يا أيها الذين آمنوا قوموا بما يقتضيه إيمانكم، من امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، والتخلق بكل خُلق حميد، والتجنب لكل خُلق رذيل؛ فإن الإيمان الحقيقي هكذا يقتضي؛ ولهذا أجمع السلف أن الإيمان يزيد وينقص، وأن جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة من الإيمان ولوازمه، كما دلت على هذا الأصل الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة، وهذا أحدها؛ حيث يصدر الله أمر المؤمنين بقوله: «يا أيها الذين آمنوا» ، أو يعلق فعل ذلك على الإيمان، وأنه لا يتم الإيمان إلا بذلك المذكور. والوجه الثاني: أنه يدعوهم بقوله: «يا أيها الذين آمنوا» «افعلوا كذا، أو اتركوا كذا». أو يعلق ذلك بالإيمان، يدعوهم بمنَّته عليهم بهذه المنَّة التي هي أجل المنن، أي: يا من منَّ الله عليهم بالإيمان قوموا بشكر هذه النعمة بفعل كذا وترك كذا. فالوجه الأول: دعوة لهم أن يتمِّموا إيمانهم ويكملوه بالشرائع الظاهرة والباطنة. والوجه الثاني: دعوة لهم إلى شكر نعمة الإيمان ببيان تفصيل هذا الشكر، وهو الانقياد التام لأمره ونهيه. وتارة يدعو المؤمنين إلى الخير، وينهاهم عن الشر، بذكر آثار الخير، وعواقبه الحميدة، العاجلة والآجلة، وبذكر آثار الشر، وعواقبه الوخيمة، في الدنيا والآخرة. وتارة يدعوهم إلى ذلك بذكر نعمه المتنوعة، وآلائه الجزيلة، وأن النعم تقتضي منهم القيام بشكرها، وشكرها هو القيام بحقوق الإيمان. وتارة يدعوهم إلى ذلك بالترغيب والترهيب، وبذكر ما أعدَّ الله للمؤمنين الطائعين من الثواب، وما لغيرهم من العقاب. وتارة يدعوهم إلى ذلك بذكر ما له من الأسماء الحسنى، وما له من الحق العظيم على عباده، وأن حقه عليهم أن يقوموا بعبوديته ظاهراً وباطناً، ويتعبَّدوا له ويدعوه بأسمائه الحسنى، وصفاته المقدَّسة. فالعبادات كلها تعظيم وتكبير لله، وإجلال وإكرام، وتودُّد إليه، وتقرُّب منه. وتارة يدعوهم إلى ذلك لأجل أن يتَّخذوه وحده وليّاً، وملجأ، وملاذاً، ومعاذاً، ومفزعاً إليه في الأمور كلها، وإنابة إليه في كل حال، ويخبرهم أن هذا هو أصل سعادة العبد وصلاحه وفلاحه، وأنه إن لم يدخل في ولاية الله وتوليه الخاص تولاه عدوه الذي يريد له الشر والشقاء، ويمنِّيه ويغره حتى يُفَوِّته المنافع والمصالح، ويوقعه في المهالك، وهذا كله مبسوط في القرآن بعبارات متنوعة. وتارة يحثُّهم على ذلك، ويحذرهم من التشبه بأهل الغفلة، والإعراض، والأديان المبدلة؛ لئلا يلحقهم من اللوم ما لحق أولئك الأقوام، كقوله: {{فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}} [يونس: 95] {{فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}} [الأنعام: 52]، {{وَلاَ تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}} [الأعراف: 205] {{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ *}} [الحديد: 16] إلى غير ذلك من الآيات. الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:37 | |
| شرح القاعدة التاسعة في طريقة القرآن في أمر المؤمنين وخطابهم بالأحكام الشرعية
قد أمر الله تعالىٰ بالدعاء إلى سبيله بالتي هي أحسن، أي بأقرب طريق موصل للمقصود، محصل للمطلوب). أحسن تعريف بالتي هي أحسن ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾( ) التي هي أحسن، أحسن ما يعرف به هـٰذا أو يوصف به هـٰذا الطريق هو قوله: بأقرب طريق موصل إلىٰ المقصود محصل للمطلوب. (ولا شك أن الطرق التي سلكها الله في خطاب عباده المؤمنين بالأحكام الشرعية هي أحسنها وأقربها. فأكثر ما يدعوهم إلى الخير وينهاهم عن الشر بالوصف الذي منَّ عليهم به وهو الإيمان، فيقول: يا أيها الذين آمنوا افعلوا كذا واتركوا كذا؛ لأن في ذلك دعوة لهم من وجهين: ) يعني دعوة إلى أي شيء؟ دعوة إلىٰ فعل ما أمروا به وترك ما نهوا عنه، يعني دعوة إلىٰ الامتثال من وجهين، انتبه لهذين الوجهين. (أحدهما من جهة الحث على القيام بلوازم الإيمان، وشروطه، ومكمِّلاته). لأن المأمورات والمنهيات المصدّرة بهذا الخطاب: إما أن تكون من لوازم الإيمان. وإما أن تكون من شروطه. وإما أن تكون من مكملاته. فلوازمه هي واجباته، وشروطه هي الأمور التي لا يوجد الإيمان إلا بوجودها، ومكملاته هي ما يوجد الإيمان ولكنه يكون ناقصاً بنقص هـٰذه الصفات المأمور بإيجادها أو المطلوب التخلص منها. (فكأنه يقول:يا أيها الذين آمنوا قوموا بما يقتضيه إيمانكم من امتثال الأوامر واجتناب النواهي، والتخلق بكل خلق حميد والتجنب لكل خلق رذيل. فإن الإيمان الحقيقي هكذا يقتضي، ولهذا أجمع السلف أن الإيمان يزيد وينقص، وأن جميع شرائع الدِّين الظاهرة والباطنة من الإيمان ولوازمه، كما دلت على هذا الأصل الأدلة الكثيرة، من الكتاب والسنة -وهذا أحدها- حيث يصدِّر الله أمر المؤمنين بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أو يعلق فعل ذلك على الإيمان، وأنه لا يتم الإيمان إلا بذلك المذكور) . . الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:37 | |
| طيّب نرجع إلىٰ الوجه، الوجه الأول ملخصه الإغراء والحث، تصدير الخطاب بالنداء بوصف الإيمان إنما هو لحث الموجه إليهم الخطاب علىٰ فعل المأمور وترك المنهي عنه، فإذا سمعت الله جل وعلا يقول: يا أيها الذين آمنوا افعلوا كذا أو لا تفعلوا كذا. كان ذلك حاثّاً لك إذا كنت ممن يحرص على الاتصاف بهذه الصفة، ومرغباً لك، ومغرياً لك أن تكون ممن اتصف بهذا الوصف. فهـٰذا الوجه هو الوجه الأول، وهو الإغراء والحث. أيضاً يتضمن هـٰذا وجهاً آخر؛ يعني هـٰذا الوجه الذي ذكره المؤلف يعود إلىٰ الإغراء أولاً. وثانياً إلىٰ أن تصدير الخطاب بوصف الإيمان دليل على أن مضمون الخطاب من شروط الإيمان أو من واجباته أو مكمِّلاته؛ يعني أن المذكور من لوازم الإيمان، فإذا حرص الإنسان على تكميل صفات الإيمان فليأت بهذا الوصف. الوجه الثالث الذي يندرج في كلام المؤلف هو أن ترك هـٰذه الصفات المأمور بها أو فعل هـٰذه الصفات المنهي عنها دليل على نقص إيمانه. وهـٰذه الأوجه كثيراً ما كان يكررها شيخنا رحمه الله في تفسيره عند كلامه على الآيات، وهي كلها مندرجة في الوجه الأول الذي ذكره المؤلف رحمه الله. ما فائدة تصدير الخطاب بهذا الوصف ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾؟ ثلاث فوائد: الفائدة الأولى: الإغراء والحث على فعل ما أمروا به، أو ترك ما نهوا عنه. الفائدة الثانية: أن المذكور من أمر أو نهي من لوازم الإيمان وواجباته. الفائدة الثالثة: أن مخالفة الأمر الذي صُدِّر بوصف الإيمان، أو ارتكاب النهي الذي صدر بوصف الإيمان يدل على أي شيء؟ على نقص الإيمان. هـٰذه فوائد توجيه الخطاب وتصديره بوصف الإيمان. أما قول المؤلف رحمه الله: (هـٰذا أحدها) أي هـٰذا أحد الأدلة الدّالة على أن الأعمال مندرجة في مسمى الإيمان، وأنه لا يصح الإيمان ولا يكمل ولا يقر إلا بالأعمال. وهـٰذه مسألة مشهورة معروفة، تواتر فيها النقل عن الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وعن أئمة التابعين، وعن جمهور السلف: أن الإيمان لا بد فيه من قول وعمل، ولذلك نص أعلام السنة المشهورة في العقائد كلها أن الإيمان قول وعمل. مقصودي بالعقائد كلها عقائد أهل السنة كلها أن الإيمان قول وعمل، وأن الأعمال مندرجة تحت مسمى الإيمان، فلا يمكن فصلها ولا يمكن إخراجها. نعم.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:38 | |
| (والوجه الثاني أنه يدعوهم بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ افعلوا كذا، أو اتركوا كذا، أو يعلق ذلك بالإيمان، يدعوهم بمنته عليهم، بهذه المنة التي هي أجل المنن، أي: يا من مَنَّ الله عليهم بالإيمان، قوموا بشكر هذه النعمة، بفعل كذا وترك كذا) . هـٰذا الوجه يعود إلىٰ المنة والإغراء، فكما دعاكم الله عز وجل بهذه المنة وأن جعلكم من المؤمنين، فاحرصوا على تكميل صفات أهله بفعل ما أمركم به، وبترك ما نهاكم عنه، نعم. (فالوجه الأول: دعوة لهم أن يتمموا إيمانهم ويكملوه بالشرائع الظاهرة والباطنة. والوجه الثاني: دعوة لهم إلى شكر نعمة الإيمان، ببيان تفصيل هذا الشكر، وهو الانقياد التام لأمره ونهيه. وتارة يدعو المؤمنين إلى الخير وينهاهم عن الشر: بذكر آثار الخير، وعواقبه الحميدة العاجلة والآجلة، وبذكر آثار الشر، وعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة. وتارة يدعوهم إلى ذلك بذكر نعمه المتنوعة، وآلائه الجزيلة، وأن النعم تقتضي منهم القيام بشكرها، وشكرها هو القيام بحقوق الإيمان. وتارة يدعوهم إلى ذلك بالترغيب والترهيب، وبذكر ما أعد الله للمؤمنين الطائعين من الثواب، وما للعصاة من العقوبات. وتارة يدعوهم إلى ذلك بذكر ما له من الأسماء الحسنى، وما له من الحق العظيم على عباده، وأن حقه عليهم أن يقوموا بعبوديته ظاهراً وباطناً، ويتعبدوا له وحده، ويدعوه بأسمائه الحسنى وصفاته المقدسة. فالعبادات كلها تعظيم وتكبير لله، وإجلال وإكرام، وتودد إليه، وتقرب منه) . فركن العبادة الأعظم المحبة والتعظيم، والمحبة إنما يُحب من كان متصفاً بالصفات الحسنى؛ بالصفات العليا، ومتسمياً بالأسماء الحسنى جل وعلا، فهو موصوف بالأسماء الحسنى والصفات العليا والأفعال الجميلة، ولذلك كانت عبادته لا تقوم إلا بمحبته، ولا تقوم المحبة إلا بتمام المعرفة بأسمائه وصفاته وأفعاله الجميلة سبحانه وتعالىٰ. ولذلك يدعو الله عز وجل عباده المؤمنين بذكر أسمائه وصفاته، فإذا تبين للعبد عظمة الرب وما يتّصف به من صفات الكمال كان ذلك حاملاً له على عبادته وحسن طاعته جل وعلا. وأما إذا كان العبد غافلاً عن الأسماء الحسنى والصفات العليا له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإنه يغفل عن عبادات كثيرة، وتصبح العبادات جافة لا أثر لها في قلبه، ولا ثمرة لها في سلوكه وخلقه. ولذلك من المهم، من المهم لطالب العلم، أن يعتني بأسماء الله عز وجل وصفاته، وإذا علمنا هـٰذا فلا نستغرب أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة)) وليس الإحصاء هو الإحصاء اللفظي بأن يعدها: الله الرحمـٰن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، هـٰذا كل أحد يحسنه، إنما الإحصاء هو إحصاء لفظها ومعناها، وإحصاؤها في العمل؛ بأن يتعبد لله عز وجل بها، نعم عبادة الرحمـٰن تقوم على أمرين: محبة الله عز وجل غاية المحبة، وتعظيمه غاية التعظيم: مع ذل عابده هما قطبان وعبادة الرحمـٰن غاية حبه
هكذا قال ابن القيم رحمه الله في بيان العبادة في نونيته: (وعبادة الرحمـٰن غاية حبه) يعني منتهى حبه ( مع ذل عابده هما قطبان) أي قطبان للعبادة، لا تقوم العبادة إلا بهما. نعم. (وتارة يدعوهم إلى ذلك، لأجل أن يتخذوه وحده ولياًّ وملجأً، وملاذاً ومَعاذاً، ومفزعاً إليه في الأمور كلها، وإنابةً إليه في كل حال، ويخبرهم أن هذا هو أصل سعادة العبد وصلاحه وفلاحه، وأنه إن لم يدخل في ولاية الله وتوليه الخاص تولاه عدوه الذي يريد له الشر والشقاء، ويمنيه ويغره، حتى تفوته المنافع والمصالح، ويوقعه في المهالك. وهذا كله مبسوط في القرآن بعبارات متنوعة. وتارة يحثهم على ذلك ويحذرهم من التشبه بأهل الغفلة والإعراض، والأديان المُبَدَّلة؛ لئلا يلحقهم من اللوم ما لحق أولئك الأقوام. كقوله: ﴿وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِين﴾، ﴿وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾، ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾، إلى غير ذلك من الآيات. ولا شك أن المؤمن- إذا سمع الأمر والنهي، وتعقيب ذلك بنهي الله عزّ وجل، أو وتعقيب ذلك ببيان أن من خالف الأمر أو ارتكب ذلك النهي يكون من الموصوفين بهذه الصفات- أن ذلك يدعوه إلىٰ فعل ما أمر وترك ما نهي عنه؛ لأن الخسار مبغوض عند كل أحد، والظلم كذلك، وكذلك الغفلة. فهـٰذا سبيل من السبل التي سلكها القرآن لتقرير الخطاب في أحكام الله عز وجل، وحمل الناس على فعلها، والذي ذكره المؤلف رحمه الله فيه كفاية، وإن كان رحمه الله لا يحرص على ذكر الأمثلة؛ لأنه لو أراد ذكر الأمثلة لطال المقام؛ لكنه اكتفى بإشارات يستطيع الإنسان أن يهتدي إليها من خلال مطالعته وقراءته في كلام الله عز وجل
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:38 | |
| القاعدة العاشرة: في الطرق التي في القرآن لدعوة الكفار على اختلاف مللهم ونِحلهم.
يدعوهم إلى الدين الإسلامي والإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم بما يصفه من محاسن شرعه ودينه، وما يذكره من براهين رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ ليهتدي من قصده الحق والإنصاف، وتقوم الحجة على المعاند. وهذه أعظم طريق يُدعى بها جميع المخالفين لدين الإسلام؛ فإن محاسن دين الإسلام، ومحاسن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وآياته، وبراهينه، فيها كفاية تامة للدعوة، بقطع النظر عن إبطال شبههم وما يحتجُّون به، فإن الحق إذا اتضح عُلم أن ما خالفه فهو باطل ضلال. ويدعوهم بما يخوِّفهم من أَخَذَات الأمم، وعقوبات الدنيا، وعقوبات الآخرة، وبما في الأديان الباطلة من أنواع الشرور، والعواقب الخبيثة، ويحذرهم من طاعة رؤساء الشر، ودعاة النار، وأنهم لا بد أن تتقطع نفوسهم على طاعتهم حسرات، وأنهم يتمنون أن لو أطاعوا الرسول ولم يطيعوا السادة والرؤساء، وأن مودتهم وصداقتهم ستتبدَّل بغضاء وعداوة. ويدعوهم أيضاً بنحو ما يدعو المؤمنين بذكر آلائه ونعمه، وأن المنفرد بالخلق والتدبير والنعم الظاهرة والباطنة هو الذي يجب على العباد طاعته، وامتثال أمره، واجتناب نهيه. ويدعوهم أيضاً بشرح ما في أديانهم الباطلة، وما احتوت عليه من القبح، والمقارنة بينها وبين دين الإسلام؛ ليتبين ويتضح ما يجب إيثاره، وما يتعيَّن اختياره. ويدعوهم بالتي هي أحسن، فإذا وصلت بهم الحال إلى العناد والمكابرة الظاهرة توعَّدهم بالعقوبات الصوارم، وبيَّن للناس طريقتهم التي كانوا عليها، وأنهم لم يخالفوا الدين جهلاً وضلالاً، أو لقيام شبهة أوجبت لهم التوقف، وإنما ذلك جحود ومكابرة وعناد، ويبين مع ذلك الأسباب التي منعتهم من متابعة الهدى، وأنها رياسات وأغراض نفسية، وأنهم لما آثروا الباطل على الحق طبع على قلوبهم، وختم عليها، وسد عليهم طرق الهدى عقوبة لهم على إعراضهم، وتوليهم للشيطان، وتخلِّيهم من ولاية الرحمن، وأنه ولاهم ما تولوا لأنفسهم، وهذه المعاني الجزيلة مبسوطة في القرآن في مواضع كثيرة، فتأمَّل وتدبَّر القرآن تجدها واضحة جلية، والله أعلم.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:38 | |
| شرح (القاعدة العاشرة في طرق القرآن إلى دعوة الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم
بعد أن ذكر خطاب القرآن للمؤمنين ذكر خطاب القرآن للمعاندين. (يدعوهم إلى الدين الإسلامي، والإيمان بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يصفه من محاسن شرعه ودينه، وما يذكره من براهين رسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ليهتدي مَنْ قصده الحق والإنصاف، وتقوم الحجة على المعاند. وهذه أعظم طريق يدعى بها جميع المخالفين لدين الإسلام. فإنّ محاسن دين الإسلام ومحاسن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآياته وبراهينه فيها كفاية تامة للدعوة، بقطع النظر عن إبطال شبههم، وما يحتجون به، فإنّ الحق إذا اتّضح عُلم أن كل ما خالفه فهو باطل وضلال) . نعم هـٰذا هو الصراط الواضح والطريق البين الذي سلكه القرآن في الدعوة إلىٰ الإسلام والدعوة إلىٰ التصديق بنبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو بيان ما عليه الدين من المحاسن، وما عليه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كمال الخلق وطيب السجايا. وهـٰذا السبيل سلكه القرآن في دعوة المخالفين لدين الإسلام، وهو أيضاً يسلكه صاحب الحق في الدعوة إلىٰ قوله على اختلاف المخالفين، سواء كانوا مخالفين في مسائل من مسائل الفروع، أو في مسائل من مسائل الأصول، ينبغي للإنسان أن يجتهد في بيان الحق وبيان حسنه وكماله وحسن عقيدته، وأن لا يشتغل بتفنيد الشبه عند المخالفين المخاصمين؛ لأن الاشتغال برد الشبهة يعمي الخصم عن النظر إلى محاسن ما تدعوه إليه؛ لأنه يكون مشغولاً بأي شيء؟ بالدفاع عن شبهته، بالدفاع عن قوله، بالذب عن ما يدعو إليه؛ لكن إذا أغفلت ما يدعو إليه وبينت سلامة وكمال ما تدعو إليه، فهـٰذا إذا سلم لك بسلامة ما تدعو إليه وكماله حمله على ترك ما يدعو إليه ويتعصب له. وهـٰذا طريق جيّد، ومن سلكه تبيّن له عظيم نفوذه وتأثيره في الخصوم على اختلافهم، لا تشتغل بما مع خصمك من شبه، إنما اشتغل ببيان صحة الحق الذي تدعو إليه. فإذا تبين صحة ما تدعو إليه حمله ذلك على الإقرار بما عندك. يبقى أنك قد تحتاج إلى إبطال بعض ما يدعو إليه أو يخاصم به، فهـٰذه مرتبة تالية سيأتي ذكرها في كلام المؤلف. لكن في الابتداء والمنهج العام والطريق المسلوك في دعوة المخالفين هي بيان صحة وسلامة ما تدعو إليه، وهـٰذا طريق قرآني واضح. (ويدعوهم بما يخوفهم من أخذات الأمم وعقوبات الدنيا وعقوبات الآخرة، وبما في الأديان الباطلة من أنواع الشرور والعواقب الخبيثة، ويحذرهم من طاعة رؤساء الشر ودعاة النار، وأنهم لا بد أن تتقطع نفوسهم على طاعتهم حسرات، وأنهم يتمنون أن لو أطاعوا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يطيعوا السادة والرؤساء، وأن مودتهم وصداقتهم وموالاتهم ستتبدل بغضاء وعداوة. ويدعوهم أيضاً بنحو ما يدعو المؤمنين بذكر آلائه ونعمه، وأنّ المنفرد بالخلق والتدبير والنعم الظاهرة والباطنة هو الذي يجب على العباد طاعته، وامتثال أمره واجتناب نهيه) . هـٰذا استدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية، إذا كان يدعوهم بذكر آلائه ونعمه وأنه المنفرد بالخلق والتدبير والنعم الظاهرة والباطنة، وهـٰذا كله مندرج تحت توحيد الربوبية، حملهم ذلك على عبادته وحده لا شريك له، وبهذا تعرف أن توحيد الربوبية يستلزم الإقرار بتوحيد الإلهية؛ يعني من لوازم الإقرار بأن الله رب العالمين أن يكون هو المعبود وحده جل وعلا. (ويدعوهم أيضاً بشرح ما في أديانهم الباطلة، وما احتوت عليه من القبح، والمقارنة بينها وبين دين الإسلام؛ ليتبين ويتضح ما يجب إيثاره، وما يتعين اختياره، ويدعوهم بالتي هي أحسن. فإذا وصلت بهم الحال إلى العناد والمكابرة الظاهرة توعّدهم بالعقوبات الصوارم، وبيّن للناس طريقتهم التي كانوا عليها). طيب ما الفرق بين هـٰذا بين قوله: (ويدعوهم بما يخوفهم من أخذات الأمم وعقوبات الدنيا وعقوبات الآخرة) إلىٰ آخر كلامه السابق؟ هناك ذكر العقوبات وهنا قال: (ويدعوهم بالتي هي أحسن. فإذا وصلت بهم الحال إلى العناد والمكابرة توعدهم بالعقوبات الصوارم) الفرق بينهما: أن هناك ذكر العقوبات على وجه الإجمال، فيخوفهم على وجه الإجمال، أو يقص عليهم على وجه الإجمال ما كان من الأمم السابقة من الكفر والتكذيب وكيف كان مآل كفرهم وتكذيبهم. أما هنا فهو تهديد بالعقوبات الخاصة بهِمْ هُم، ومن ذلك ما ذكره الله في سورة فصلت: ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)﴾ فهـٰذا إنذار خاص بعقوبة خاصة تحل بهم. (وأنهم لم يخالفوا الدين جهلاً وضلالاً، أو لقيام شبهة أوجبت لهم التوقّف، وإنما ذلك جحود ومكابرة وعناد. وبيّن مع ذلك الأسباب التي منعتهم من متابعة الهدى، وأنها رياسات وأغراض نفسية، وأنهم لما آثروا الباطل على الحق طَبَعَ على قلوبهم وختم عليها، وسد عليهم طريق الهدى عقوبة لهم على إعراضهم وتولِّيهم الشيطان، وإعراضهم عن الرحمـٰن، وأنه ولاهم ما تولوا لأنفسهم. وهذه المعاني الجزيلة مبسوطة في القرآن في مواضع كثيرة، فتأمل وتدبر القرآن تجدها واضحة جلية، والله أعلم) . من المهم يا إخواني عند قراءة القرآن أن يستحضر الإنسان هـٰذه الأمور في قراءته؛ ليتبين له صدق هـٰذه القواعد، وانطباقُها في كتاب الله عز وجل، وانتفاعه بها أيضاً؛ فإن انتفاعه بها موقوف على تدبر كتاب الله عز وجل، وتنزيل هـٰذه القواعد على الواقع. نعم.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:39 | |
| القاعدة الحادية عشر[ة] كما أن المفسر للقرآن يراعي ما دلت عليه ألفاظه مطابقة، وما دخل في ضمنها، فعليه أن يراعي لوازم تلك المعاني، وما تستدعيه من المعاني التي لم يصرح اللفظ بذكرها.
وهذه القاعدة من أجلِّ قواعد التفسير وأنفعها، وتستدعي قوة فكر، وحُسن تدبر، وصحة قصد؛ فإن الذي أنزله هو العالم بكل شيء، الذي أحاط علمه بما تحتوي عليه القلوب، وما تَضَمّنه المعاني، وما يتبعها ويتقدمها وتتوقف هي عليه؛ ولهذا أجمع العلماء على الاستدلال باللازم في كلام الله لهذا السبب. والطريق إلى سلوك هذا الأصل النافع أن تفهم ما دل عليه اللفظ من المعاني، فإذا فهمتها فهماً جيداً ففكِّر في الأمور التي تتوقف عليها، ولا تحصل بدونها، وما يشترط لها، وكذلك فكر فيما يترتب عليها، وما يتفرَّع عنها، وينبني عليها، ولا تزال تفكر في هذه الأمور حتى يصير لك ملَكة جيدة في الغوص على المعاني الدقيقة؛ فإن القرآن حق، ولازم الحق حق، وما يتوقف على الحق حق، وما يتفرَّع على الحق حق. فمن وُفِّق لهذه الطريقة، وأعطاه الله توفيقاً ونوراً، انفتحت له العلوم النافعة، والمعارف الجليلة. ولنمثل لهذا الأصل أمثلة توضحه: منها: في أسمائه الحسنى «الرحمن الرحيم»، فإنها تدل بلفظها على وصفه بالرحمة، وسعة رحمته، فإذا فهمت أن الرحمة التي لا يشبهها رحمة أحد هي وصفه الثابت، وأنه أوصل رحمته إلى كل مخلوق، ولم يَخْلُ أحد من رحمته طرفة عين، عرفت أن هذا الوصف يدل على كمال حياته، وكمال قدرته، وإحاطة علمه، ونفوذ مشيئته، وكمال حكمته؛ لتوقُّف الرحمة على ذلك كله، ثم استدللت بسعة رحمته على أن شرعه نور ورحمة؛ ولهذا يعلِّل تعالى كثيراً من الأحكام الشرعية برحمته وإحسانه؛ لأنها من مقتضاه وأثره. ومنها قوله تعالى: {{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}} [النساء: 58] فإذا فهمت أن الله أمر بأداء الأمانات كلها إلى أهلها استدللت بذلك على وجوب حفظ الأمانات، وعدم إضاعتها والتفريط والتعدي فيها، وأنه لا يتم الأداء لأهلها إلا بذلك. وإذا فهمت أن الله أمر بالحكم بين الناس بالعدل استدللت بذلك على أن كل حاكم بين الناس في الأمور الكبار والصغار لا بد أن يكون عالماً بما يحكم به، فإن كان حاكماً عاماً فلا بد أن يحصِّل من العلم ما يؤهله إلى ذلك، وإن كان حاكماً ببعض الأمور الجزئية كالشقاق بين الزوجين حيث أمر الله أن نبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها فلا بد أن يكون عارفاً بهذه الأمور التي يريد أن يحكم بها، ويعرف الطريق التي توصله إليها. وبهذا بعينه نستدل على وجوب طلب العلم، وأنه فرض عين في كل أمر يحتاجه العبد؛ فإن الله أمرنا بأوامر كثيرة، ونهانا عن أمور كثيرة، ومن المعلوم أن امتثال أمره واجتناب نهيه يتوقف على معرفته وعلمه، فكيف يتصور أن يمتثل الجاهل الأمر الذي لا يعرفه، أو يدع الأمر الذي يعرفه؟ وكذلك أمره لعباده أن يأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، يتوقف ذلك على العلم بالمعروف والمنكر ليأمر بهذا، وينهى عن هذا، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يحصل ترك المنهي عنه إلا به فهو واجب؛ فالعلم بالإيمان والعمل الصالح متقدِّم على القيام به، والعلم بضد ذلك متقدِّم على تركه لاستحالة ترك ما لا يعرفه العبد قصداً وتقرُّباً وتعبُّداً ومن ذلك: الأمر بالجهاد، والحث عليه، من لازم ذلك: الأمر بكل ما لا يتم الجهاد إلا به، من تعلُّم الرمي، والركوب، وعمل آلاته وصناعاته، مع أن ذلك كله داخل دخول مطابقة في قوله تعالى: {{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}} [الأنفال: 60] فإنها تتناول كل قوة عقلية، وبدنية، وسياسية، ونحوها. ومن ذلك: أن الله استشهد بأهل العلم على توحيده، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، وهذا يدل على عدالتهم، وأنهم حجة من الله تعالى على من كذَّب، بمنزلة آياته وأدلته. ومن ذلك: سؤال عباد الرحمن ربهم أن يجعلهم للمتقين إماماً يقتضي سؤالهم الله جميع ما تتم الإمامة في الدين به، من علوم، ومعارف جليلة، وأعمال صالحة، وأخلاق فاضلة؛ لأن سؤال العبد لربه شيئاً سؤال له ولما لا يتم إلا به، كما إذا سأل الله الجنة واستعاذ به من النار فإنه يقتضي سؤال كل ما يقرِّب إلى هذه ويبعد من هذه. ومن ذلك أنه أمر بالصلاح والإصلاح، وأثنى على المصلحين، وأخبر أنه لا يصلح عمل المفسدين، فيستدل بذلك على أن كل أمر فيه صلاح للعباد في أمر دينهم ودنياهم، وكل أمر يعين على ذلك، فإنه داخل في أمر الله وترغيبه، وأن كل فساد وضرر وشر فإنه داخل في نهيه والتحذير عنه، وأنه يجب تحصيل كل ما يعود إلى الصلاح والإصلاح بحسب استطاعة العبد، كما قال شعيب صلّى الله عليه وسلّم: {{إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ}} [هود: 88] . ومن ذلك قوله تعالى: {{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}} [البقرة: 223] و{{حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}} [الأنفال: 65] يقتضي الأمر بكل ما لا تتم البشارة إلا به، والأمر بكل ما فيه حث وتحريض، وما يتوقف على ذلك ويتبعه من الاستعداد والتمرُّن على أسباب الشجاعة والسعي في القوة المعنوية، من التآلف، واجتماع الكلمة، ونحو ذلك. ومن ذلك، الأمر بتبليغ الأحكام الشرعية، والتذكير بها وتعليمها، فإن كل أمر يحصل به التبليغ وإيصال الأحكام إلى المكلَّفين يدخل في ذلك، حتى إنه يدخل فيه إذا ثبتت الأحكام الشرعية، ووُجدت أسبابها، وكانت تخفى عادة على أكثر الناس، كثبوت الأهلَّة ـ بالصيام والفطر والحج وغيره ـ إبلاغها بالأصوات، والرمي، وإبلاغها بما هو أبلغ من ذلك كالبرقيات، ونحوها، وكذلك يدخل فيه كل ما أعان على إيصال الأصوات إلى السامعين من الآلات الحادثة، فحدوثها لا يقتضي منعها، فكل أمر ينفع الناس فإن القرآن لا يمنعه، بل يدل عليه لمن أحسن الاستدلال به، وهذا من آيات القرآن، وأكبر براهينه، أنه لا يمكن أن يحدث علم صحيح ينقض شيئاً منه، فإنه يَرِدُ بما تشهد به العقول جملة أو تفصيلاً، أو يرد بما لا تهتدي إليه العقول، وأما وروده بما تحيله العقول الصحيحة، وتمنعه، فهذا محال، والحس والتجربة شاهدان بذلك؛ فإنه مهما توسَّعت الاختراعات، وعظمت الصناعات، وتوسَّعت المعارف الطبيعية، وظهر للناس في هذه الأوقات ما كانوا يجهلونه قبل ذلك، فإن القرآن ـ وللَّه الحمد ـ لا يخبر بإحالته، بل تجد بعض الآيات فيها إجمال أو إشارة تدل عليه. وقد ذكرنا شيئاً من ذلك في غير هذا الموضع، والله أعلم وأحكم، وبالله التوفيق.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:39 | |
| شرح (القاعدة الحادية عشرة [مراعاة دلالة التضمن والمطابقة والالتزام] كما أنّ المفسر للقرآن يراعي ما دلّت عليه ألفاظه مطابقة، وما دخل في ضمنها، فعليه أن يراعي لوازم تلك المعاني، وما تستدعيه من المعاني التي لم يصرح اللفظ بذكرها) .
هـٰذه القاعدة أيها الإخوان ذكرت دلالات الألفاظ: اللفظ له ثلاث دلالات: دلالة مطابقة، ودلالة تضمن، ودلالة التزام. دلالة المطابقة: هي دلالة اللفظ على كامل معناه. دلالة التضمن: هي دلالة اللفظ على بعض معناه. دلالة الالتزام: هي دلالة اللفظ على ما يلزم منه. (وهذه القاعدة: من أجل قواعد التفسير وأنفعها، وتستدعي قوة فكر، وحسن تدبر، وصحة قصد. فإن الذي أنزله هو العالم بكل شيء، الذي أحاط علمه بما تحتوي عليه القلوب، وبما تضمنه القرآن من المعاني، وما يتبعها ويتقدمها، وتتوقف هي عليه. ولهذا أجمع العلماء على الاستدلال باللازم في كلام الله لهذا السبب) . يقول الشيخ رحمه الله: (فإن الذي أنزله هو العالم بكل شيء، الذي أحاط علمه بما تحتوي عليه القلوب). وهـٰذا استدلال لصحة هـٰذه القاعدة، وأنه يجب إثبات ما تضمّنه النص مطابقة وتضمناً والتزاماً، وهـٰذه الدلالات الثلاث هي من الدلالات الوضعية للألفاظ، وتقدم الكلام على هـٰذه الدلالات، وأن دلالة المطابقة هي دلالة اللفظ على جميع مسماه أو على كل معناه، ودلالة التضمن هي دلالته على بعض معناه، ودلالة الالتزام دلالة اللفظ على أمر خارج لازم للنص. هـٰذه أنواع الدلالات الثلاث. فإذا جاء لفظٌ في كتاب الله أو في سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والكلام في التفسير- فإنه يثبت ذلك اللفظ بما تضمنه من دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام، سيأتي لذلك أمثلة. ولا يقول قائل: إنه يلزم على ذلك باطل، فهذا لا يكون بل هو محال، فإن لازم كلام الله عز وجل حق، ولا يمكن أن يلزم على ما جاء في الكتاب والسنة باطل، قال الله جل وعلا: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾ فنفى الله جل وعلا أن يتطرق إلىٰ هـٰذا الكتاب باطل لا في لفظه ولا في معناه، فيجب إثبات ما دلت عليه الألفاظ مطابقة وتضمناً والتزاماً.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 الإثنين 2 مايو 2011 - 0:39 | |
| والوقوف على هـٰذه الدلالات مما يتفاوت فيه الناس، لا سيما في دلالة الالتزام، فإن المطالعين والقارئين لكتاب الله عز وجل يختلفون في الاستنباط والفهم وما يلزم وما لا يلزم، وأما دلالة التضمن والمطابقة فهي قريبة الحصول لمن تمرّس في كتاب الله عز وجل والنظر في معانيه. المهم أن قوله: (فإن الذي أنزله) هـٰذا كالدليل لهذه القاعدة. ثم بعد أن ذكر الدليل ذكر إجماع أهل العلم على هـٰذه القاعدة، قال: (ولهذا أجمع العلماء على الاستدلال باللازم في كلام الله لهذا السبب). يعني لأنه لا يلزم على كلام الله باطل، فالمشار إليه ما تقدم من أنه لا يمكن أن يتضمن كلام الله جل وعلا باطلاً، وأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليم خبير قد أتقن كل شيء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد وصف كتابه بالحكيم، فهو محكم متقن في لفظه وفي معناه، فليتنبه إلىٰ هـٰذا. (والطريق إلى سلوك هذا الأصل النافع: أن تفهم ما دل عليه اللفظ من المعاني، فإذا فهمتها فهماً جيداً، ففكِّر في الأمور التي تتوقف عليها، ولا تحصل بدونها، وما يشترط لها. وكذلك فكِّر فيما يترتب عليها، وما يتفرَّع عنها، وينبني عليها،ولا تزال تفكر في هـٰذه الأمور حتى تصير لك ملكة جيدة في الغوص على المعاني الدقيقة. فإن القرآن حق، ولازم الحق حق، وما يتوقف على الحق حق، وما يتفرع عن الحق حق فمن وفق لهذه الطريقة وأعطاه الله توفيقاً ونوراً، انفتحت له العلوم النافعة، والمعارف الجليلة، والأخلاق السامية، والآداب الكريمة العالية. ولنمثل لهذا الأصل أمثلة توضحه: ) إذاً هـٰذا طريق إعمال هـٰذه القاعدة، هـٰذا المقطع فيه بيان طريق إعمال هـٰذه القاعدة، وانتبه إلىٰ قوله: (والطريق إلى سلوك هذا الأصل النافع: أن تفهم ما دل عليه اللفظ من المعاني). فمفتاح الانتفاع بالكتاب هو فهم معناه، فإذا حصل للإنسان فهم المعنى انفتح له الباب بعد ذلك، فكلما تأمّل وكلما أنعم النظر وكلما أطال الفكر في كلام الله عز وجل وفق وحصل له خير، فأول الدرجات وأول العتبات لحصول التدبر والانتفاع بالكتاب هو فهم معناه. (منها في أسماء الله الحسنى: (الرحمـٰن الرحيم) فإنها تدل بلفظها على وصفه بالرحمة، وسعة رحمته. فإذا فهمت أن الرحمة التي لا يشبهها رحمة أحد: هي وصفه الثابت، وأنه أوصل رحمته إلى كل مخلوق، ولم يخل أحد من رحمته طرفة عين، عرفت أن هذا الوصف يدل على كمال حياته، وكمال قدرته، وإحاطة علمه، ونفوذ مشيئته، وكمال حكمته؛ لتوقف الرحمة على ذلك كله، ثم استدللت بسعة رحمته على أن شرعه نور ورحمة. ولهذا يعلل الله تعالىٰ كثيراً من الأحكام الشرعية برحمته وإحسانه؛ لأنها من مقتضاها وأثرها.
الموضوع : القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
| |
| القواعد الحسان للسعدي 1 - 15 | |
|