عن
أبي نَجـيـح العـِرباض بن سارية -رضي الله تعالى عنه- قال : وعـظـنا رسول
الله -صلي الله عليه وسلم- موعـظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها الدموع،
فـقـلـنا : يا رسول الله ! كأنها موعـظة مودع، فـأوصنا. قال : (
أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تَأَمَّر عليكم عبد، فإنه من
يعــش منكم فسيرى اخـتـلافـا كثيرًا، فعـليكم بسنتي وسنة الخفاء الراشدين
المهديين، عـَضُّوا عـليها بالـنـواجـذ، وإياكم ومـحدثات الأمور، فإن كل
بدعة ضلاله). [رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح].)
بسم
الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى اللهم وبارك على نبينا
محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين نسأل الله سبحانه وتعالى ، أن يرزقنا العلم
النافع والعمل الصالح ، وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا ، وأن
يزيدنا علماً إنه سميعٌ قريبٌ مجيب .
هذا الحديثُ العظيم أخرجه الإمام أبو داود والترمذي ، وغيرهما ، وقال عنه الإمام الترمذي حديثٌ حسنٌ صحيح ، فالحديثُ صحيح .
قال :(عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً )
الموعظة : هي التذكير بما ينبغي التذكير به لكي تحيا القلوب ، وتتأثر بما
يرغبُ لها ، أو بما ترهبُ عنه ، وهذه الموعظة قيل إنها بعد صلاة الصبح .
( وجلت منها القلوب ) هذا وصف لهذه الموعظة ، وجلت منها القلوب ، يعني : تأثرت منها وخافت ، والوجل هو الخوف فتأثرت من هذه الموعظة .
(وزرفت منها العيون ) يعني دمعت العيون وسالت من الدمع لقوة التأثير ، والتأثير يؤثر كما يؤثر على القلب يظهر الأثر على العين بالدمع .
(فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع )
المودع الذي يودع أصحابه لسفر أو لغيره ، وعادة المودع يأتي بأخلص ما لديه
ليوصي به من بعده ، فالصحابة رضوان الله عليهم من تأثرهم بهذه الموعظة
شعروا أن النبي صلى اله عليه وسلم يودعهم بهذه الموعظة فقالوا :
(كأنها موعظةُ مودع) لقوة التأثير .
(فأوصنا قال : أوصيكم بتقوى الله )
وتقوى الله مر معنا أن التقوى من الوقاية ، وذلك بأن تجعل بينك وبين عقاب
الله وعذاب الله وقاية ، وقد مر التفصيل فيها في حديث اتقِ الله حيثما كنتُ
.
(والسمع والطاعة)
والسمع والطاعة يعني لولي الأمر ، وللإمام ، وعرفنا أن المقصود بولاة
الأمر هم الأمراء الذين يسوسون أمر الدين والدنيا ، والعلماء الذين يتكلمون
بشرع الله فيفتون ويقضون بشرع الله ، والمقصود هنا الأمراء ؛ لأنه قال :
(وإن تأمر عليكم عبدٌ) يعني رقيق .
(فعليكم بالسمع والطاعة فإنه) هنا تعليل قوله فإنه هذا تعليل لما سبق لقضية السمع والطاعة للأمراء .
(قال فإنه ) هذا تعليل (من يعش منكم ) يعني من سيعيش وتطول به الحياة .
(فيرى اختلافاً كثير)
والاختلاف المقصود هنا في الأصول لأنه لا يترتب النزاع على الاختلاف في
الأمور الجزئية أو الفرعية ، فالاختلاف المقصود الاختلاف المذموم ،
والاختلاف في الأصول مما يدل ، وهذا سيأتي بعد قليل إن شاء الله التفصيل
فيه ، أن الاختلاف آفة من الآفات ، مرض من الأمراض لذلك حذر منه النبي صلى
الله عليه وسلم ما الذي يعالج هذا الاختلاف هو السمع والطاعة أن تتوحد
الأمة على هذا الأمير ، ولا يتفرقون عليه، ولو تفرقوا عليه واختلفوا عليه
كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم هنا أن هذا مدخل من المداخل الشيطانية ،
وآفة من الآفات الكبيرة .
قال بعد ذلك : (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) كأنه يبين لنا الضابط الذي يضبط لنا ، وما هي الطريقة قال الطريقة واضحة :
(عليكم بسنتي )
والسنة المقصودة الطريقة ، والمنهج فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول :
عليكم بطريقتي ، وسيرتي ، ومنهجي ، وسيرة وطريقة الخلفاء الراشدين ،
المعروفون أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عن الجميع .
(المهديين ) يعني الذين هُدوا إلى الحق والهدى ، وهذا تزكية من النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الخلفاء .
(عضوا عليها بالنواجذ)
النواجذ نهاية الأضراس ، ولما تعُضُ النهاية بالشيء يدلُ على قوة التمسك
به ، لأنها هذه الأضراس كما تسمى أضراس العقل ، لا تنبت للإنسان إلا بعد
بلوغ سن معينة ، معنى ذلك أن هذا إذا عض صاحب هذه السن المعينة على الشيء
عض عليه بقوة .
فالنبي صلى الله عليه وسلم يمثلُ على التمسك بالسنة كما يعض هذا العاقل على الشيء فيعض عليه بقوة .
(عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ) هذه كما هو معلوم أداة تحذير .
(ومحدثات الأمور ) يعني التي تُحدث في الدين ، وسيأتي شيء من التفصيل . لماذا ؟(لأن كل بدعةٍ ضلالة )
هذا
الحديث العظيم الحقيقة لو استغلينا درسنا كله لما كفاه ، لماذا ؟ لأنه
يمثل المنهج للأمة وللأفراد في السير بها في هذه الحياة ، فأعطى القواعد
الأساسية الكبرى ، وهذه القواعد ربطها بتعليلاتها ، فقد تعرف القاعدة لكن
أنت لا تعرف ما العلة لأهمية هذه القاعدة من الناحية النظرية التي أنت
تفهما ، أو من الناحية العملية التي تمارسها فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا
أعطانا القواعد الكبرى في السير في هذه الحياة التي تعصم من القواصم
الكبيرة ، من الفتن العظيمة ، مما يقع في أحوال هذه الدنيا من متقلبات
الأمور .
الأمر الأول من هذه القواعد : تقوى الله عز وجل ، وتقوى الله معناها الارتباط بالله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه .
بتعبير آخر : أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ، فلا تذل ، فأنت بحبلٍ مربوط بينك وبين الله .
إذاً العاصم الأول من القواصم في هذه الدنيا تقوى الله عز وجل ، وتقوى الله يعني أنني أرتبط بالله .
هذا
الفعل حلال أو حرام؟ إن كان حلال عملته ، وإن كان حرام اجتنبته خالف هواي
خالف مزاجي ، ورد له دعاية ، ماورد له دعاية ورد له إشاعات ما ورد له هل
هذا الفعل هو مشروع شرعه الله عز وجل أو شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم ،
ولو كان مغري مادياً ، ولو كان يخسر مادياً لو كان أيما كان .
المهم
الفعل بأوامر الله ، واجتناب نواهيه هذا العاصم الأول ، ولذلك قال بعضهم:
أن تعمل بنور الله أن تعمل بأمر الله على نورٍ من الله ترجو ثواب الله ،
وأن تجتنب معاصي الله تخشى بها عقاب الله عز وجل .
إذاً
هذه هي التقوى ، ولذلك ارتبط اللفظ بالفعل ، التقوى من الوقاية ، هذا
العاصم الأول ، وفي الوقت نفسه القاعدة الأولى للتعامل في هذه الحياة .
القاعدة
الثانية : وحدة الناس ، أو وحدة هذه الأمة على إمامها هذه الوحدة تتطلب
السمع والطاعة لولي أمرها للإمام للسلطان للمسئول ، السمع والطاعة بالمعروف
، في غير معصية لله عز وجل .
مهما
كان هذا الإمام ، فإن كان من أهل الطاعة ، فحسن وهو الأولى ، وإن كان من
أشراف الناس فهو أولى ، بل وإن كان ممن عليه التقصير ، وعليه الخطأ لكن
اجتمعت عليه الأمة وبايعته وأصبح إماماً لها فوجبَ السمعُ والطاعة بالمعروف
لهذا الإمام .
ولذلك
تكاثرت النصوص في القرآن في السنة ، وفي أحوال السلف على هذا العاصم من
القواصم ، وهذا عاصمٌ كبير ، لأن ضده أن يكون مجموعة أئمة ، وإن كان مجموعة
أئمة بالتالي يرد التنافس بينهم ، إذا ورد التنافس ، ورد الاختلاف ورد
التناحر ، والتضاد ، والضحية هذه الأمة إذاً العاصم من القواصم ، والقاعدة
الثانية للسير في هذه الحياة وحدة الأمة على إمامها بالمعروف ، ومعنى
بالمعروفق يعني السمع والطاعة في غير معصية الله .
ولذلك جاءت النصوص كما في قوله سبحانه وتعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾[النساء: من الآية59] وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (اسمعوا وأطيعو ، وإذا استعمل عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة) هذا إشارة إلى حتى وإن كان رقيقاً ، لكن ولي الأمر ، واجتمع عليه الناس ، فحينئذٍ تجب السمع والطاعة .
ووردت
أيضاً أحاديثٌ أخرى من مميزات هذه الطاعة في دين الله ، وهذه ناحيةٌ مهمة
قًلَّ أن يتنبه لها الناس ليس الأمر لسياسة الدنيا فقط ، وإنما الأمر
لسياسة الدين فأنت تطيع ولي الأمر في أي أمر من الأمور هو عبادة لله عز وجل
.
فالطاعة
عندنا ليست طاعة حزبية ، ليست طاعة سياسية ، ليست طاعة لمصلحة معينة ،
إنما الطاعة هنا ربانية أنت ترجو فيها الأجر والثواب كما يرجو المسئول
الثواب والأجر بسياسته لهؤلاء الناس .
ولذا جاء الأجر العظيم للإمام العادل (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) ذكر منهم (إمام عادل) .
إذاً
الطاعة بين الإمام والمأموم بين إمام الأمة وعامة الناس هي طاعةٌ ربانية
بمعنى طاعة عبودية يعني أنها عبادة لله عز وجل يرجى الثواب، ليست طاعة كما
هي في الأحزاب ، في الفرق ، في في ، يعني لتلاقي مصلحةٍ معينة بين هؤلاء
الناس ، ومن ثَم يقال بهذا المبدأ .
ليس الأمر كذلك بل الأمر طاعة ربانية ولذلك هنا الله سبحانه وتعالى ربط في الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾[النساء: من الآية59] فدل على أن هذه الطاعة المتعاطفة كلها في نسقٍ واحد .
إذاً
العاصم ، من قواصم الفتن والمشكلات والقواصم ، والمصائب ، وحدة الأمة تحت
ولي أمرها بالمعروف ، وهو في نفس الوقت القاعدة الثانية للسير بهذه الأمة
في هذه الحياة .
القاعة
الثالثة : الحذر من الاختلاف ، وهذه دعونا نقف عندها وقفة يسيرة والناس
تتحدث عن الرأي والرأي والآخر ، وتتحدث عن الخالف ويكثر الكلام في هذا
الباب وكثير من الكلام لا غبار عليه لكن الغبار الذي ينبغي أن يزال ، كي
تتضخ الرؤية اتضاحا سليما هو ألا نفقد العاصم وبين الرسول - صلى الله عليه
وسلم – هنا :
أن
القاعدة في الخلاف أن الأصل الاتفاق ، ليس الأصل هو الخلاف أو الاختلاف
كما يتحدث بعض الناس ، ويقولون دعونا نختلف ، ولا غبار بالاختلاف ، قبل أن
نقول دعونا نختلف نقول دعونا نتفق لأنه كلما ضاقت دائرة الاختلاف كلما كان
أفضل وأولى ، وكلما اتفق الناس كان أولى ، لذلك هنا نسلسل الصورة أو القضية
بالتسلسل الآتي :
إذا الأصل ما هو ؟ الاتفاق والاجتماع ، هذا الاتفاق والاجتماع على الأصول التي لا يجوز الاختلاف فيها .
ما هي الأمور التي لا يجوز الاختلاف فيها ؟
مثل : ما كان معلوم من الدين بالضرورة ، هذا لا يجوز الاختلاف فيه .
الصلاة واجبة ولا غير واجبة ، يجوز أن نختلف فيها ؟
يجوز أن نختلف في الإيمان بالله ؟!
لو قال واحد أنا أؤمن بالله ، وأنت لا تؤمن بالله ، دعونا نختلف .
نقول : لا لا ، هنا لا ندعك تختلف ، الإيمان بالله واجب ، الزكاة يجوز فيها الاختلاف ؟! لا .
في المحرمات ؟!
هل يجوز الاختلاف في أن الخمر محرم ؟! لا .
هل يجوز الاختلاف بأن الزنا محرم ؟! لا .
إذاً : المعلوم من الدين بالضرورة لا يجوز الاختلاف فيه ، بل يجب الاتفاق عليه ، هذا واحد .
مثال
: ما أجمعت عليه الأمة ، ما كان إجماعاً ، فلا يجوز الاختلاف فيه ، فما
كان إجماعا من إجماعات أهل العلم ، وأجمعت الأمة ، فالرسول - صلى الله عليه
وسلم – قال ( لا تجتمع أمتى على ضلالة ) ما
يأتينا واحد ، ويقول لا والله الأمة في عصر الصحابة وعصر الجمل ، والبعير ،
وعصر ما أدري آش ، الآن يجوز أن نختلف ، هم رجال ، ونحن رجال ، نقول : لا .
ما حصل إجماع فالإجماع حجة ، ومصدر من مصادر التشريع ، فلا يجوز الاختلاف فيما أجمع عليه .
الأمر
الثالث : ما كان فيه الخلاف شاذاً ، في قضايا حتى ولو كان قضايا فرعية ،
الخلاف فيها شاذ ، معنى الخلاف فيها شاذ ، يعني : قال به واحد من أهل العلم
، قد نعذره لدليله ، لكن للناس نقول : دعونا نختلف فيه ؟ !لا .
إذاً
: الأصول ما كان معلوم من الدين بالضرورة ، فنقول أصول مثل أصول الإيمان ،
ما كان معلوماً من الدين بالضرورة ، ما كان مجمعاً عليه بين أهل العلم ،
ما كان الخلاف فيه شاذاً .
النقطة
الخامسة : المصالح الكبرى التي لا اختلاف فيها ، ما يأتينا واحد يقول :
مثل هنا النبي - صلى الله عليه وسلم – حذر عن الاختلاف ، وربط هذا التحذير
في قضية السمع والطاعة للإمام ، ما يقول : والله الأمة أجمعت على فلان ،
والإمام هذا فيه من المعاصي ، واحد اثنان ثلاثة ، وأفسد البلد ، واحد اثنان
ثلاثة ، إذاً : يجب الخروج عليه ، هذا من الأصول ، هذا مما أجمعت عله
الأمة في المصالح العامة ، فلا يجوز الخلاف فيه .
يأتينا
ويقول : من الذي يحدد المصالح العامة ؟ يحددها أهل الحل والعقد من الأمة ،
لا يحلها أي واحد يعن له الرأي ويقول لا أنا لها لستم أنتم وأنا لي رأي ،
لك أنت فيما تعتقد بينك وبين الله فيما تعمل فإنك بينك وبين نفسك لك ذلك ،
والله سيحاسبك وليس لأحد عليك طريق .
لكن لأن يكون لهذه الأمة ، لا ، هناك إمام وأهل الحل والعقد هم الذين يحكمون في المصالح الكبرى .
إذاً
: نعود إلى أن المصالح الكبرى التي لا يحددها الأفراد ، وإنما تحددها
المجامع ، يحددها أهل الحل والعقد ، الاسم لا يضير سميناهم : أهل الحل
والعقد ، سميناهم المجلس الكبير ، سميناهم مجلس كذا ، هذه مصطلحات ، يهمنا :
المصالح العامة .
الذي يخالف هذه الأمور الخمسة ، هو المختلف الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
( فإنه من يعش فسيرى اختلافاً كثير)
إذاً أتى هذا التعليل على سبيل المدح ولا الذم ؟ على سبيل الذم .
إذاً : الذي يخالف في هذه الأشياء مذموم .
ما الذي يجوز الاختلاف فيه ؟
الدائرة
واسعة في الفروع والجزئيات فيما لا يترتب عليه مصالح الأمة العامة لا ،
هذا الأمر مجال مفتوح منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم – والناس بحسب ما
يفهمون .
ولما نقول الناس أهل الاجتهاد أهل النظر ، فأبو بكر خالف عمر ، عثمان خالف علي ، رضي الله عن الجميع .
أحمد بن حنبل خالف الشافعي ، والشافعي خالف مالك ، ومالك خالف أبا حنيفة ، الأمر سائغ ، لكن يسوغ لمن ؟
لأي واحد من الناس ؟!
يسوغ لمن بلغ رتبة الاجتهاد ، أنا أقول رأيي في هذه القضية مثلاً :
هل أقصر الصلاة أم لا أقصر الصلاة ؟
هل أصوم هنا أم لا أصوم ؟
هل حكم البيع هذا ، أو المساهمة هذه ؟
إذاً ما الذي يسوغ له الخلاف ؟
العالم به المجتهد .
المجتهد
هو الذي بلغ رتبة الاجتهاد يعني الاستنباط ، والذي بلغ هذه الرتبة ، هو
العالم بالقرآن العالم بالسنة العالم بالغة العربية العالم بإجماعات أهل
العلم ، العالم بقواعد الاستدلال ، العالم بآراء أهل العلم ، لدية القدرة
على الترجيح .
إذاً هذه المؤهلات تحتاج إلى عمر ، لكي أستطيع أن أقول رأيي في المسائل الشرعية .
إذاً
إذا كان الخلاف في المسائل الشرعية فلابد من الاجتهاد ما يأتيني واحد يكتب
لي مقالٍ م في صحيفة أو في أي مكان ما ، ويقول والله هذا رأي العالم فلان
لكن أنا رأي كذا أنت من أنت؟ أنت مثله في العلم ؟ أنت مثله في الاجتهاد ؟
لك رأيك نعم إذا كان لديك قدرة ، وتدين الله سبحانه وتعالى بهذا الرأي لكن
لك أن تستفهم لك أن تطرح لك أن تناقش أهلاً وسهلاً ، لكن ليس لك أن تقول
هذا رأيي وهذا هو الحق ، والواجب الذي يجب أن يتبع إنما يقوله العالم هذا
في المسائل الشرعية .
ننتقل
إلى مسألة أخرى ، وهي المسائل الحياتية التي في حياة الناس ، والله أنا
ألبس غترة أو ألبس شماط مثلاً ، والله المصنع الفلاني يكون بهذه الصورة ولا
بهذه الصورة ينتج كذا ولا لا ينتج كذا، الشوارع تكون بعرض كذا ، أو بطول
كذا ، تصريفها يكون بماذا؟ هذا فيما ينظرُ فيه أهل الاختصاص ، وكل من يهمه
الأمر ويقول رأيه في هذا الباب ، وهذا بابُ واسع .
والخلط
الكثير الذي يحصل عند كثير من الناس هو الخلط بين المسائل الشرعية وبين
مسائل الحياة العامة ، الحياة العامة لا ، لا تلقح النخل كما قال النبي صلى
الله عليه وسلم تأبرها أو ما تأبرها تؤبر في وقتها ، هذا لأهل الاختصاص ،
السيارة هذه تأخذ سعة كذا لتر من البنزين أو لا تأخذ هذا لأهل الاختصاص
فيها أنت يكون بيتك بهذه الصورة مزرعتك تكون بهذه الصورة أنت تبدي رأيك في
مسألة سعة هذا الشارع أو نحو ذلك ، لك أن تدلي بدلوك وبخاصة لمن كان لديه
المعرفة .
نأتي
لمسائل العلوم المختصة الدقيقة ، مثل الطب هل يجوز أن أبدي رأيي أنا الآن
فيه ، وأقول والله لابد أن نجري التحليلات الفلانية على كذا لا ، أنا أتكلم
من جهل فمثلي لا يكون ، وكذلك في الأمور الهندسية الدقيقة أمور الحاسب
وغيرها أو أمور هندسية عامة فهذه يؤخذُ فيها رأي المختص الأخر كما قلنا
يناقش .
إذا
هناك مصالح كبرى لا يجوز الاختلاف فيها ، هناك قواعد كبرى في الشرع لا
يجوز الاختلاف فيها ، المسائل الشرعية الذي يخالف ويقول رأيه فيها هو
المختص من أهل العلوم الشرعية ، أمور الحياة العامة الأمر مفتوح ، الأمور
الاختصاصية الدقيقة في العلوم لأهل الاختصاص هذا كله بعد مسألة الأصل وهو
الاتفاق والاجتماع .
وعدم
الخلاف هو الأولى فبدل من أن نقول دعونا نختلف نقول دعونا نتفق ونحصر
دوائر الخلاف في نقاط يسيرة ، كلما ضاقت دائرة الخلاف كلما مشت الأمة بسير
صحيح ، وبخاصة في المصالح العامة .
بقي
أن نقول إنَّ فلاح الأمة ونصرها مربوط بقوة الاجتماع والوحدة التي انطلقت
من وحدة الإمام ، وأن هزيمة الأمة وذلها مرتبط باختلافها فيما بينها .
ولذلك
جاءت الحكمة للعدو يقول "فرق تسد" لما تتفرق الأمة شيعاً وأحزاباً سادهها
عدوها ، واستطاع أن يأخذ صنف ضد صنف وحزبٌ ضد حزب فتهلك الأمة وتضعف وتتفكك
، لكن لكلما اتحدت كلما كانت قوية منصورة عامل الاتحاد هو ما ذكره النبي
صلى الله عليه وسلم هنا، ما الذي يساعد وهو المعلم الرابع ما الذي يساعد
على هذه القوة على هذا الاجتماع على عدم الاختلاف ما هو ؟
(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي)
كلما سرتُ على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم ، وطريقة الخلفاء الراشدين ،
ضاقت دائرة الخلاف ،وتقوت دائرة القوة ، والوحدة ، والاتحاد .
فلذلك
الطريق السليم هو التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، سنتة في
العبادات ، سنتة في المعاملات ، سنته في سياسة الناس ، سنته في التعامل ،
سنته في تنمية الأمة ، سنته في التعامل مع الله سبحانه وتعالى ، وكذا سنة
الخلفاء الراشدين المهديين ، هذا العامل الأساس ، وكلما سار الناس عليه
كلما اتحدت الأمة وتقوت ، وضده عاملٌ للاختلاف .
إذاً عامل القوة هو السير على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهاج أصحابه رضوان الله عليهم وبخاصة الخلفاء الراشدين .
ضده
المخالف لهذه السنة ، وهو المبتدع الذي خالف طريقة النبي صلى الله عليه
وسلم ، وسار على طريقة الابتداع ، حينئذٍ هذه الطريقة طريقة الابتداع هي
العامل الكبير لاختلاف الأمة ؛ لأن الابتداع هو تأثيرٌ على الأصول التي
ذكرناها قبل قليل ، عامل على التأثير التي ذكرناها قبل قليل ؛ لأن البدعة
ما لم يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم وهو كما تعلمون مضى معنا الكلام في
أمر البدعة.
إذاً
من هذا الحديث توحدت معالم أساسية كبرى للسير في منهاج الأمة إلى النجاة ،
هذه المعالم هي في الوقت نفسه عواصم من قواصم الفتن ، والمزلات ، والمصائب
في أي عصر إذا صارت عليها الأمة .
هناك فوائد جانبية وهي من هذا الحديث وهي :
حرص
الصحابة رضوان الله عليهم على تلقي الفوائد الكبيرة ، ولذلك قالوا للنبي
صلى الله عليه وسلم كأنها موعظة مودع فأوصنا ، ولذا العقلاء من الأمة يجب
أن يستغلون الأوقات لوصية من هو أكبر منهم سناً ، ومن هو أكبر منهم علماً ،
ومن هو أكبر منهم تجربةً ، وخبرةً ، وهكذا .
من
الفوائد أيضاً تأثير الموعظة ، والإنسان يحتاج إلى موعظة ليس دائماً
يستخدم العقل ، العقل ل شك هو الأصل ، لكن العاطفة تجيش مع المواعظ مع
الترغيب ، مع الترهيب فالناس يحتاجون إليها الله سبحانه وتعالى قال ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذريات:55] .
إذاً
المؤمن بحاجة إلى الذكرى لكي يرتفع منسوب الإيمان ، ويزول الشوائب والغبش
الذي يصبح راناً على القلوب ، بهذا نكون قد انتهينا من هذا الحديث وإذا
رأيتم أن نؤجل الأسئلة للحديث الذي بعده .
الموضوع : الحديث الثامن والعشرون الطاعة والتزام السنة المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ام ابراهيم