بسم الله الرحمن الرحيم
حكم نبش القبور
السؤال :
ما حكم نبش القبور ؟ وما هي تلك الحالات التي
تستدعي
أو تستوجب نبش القبور ؟ وهل يتغير أو يرتبط الحكم بالواقع و الظروف ؟
الجواب :
يجيب عليه : فضيلة الدكتور الشيخ :
أحمد بن عبد الكريم نجيب
أقول مستعيناً بالله تعالى بعد حمده و الصلاة و
السلام على رسوله و آله :
إن الله تعالى جعل حرمة المسلم من أكبر الحُرمات ، و
أوجبها صوناً على المسلمين و المسلمات ، و هذا ما فهمه السلف قبل الخلف ؛
فقد روى ابن حبان و الترمذي بإسنادٍ حسن أن عبد الله بن عمر ما نظر يوماً إلى الكعبة فقال : ( ما أعظمَكِ و أعظمَ حُرمتِكِ !
و المؤمنُ أعظم حُرْمةً مِنْكِ ) .
و حرمة المسلم غير مقيدة بحياته ، بل هي باقية في الحياة و
بعد الممات و يجب صونها و الذب عنها في كلّ حال ، و على كلّ حال .
روى البخاري أن عبد الله بْنَ عَبَّاسٍ ما شهد جِنَازَةَ مَيْمُونَةَ أم المؤمنين ا بِسَرِفَ فَقَالَ : ( هَذِهِ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلا
تُزَعْزِعُوهَا وَ لا تُزَلْزِلُوهَا و ارْفُقُوا ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله [ كما في فتح الباري ] :
يُستفاد من هذا الحديث أنَّ حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته ،
و فيه حديث ( كسْرُ عَظْمِ المؤمن ميْتاً كَكَسرِهِ حياً ) أخرجه أبو داود
و ابن ماجه و صححه ابن حبان . اهـ .
و لا شك أن في نبش القبور و نقل ما فضل من آثار الموتى في
الألحاد ، انتهاك حرمةٍ أوجب الله تعالى حفظها و صيانتها و الدفاع عنها .
و عليه فإن التحريم هو الأصل في نبش قبور المسلمين ، و لا
يُعدَل عن هذا الأصل إلا في حالات بيّنها أهل العلم و هي على نوعين :
النوع الأول : نبش القبر لغاية محددة لا يجوز التوسع فيها عن
مقدار الضرورة ، و يجب إعادة دفن رفاة الميت في نفس الموضع الذي نُبِشَ فور
بلوغ الغاية المبرِّرَة لنبشه .
و تندرج تحت هذا القسم حالات نُمَثِّل لها فيما يلي :
أولاً : إذا سقط في القبر أو نُسي فيه أثناء الدفن مالٌ مقوّم
كالنقدين و مسحاة الحفَّار ، أو كان فيه شيئ مغصوب من كفن و نحوه ؛ فإنه
يجوز نبشه لإخراج ما فيه من مالٍ ، و يجب على من نبشه أن يواري الميت الثرى
ثانية عقب استخراج ما سقط في القبر أو نُسيَ فيه .
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله [ كما في المغني : 2/412 ]
: ( و إن وقع في القبر ما له قيمة نُبِشَ و أُخْرِج . قال أحمد : إذا نسي
الحفّار مِسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها ، و قال في الشيء يسقط في القبر
مثل الفأس و الدراهم يُنبَش ؟ قال : إذا كانت له قيمةٌ … ] .
و قال الخطيب الشربيني [ كما في مغني المحتاج ] : ( إذا
دفن في أرض أو في ثوب مغصوبين و طالب بهما مالكهما فيجب النبش ، و لو تغير
الميت ، و إن كان فيه هتك حرمة الميت ليصل المستحق إلى حقه ) .
ثانياً : إذا كان مع المدفون مالٌ مقوّم غير يسير فينبش قبره ، و
يستخرج المال الذي معه ، ثمّ يسوى عليه القبر ثانية .
و قد استدل بعض أهل العلم على جواز نبش القبر لاستخراج
مالٍ دُفن مع الميت بما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو ما قال : سَمِعْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه و سلم يَقُولُ
حِينَ خَرَجْنَا مَعَهُ إلَى الطّائِفِ فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ : ( هَذَا
قَبْرُ أبي رِغَالٍ ، وَ كَانَ بِهَذَا الْحَرَمِ يُدْفَعُ عَنْهُ ،
فَلَمّا خَرَجَ أصَابَتْهُ النّقْمَةُ الّتِي أصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا
المَكَانِ فَدُفِنَ فِيهِ ، وَ آيَةُ ذَلِكَ أنّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ
مِنْ ذَهَبٍ ، إنْ أنْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ أصَبْتُمُوهُ مَعَهُ ) .
فابتدره الناس ، فاستخرجوا الغصن .
قلت : هذا الحديث ضعيف . و من أوجَهِ أوجُهِ الاستدلال على
جواز نبش القبر لاستخراج متاع نفيس أو مالٍ مقوَّمٍ قياسُ الأولى ، حيث
يقال : إذا شرع نبش القبر لاستخراج خاتم الحفار و مسحاته و نحوهما ؛ فمن
بابٍ أولى أن يكون ذلك مشروعاً لاستخراج مالٍ كثير من النقدين و غيرهما
سواء كان مما يرجع ملكه للميت في حياته ، أو لغيره ، و الله أعلم .
ثالثاً :
الاضطرار إلى تشريح الجثة لمعرفة صاحبها إن لم يكن معروفاً عند الدفن أو
قبله ، أو للتثبت من وقوع جنايةٍ ما و تحديد الجناة الذين تسببوا في قتل
النفس المدفون صاحبها بغير وجه حق ، على ما يجري عليه العمل في العصر
الحاضر ، و في هذه الحال لا بد من الرجوع إلى رأي طبيب مسلمٍ ثقةٍ في عمليه
النبش و و التشريح ، كما ينبغي الرجوع إلى إذن ولاة المتوفى ( المقتول
غالباً ) قبل انتهاك حرمته ، و الله أعلم .
قلت : و هذه الصورة على وجه الخصوص جديرة بالدراسة و البحث
للوصول إلى أدق الضوابط الشرعية للتصريح بنبش القبر بقصد تشريح الجثة ، كي
لا تكون حرمات المسلمين محل عبث العابثين و تساهل المتساهلين ، و بالله
التوفيق .