وعقيدة أهل السنة والجماعة في ترتيب الخلفاء
الأربعة في الإمامة كترتيبهم في الفضل، فالإمام بعد النبي صلى الله عليه
وسلم أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم أبو السبطين
علي رضي الله عنهم أجمعين، فأهل الحق يعتقدون ..
الفصل الثامن: فضل الصحابة
من أهل البيت عموماً وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً:
المراد بأهل البيت لغة وشرعاً:
الأهل لغـة:
قال الخليل بن أحمد: "أهل الرجل
زوجه والتأهل التزوج وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت سكانه وأهل
الإسلام من يدين به"
[1].
وقال الراغب الأصفهاني: "أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو
دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد، فأهل الرجل في الأصل من يجمعه
وإياهم نسب، وتعورف في أسرة النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً إذا قيل أهل
البيت لقوله عز وجل ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ
لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــر﴾
[الأحزاب:33]" [2].
قال ابن منظور: "وأهل المذهب: من يدين به وأهل
الإسلام من يدين به وأهل الأمر ولاته، وأهل البيت سكانه وأهل الرجل: أخص
الناس به، وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه وبناته وصهره أعني
علياً عليه السلام، وقيل: نساء النبي صلى الله عليه وسلم... إلى أن قال:
والتأهل: التزوج، والآهل الذي له زوجة وعيال، والعزب الذي لا زوجة له...
وآل الرجل أهله وآل الله ورسوله أولياؤه" [3].
وأما شرعـاً:
فقال
القرطبي: "والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج
وغيرهم، وإنما قال: ﴿وَيُطَهّرَكُمْ﴾ لأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلياً وحسناً وحسيناً كانوا فيهم، وإذا
اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت؛
لأن الآية فيهن، والمخاطبة لهن يدل عليه سياق الكلام" [4].
وقال الحافظ ابن كثير: "وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرّجْسَ
أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــر﴾ نص في دخول أزواج
النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت ها هنا لأنهن سبب نزول هذه الآية،
وسبب النزول داخل فيه قولاً واحداً؛ إما وحده على قول أو مع غيره على
الصحيح... ثم الذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه
وسلم داخلات في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ
ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ
تَطْهِيــر﴾ فإن سياق الكلام معهن ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: ﴿وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِى بُيُوتِكُـنَّ مِنْ
ءايَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْــمَةِ﴾ [الأحزاب:34]" [5].
ما جاء في فضل أهل البيت
عموماً وزوجات النبي صلى
الله عليه وسلم خصوصاً:
1- قال تعالى: ﴿ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ
وَأَزْوٰجُهُ أُمَّهَـٰتُهُمْ﴾.
قال القرطبي: "شرف الله تعالى
أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي: في وجوب
التعظيم والمبرة والإجلال، وحرمة النكاح على الرجال، وحجبهن رضي الله عنهن
بخلاف الأمهات" [6].
وقال
الحافظ ابن كثير: "وقوله: ﴿وَأَزْوٰجُهُ
أُمَّهَـٰتُهُمْ﴾ أي: في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام
والإعظام، ولكن لا تجوز الخلوة بهن، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن
بالإجماع" [7].
2- قال تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا
ٱلنَّبِىُّ قُل لأزْوٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا
وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحاً
جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ
ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَـٰتِ مِنكُنَّ أَجْراً
عَظِيم﴾ [الأحزاب:28،
29].
هذا أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم
بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة
الدنيا وزينتها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ولهن عند الله تعالى
في ذلك الثواب الجزيل، فاخترن رضي الله عنهن وأرضاهن: الله ورسوله والدار
الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة [8].
3- قال تعالى: ﴿يٰنِسَاء
ٱلنَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ ٱلنّسَاء إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ
تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ
قَوْلاً مَّعْرُوف﴾ [الأحزاب:32].
قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله
بن عباس رضي الله عنهما في بيان معنى الآية: (﴿يٰنِسَاء ٱلنَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ ٱلنّسَاء﴾
يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات، أنتن أكرم علي
وثوابكن أعظم لدي) [9].
4-
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أما بعد: ألا أيها
الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين:
أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به)
فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: (وأهل بيتي،
أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل
بيتي) [10].
الفصل التاسع: عقيدة أهل السنة والجماعة في
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
المبحث
الأول: وجوب محبتهم رضي الله عنهم:
من عقائد أهل السنة والجماعة
وجوب محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم والاحتجاج
بإجماعهم والاقتداء بهم والأخذ بآثارهم، وحرمة بغض أحد منهم، لما شرفهم
الله به من صحبة رسوله صلى الله عليه وسلم والجهاد معه لنصرة دين الإسلام
والهجرة في سبيله، وقد دلت النصوص الصحيحة الصريحة على هذا المعتقد في كثير
من الآيات والأحاديث منها:
1-
قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ
يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا
بِٱلإيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ
رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر:10].
هذه الآية دليل على وجوب محبة
الصحابة لأنه جعل لمن بعدهم حظاً في الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم
والاستغفار لهم، وأن من سبهم أو واحداً منهم أو اعتقد فيه شراً أنه لا حق
له في الفيء، روي ذلك عن مالك وغيره قال مالك: من كان يبغض أحداً من أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء
المسلمين ثم قرأ: ﴿وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن
بَعْدِهِمْ﴾
[11].
2- عن عبد
الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم
فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني
فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه) [12].
3- عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض
الأنصار)[13].
4- عن عدي بن ثابت قال: سمعت البراء يحدث عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأنصار: (لا
يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم
أبغضه الله)
[14].
5- عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر)[15].
المبحث الثاني: الدعاء
والاستغفار لهم:
من حق الصحابة الكرام رضي الله عنهم على كل من
جاء بعدهم من عباد الله المؤمنين أن يدعو لهم ويستغفر لهم ويترحم عليهم،
وقد دل على هذا كم كبير من نصوص الوحيين منها:
1- قال الله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ
جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا
ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ
لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ﴾.
2- عن عروة قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي،
أُمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم [16].
قال
النووي: "قولها: (أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم فسبوهم) قال القاضي: الظاهر أنها قالت هذا عندما
سمعت أهل مصر يقولون في عثمان ما قالوا، وأهل الشام في علي ما قالوا،
والحرورية في الجميع ما قالوا، وأما الأمر بالاستغفار الذي أشارت إليه فهو
قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ
يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا
بِٱلإيمَـٰنِ﴾"
[17].
3- عن قتادة
بن دعامة السدوسي أنه قال بعد قراءته لقوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ
جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ﴾: "إنما أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم ولم يؤمروا بسبهم" [18].