El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: ألا في الفتنة سقطوا الجمعة 23 يوليو 2010 - 13:05 | |
| وإلا
ألا في الفتنة سقطوا فقلي بربكَ! ماذا سيضير تخلُّف رجلٍ واحدٍ عن معركةٍ قوام جيشها ثلاثون ألفاً حتى يتولى القرآن الرد على شبهةٍ هزيلةٍ رذيلةٍ تعلَّق بها رجلٌ مغمورٌ مغموز:{يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي}[التوبة/49]، فيأتي الردُ الحاسم القاصم :{أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}[التوبة/49]، مع أنه لم يثر شبهته ليثني بها غيره عن الجهاد، ولا هي من قبيل ما يقبل الرواج، وإنما فقط بحث لنفسه عن مخرجٍ ينجو به من تكاليف النفير ويريحها من وعثاء السفر فلم يجد أهوَن مما تعلق به، فاتّخذ دعوى الحفاظ على دينه والبعد عن الفتنة ملاذاً آمناً يركن إليه فراراً من أداء هذه العبادةِ الممحِّصة.
فكيف بِمن يملأ الصفحات بل ويصنِّف الكتب ويسهر الليالي منقباً عن الشبهات التي يتعلل بها لنفسه ويُقعِد بها غيرَه محاولاً جهده إحكامها وإتقانها ومروجاً لها بزخرف القول ليحمِل وزر قعوده كاملاً ومن أوزار الذين يثبطهم ويزهِّدهم في الجهاد ويقطع عليهم طريق الجنّة الذي لا شك فيه؟!، وهذا –والله- من الحرمان والخذلان العظيم للعبد إن لم يتب ويرجع وينتبه من غفلته، فكما أن جزاء الحسنة حسنةٌ بعدها، فكذلك عقوبة السيئة سيئةٌ بعدها، ومن أعظم العقوبات في ذلك أن يستحسن المرء ذنبه فيراه حسناً كما قال تعالى : {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا}[فاطر/8].
فهذا المرء الذي رضي بالنكول عن القيام بعبادة الجهاد وقنع بذلك واستطابته نفسه عوقب بأن فُتِح عليه باب سيئةٍ فوقها وهي تسويغ ما هو فيه واستجلاب أنواع الأعذار وتسليكها، والأشنع من ذلك الاستدلال لها تكلُّفاً بأدلة الشرع وتلفيقاً لكلامٍ ملتقطٍ لعلماء، فلما تمادى في ذلك وأعجبه واستحلاه حلَّت به سيئة بعدها وهي تثبيط غيره وإشراكه في إثمه ودعوته لما تلبَّس به، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عَمِل بها، فبَدل أن يكون نافراً للجهاد أصبح نافراً عنه منفِّراً منه، وبدل أن يحرِّض عليه غدا مثبِّطاً مبطِّئاً من أراده، وبدل أن يدفع عنه أنواع الشبهات تولى بنفسه اختلاقها وإشاعتها والترويج لها وتزيينها: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور/63][/size]
وما أحسن ما قاله الإمام المجاهد شيخ الإسلام –رحمه الله- :ي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله من الابتلاء والمحن ما يعرض به المرء للفتنة، صار في الناس من يتعلل لترك ما وجب عليه من ذلك بأنه يطلب السلامة من الفتنة، كما قال عن المنافقين : "وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا" الآية ... إنه طلب القعود ليسلم من فتنة النساء، فلا يفتتن بهن،... قال الله تعالى: " ألا في الفتنة سقطوا" ، يقول نفس إعراضه عن الجهاد الواجب ونكوله عنه وضعف إيمانه ومرض قلبه الذي زين له ترك الجهاد : فتنة عظيمة قد سقط فيها، فكيف يطلب التخلص من فتنة صغيرة لم تصبه بوقوعه في فتنة عظيمة قد أصابته؟ والله يقول : "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله"، فمن ترك القتال الذي أمر الله به لئلا تكون فتنة: فهو في الفتنة ساقط بما وقع فيه من ريب قلبه ومرض فؤاده، وتركه ما أمر الله به من الجهاد.]اهـ.
فلا عجب إذاً أن تسمى سورة التوبة بالفاضحة، والمقشقشة، والبَحوث، والحافرة، والمنقِّرة، والمثيرة، والمبعثرة وغير ذلك من الأسماء التي تدل على الخلوص إلى أعماق قلوب المنافقين واستخراج ما فيها ليراه الناس مجسّداً في أقوالهم وأفعالهم ومرواغاتهم وحيلهم التي استسلموا لها وانساقوا لقيادها في معركة عسيرةٍ حاولوا جهدهم التخلّص منها والتملص من تحمّل مشاقِّها : {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[التوبة/42].
فبهداهم اقتده... ويؤيد هذا ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم حينما اشتغلوا بالجهاد وفرَّغوا أنفسهم لأدائه فأدى ذلك إلى ضياع كثيرٍ من أمور دنياهم التي كانوا بها مشتغلين، فبعد أن تمكَّن الدين وقام عموده وخفقت بنوده وكثرت جنوده، وانتشر نوره ودخلت فيه جموع الناس طوعاً أو كرهاً تحدَّث بعضهم إلى بعضٍ فيما بينهم (سراً) بأن يفرِّغوا أنفسهم لإصلاح شؤونهم والاعتناء بأموالهم، ومع ذلك فلا يظهر أنهم حدثوا أنفسهم بترك عبادة الجهاد كليَّةً، فأنزل الله تعالى في ذلك قوله : {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة/195]، وقد قال الصحابي أبو أيوب الأنصاري –رضي الله عنه- : الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله تعالى : "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد]رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان وبوَّب عليه بقوله : [ذكر الإخبار عما يجب على المرء من ترك الاتكال على لزوم عمارة أرضه وصلاح أحواله دون التشمير للجهاد في سبيل الله وإن كان في المشمرين له كفاية](صحيح ابن حبان :11/9)، فكيف إذا لم يكن في المشمرين له كفاية؟! وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
الموضوع : ألا في الفتنة سقطوا المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|