ليس في القرآن الكريم زلات لسان كالتي تصاحب أي كلام ارتجالي ... هذا المثال تقدمه لنا الآية الآتية
) " إذا جاءك المنافقون
(2) قالوا نشهد إنك لرسول الله
(3) والله يعلم إنك لرسوله
(4) والله يشهد إن المنافقين لكاذبون"
(المنافقون 63/1)
ها هو ذا النص الذي ندرسه والذي قصدنا إلى ترقيمه وتجزئته أربعة اجزاء ندرس فيها نظام الفقرات.
وتظهر المسحة التاريخية للآية في الفقرة الأولى التي تصور لنا حادثا عاديا هو حضور المنافقين بين يدي النبي- صلى الله عليه وسلم- ولقد جاءت هذه الفقرة في مكانها فعلا، لأن الهدف العاجل من هذه الآية هو أن تصف لنا غدر المنافقين وكذبهم، فمن الواجب أولا أن تعطينا وصفا لاطار الحادثة، وهو كون المنافقين في حضرة النبي- صلى الله عليه وسلم. أما الأفكار التالية لذلك فينبغي أن تجيء وفق نظام طبيعي يتبع درجة الأهمية، أي ينتقل من الفكرة الرئيسية إلى الفكرة التابعة، وخاصة في الأسلوب الخطابي كما هو شأن القرآن.
والفكرة الرئيسية هنا هي ان يعلن غدر المنافقين، وأن يكذبهم في مقالتهم فإن طبقنا هذه الملاحظة على ترتيب افكار الآية صارت هكذا:
إذا جاءك المنافقون
قالوا نشهد إنك لرسول الله
والله يشهد إن المنافقين لكاذبون
والله يعلم إنك لرسوله
بهذه الصورة تصبح الآية بالتدقيق كاملة، ومطابقة للتركيب العربي، فيما عدا القلب الذي طرأ على وضع الجملتين (3 و 4) لتردها إلى ترتيبها الطبيعي، ومع ذلك فربما نلاحظ أن الآية تعرض في نسقها الجديد لنقد في الصميم، إذ تكون برهانا خطيرا ضد القيمة العلوية للوحي، لأن معنى الفقرة (4) كله قد أصبح في التنظيم الجديد تكذيبا، لا لغدر المنافقين، بل لإقرارهم وشهادتهم بأنه رسول الله، ففي التركيب القرآني للأفكار دقة مذهلة، لأن الفقرة الثالثة التابعة تؤكد أولا صحة رسالة النبي- صلى الله عليه وسلم – وهو ما شهد به المنافقون- قبل أن يعلن كذبهم في الفقرة الرابعة الرئيسية. هذا الترتيب الدقيق الذي يتميز بالعمق واليقظة البالغة يتنافى- كما يجب أن تكرر- مع الظروف النفسية والزمنية التي تبرق فيها (الوحدة الكمية) للقرآن، حتى كأنما هي ومضة خاطفة.
وهو يتنافى أيضا مع الارتجال والتلقائية لاسلوب القرآن، وواجبنا أن نذكر القارىء بأن الخطاب القرآني من الناحية الشكلية يعد عرضا شفويا لا تظفر فيه الفكرة بالزمن المادي الكافي لتحقيق الدقة المنطقية التي نلمسها في الأسلوب المكتوب.
فليس لدى الإنسان عندما يتحدث وقت لكي (يدير لسانه من فمه سبع مرات). والاسلوب الخطابي عموما عرضة لزلات اللسان على حين يقل تعرض الأسلوب للأخطاء العلمية لأن لدى الكاتب فرصة (ليغمس القلم في الدواة سبع مرات) قبل كتابة الفكرة.
الموضوع : لا ارتجال بدون زلات لسان المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya